نفاد الخيارات أمام إسرائيل وقسد

08:1810/10/2025, Cuma
تحديث: 10/10/2025, Cuma
يحيى بستان

عندما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار خلال المباحثات التي حضرها رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن في شرم الشيخ، كان أول ما قمت به محاولة الاطلاع على التفاصيل. كان النقاش لا يزال محتدمًا، فواجهتُ صعوبة في جمع المعلومات. لكن رغم كل شيء، ثمّة اتفاق قائم، وإن كانت المرحلة الأولى منه تقتصر على تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. وبالنظر إلى تصريحات القادة، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، بدا الجميع راضياً. وقد نوهت التصريحات بالشكر لكل من تركيا والولايات المتحدة وقطر ومصر. تم التوصل

عندما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار خلال المباحثات التي حضرها رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن في شرم الشيخ، كان أول ما قمت به محاولة الاطلاع على التفاصيل. كان النقاش لا يزال محتدمًا، فواجهتُ صعوبة في جمع المعلومات. لكن رغم كل شيء، ثمّة اتفاق قائم، وإن كانت المرحلة الأولى منه تقتصر على تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. وبالنظر إلى تصريحات القادة، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، بدا الجميع راضياً. وقد نوهت التصريحات بالشكر لكل من تركيا والولايات المتحدة وقطر ومصر.

تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، لكن السؤال الذي طُرِح: ماذا لو استأنفت إسرائيل هجماتها بعد إطلاق سراح الأسرى؟ من سيحمي الفلسطينيين من غدر إسرائيل؟ لم أتمكن من معرفة التفاصيل، لكنني سمعت ما يلي: "تركيا ومصر وقطر والولايات المتحدة هي الدول الضامنة لهذا الاتفاق. وتركيا ستشارك في مهمة بالمنطقة."

وقد أوضح الرئيس أردوغان التفاصيل لاحقاً خلال في ذلك اليوم، حيث قال: "سنشارك نحن أيضاً في قوة مهام تتابع تنفيذ بنود الاتفاق على الأرض." هذه خطوة مهمة: فهذه القوة ستُعنى بالبحث عن المفقودين، وتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية، والإشراف على وقف إطلاق النار. وأعتقد أنّ قوة المهام هذه ليست هي نفسها قوة حفظ السلام العسكرية الدولية التي نوقشت سابقاً للإشراف على السلام النهائي. فالأخيرة قد تُطرح في مراحل لاحقة إن وافق الطرفان عليها


هل ثمة إشارات استفهام؟ بالطبع

وفيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.. كيف سيتم التفاوض في المرحلة الثانية على قضايا مثل: كيفية إدارة غزة، وما إذا كانت ستُربط بالسلطة الفلسطينية، وما إذا كانت إسرائيل ستنسحب من جميع المحاور؟ هل ستظهر عراقيل؟ وهل سيعاود نتنياهو شن الهجمات هربا من ضغوط أعضاء حكومته العنصرية المتطرفة ومرتكبة الإبادة الجماعية، وللحفاظ على كرسيه؟ ألن يظهر من يرتكب استفزازات لخرق وقف إطلاق النار؟ كل هذا ممكن. ولكن من الواضح أيضاً أن تل أبيب قيّدت نفسها بجلوسها على طاولة المفاوضات مع حماس. وهي تعيش أعمق عزلة لها في تاريخها، وتُدان كمرتكبة للإبادة الجماعية في جميع عواصم العالم. ووفقاً لتعبير سليمان سيفي أوغون، "الركيزة الثقافية للهيمنة اليهودية العالمية تنهار." إسرائيل تدرك هذا. وتصرفها الحذر أثناء اعتراض أسطول "الصمود" وغيره من القوافل مرتبط بهذا الإدراك.


تجميد مخطط "إسرائيل الكبرى"

سعت إسرائيل إلى تحويل السابع من أكتوبر إلى فرصة، لتنفيذ مخططها التدريجي المعد مسبقا، والذي كان يتضمن ما يلي:

أولاً: احتلالُ وضمُّ قطاع غزة (وعلى المدى الطويل للضفة الغربية) والقضاء على حركة حماس. وتنفيذ خطة "ريفييرا" التي طرحها ترامب لتطهير غزة من العرب، مما يزيل إمكانية حل الدولتين من جدول الأعمال إلى الأبد. هذا هو الجانب المتعلق بفلسطين في الخطة.

ثانياً: تقليص وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة.

ثالثاً: إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان ونزع سلاح حزب الله.

رابعاً: إضعاف سوريا وإنشاء اتحاد فدرالي رباعي الأجزاء، ونزع سلاح جنوب البلاد، وإقامة منطقة عازلة، ومنح حكم ذاتي للدروز في الجنوب، وقسد في الشمال، والحفاظ على ممر جوي وبري يصل إلى إيران والعراق (ممر داوود).

