من يملك القدرة على إيقاف هذه الحرب وما هي الوسيلة؟

08:1718/06/2025, الأربعاء
تحديث: 18/06/2025, الأربعاء
ياسين اكتاي

كان من المفترض أن تُقابل الهجمة المتغطرسة التي شنّتها إسرائيل على إيران ـ رغم إدانتها من قبل المحكمة الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية ـ بردود فعل مستنكرة، إلا أن بريطانيا وفرنسا اعتبرتا هذا الهجوم خطوةً طبيعية. فحين أعلنت هاتان الدولتان اصطفافهما إلى جانب الولايات المتحدة في دعم إسرائيل ضد إيران، كانت إسرائيل تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة بلا هوادة منذ أكثر من 610 أيام. وإن التضامن مع قوة نووية مدانة بارتكاب الإبادة، في مواجهة سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، يقوّض تمامًا ما تبقى من النموذج

كان من المفترض أن تُقابل الهجمة المتغطرسة التي شنّتها إسرائيل على إيران ـ رغم إدانتها من قبل المحكمة الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية ـ بردود فعل مستنكرة، إلا أن بريطانيا وفرنسا اعتبرتا هذا الهجوم خطوةً طبيعية. فحين أعلنت هاتان الدولتان اصطفافهما إلى جانب الولايات المتحدة في دعم إسرائيل ضد إيران، كانت إسرائيل تواصل ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة بلا هوادة منذ أكثر من 610 أيام. وإن التضامن مع قوة نووية مدانة بارتكاب الإبادة، في مواجهة سعي إيران لامتلاك السلاح النووي، يقوّض تمامًا ما تبقى من النموذج الحداثي العلماني الإنساني، الذي تزعزع بالفعل منذ حرب غزة.

ومن الواضح تمامًا كيف سيتلقّى العالم الإسلامي بأسره الرسالة التي خرجت بجلاء من اجتماع مجموعة السبع، ومفادها: "إيران لن تصبح قوة نووية". فرغم أن إيران كانت لسنوات طويلة طرفًا في أزمات متعددة داخل العالم الإسلامي، فإن الإصرار على حرمانها من امتلاك القوة النووية يكشف عن آثار تحيُّزٍ ديني وتضامنٍ مذهبي. وإذا كان لا بد من التحدث عن تهديد حقيقي، فإن مجرد امتلاك إسرائيل لسلاح – حتى وإن كان مسدسًا فقط – يُشكّل خطرًا على الإنسانية جمعاء، فكيف الحال وهي تمتلك ترسانة نووية؟

في الواقع، تمثّل إسرائيل اليوم تهديدًا حقيقيًا للسلم العالمي وللبشرية بأسرها، بما تمتلكه من أسلحة تفوق بكثير مجرد القدرة النووية. وما نراه يوميًا من جرائم ترتكبها في غزة والضفة الغربية وسوريا، خير شاهد على خطورة هذا التهديد. فهي دولة ذات طبيعة عدوانية متغطرسة. والمفارقة أن هذه القوة التي صدر بحقها قرار دولي يصفها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ترى أنه من حقها أن تقرر ما إذا كان يحق لإيران أو لأي دولة أخرى في المنطقة امتلاك هذا السلاح أو ذاك.

هذا هو أحد جوانب الحرب التي نعيشها. أما الجانب الآخر، والأكثر أهمية فهو أن إسرائيل، باندفاعها إلى هذه الحرب، قد فقدت ميزة الحصانة والمنعة التي تمتعت بها رغم كل عدوانها حتى الآن. فمنذ هذه اللحظة، لن تكون إسرائيل قادرةً على الاعتداء على أي دولة تشاء دون أن تواجه العقاب. لقد اصطدم عدوانها - الذي ظلت تمارسه معتمدةً على الأسلحة التي حصلت عليها من الولايات المتحدة وحلفائها المتدينين في أوروبا - بجدار صلب للغاية اليوم. ولهذا السبب بدأت مدنها، وخاصة تل أبيب، تعيش دماراً يشبه ما تعيشه شوارع غزة. والأدهى أن هذا الدمار الذي تجرعته على أرضها جاء من جهة لم تكن تضعها في الحسبان، جهة ظنت أنها عاجزة تمامًا عن الرد. إنها تُضرب الآن بأسلحةٍ أنتجتها دولةٌ عاشت تحت الحصار لمدة 50 عاماً، فكانت تحت وطأة كل أنواع الحرمان، لكنها استطاعت رغم ذلك أن تضرب إسرائيل بأسلحة صنعتها محلياً بجهودها الذاتية، في ظل الصعوبات والشح.

في الواقع، يكشف هذا الوضع عن حقيقة مهمة تدعو للتأمل والتفكير في مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه العقوبات الأمريكية والإسرائيلية بدولة ما، أو