خامساً: تركيز القوة المهيمنة في المنطقة، وضمان قبول دول الخليج لذلك، وربط اتفاقيات إبراهيم بهذا المستوى الجيوسياسي غير المتوازن، ومنع أنقرة من اكتساب نفوذ في سوريا والمنطقة. وحتى الآن لا تزال هذه الاستراتيجية حبرًا على ورق. ولكن صناع القرار الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين كانوا يمزجون هذه الاستراتيجية وراء الكواليس بأوهام "إسرائيل الكبرى".


سخرية القدر من تل أبيب

لكن بالنسبة لإسرائيل، يبدو أن الحلول قد نفدت؛ فتل أبيب تعثّرت في المرحلة الأولى من هذا المخطط في فلسطيني. وفشلت في تحقيق جزء كبير من أهدافها. والملخص العام للحالة الراهنة هو ما يلي:

أولاً: تمّ إحباط مخطط احتلال وضم غزة. ثانيًا: قدمت الولايات المتحدة ضمانات بأنها لن تسمح بضم الضفة الغربية. ثالثًا، فشلت محاولة "تجريد غزة من العرب"؛ وجرى إحباط مخططات التهجير. رابعًا، حتى بريطانيا وفرنسا أخيراً اعترفتا بالدولة الفلسطينية. وخامسًا، والأهم: آلية الضمان الدولية؛ فإذ انُشرت قوة دولية في غزة، فهذا يعني عمليًا أن إسرائيل لن تتمكن من مهاجمة غزة مجددًا. وإذا نُشرت تركيا كدولة ضامنة في غزة، فسيكون ذلك، بالنسبة لتل أبيب التي تحاول الاقتراب من حدود تركيا عبر قسد ، بمثابة سخرية القدر أو مفارقة دبلوماسية لتل أبيب.


الموقف السوري لا يحتمل الوضع الراهن

قد تشكّل هذه الصورة مؤشّرًا لما قد تتّجه إليه المراحل اللاحقة من الخطة الإسرائيلية الإقليمية (باستثناء وجود الحشد الشعبي في العراق، والاستعدادات الجديدة تجاه إيران). ولعلكم تذكرون أنه عندما هاجمت إسرائيل دمشق، طلبت الإدارة السورية دعماً عسكرياً من تركيا. وفسّرنا ذلك بأن "أنقرة وضعت السلاح على الطاولة". وكتبنا حينها أنه سيكون هناك تطورات في هذا الصدد بعد زيارة الرئيس أردوغان للولايات المتحدة. ورغم أن إدارة دمشق تفضل الانتظار حتى نهاية العام (الموعد الذي نص عليه اتفاق 10 مارس)، فإن الساحة السورية لم تعد تحتمل هذا الجمود. والاشتباكات التي وقعت مؤخراً في حلب خير دليل على ذلك.

إن تضييق الخناق على إسرائيل يضعف أيضاً موقف قسد. فقد كانت "قسد" التي كانت تبحث عن طرف ثالث للضغط على دمشق، وحاولت نقل المحادثات مع سوريا إلى باريس، لكن دمشق رفضت ذلك بإيعاز من أنقرة. وعندما تصاعدت وتيرة الأحداث الميدانية، ، قام المبعوث الأمريكي باراك وقائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) كوبر بإحضار مظلوم عبدي إلى دمشق، وعُقد اجتماع.


الفرصة الأخيرة أمام قسد

الولايات المتحدة لا تقف بالكامل في صف قسد. ولهذا تطلب "قسد" إشراك الولايات المتحدة وفرنسا، والآن دول الخليج أيضاً، في المفاوضات. وتتمحور خطة "قسد" بالكامل حول اللامركزية ورفض نزع السلاح. وقد طالبوا دمشق بمنح مظلوم عبدي منصب وزير الدفاع أو رئيس الأركان، وهو ما قوبل بالرفض. وقد قرأت كذلك تصريحاتٍ لمسؤولةٍ في «قسد» (إلهام أحمد) دعت فيها تركيا إلى أن تكون وسيطاً محايدًا في المفاوضات مع دمشق. وجميع هذه المؤشرات تدلّ على أنّ «قسد» وصلت إلى طريقٍ مسدود، وأن ضغط عامل الوقت يتزايد عليها.

لذلك، فإنّ اقتراح زعيم حزب الحركة القومية (دولت بهجلي ) بضرورة توجيه نداء جديد من "إمرالي" إلى قسد — سواء ذهبت اللجنة إلى إيمرالي أم لا — يأتي في توقيت مناسب، فهو يتيح المجال أمام قسد لتسليم سلاحها والاندماج في سوريا كمواطنين متساوين في الحقوق. إنها فرصة ينبغي اغتنامها قبل فوات الأوان.


#إسرائيل
#قسد
#الاحتلال الإسرائيلي
#غزة
#سوريا
#فلسطين
#تركيا
#وقف إطلاق النار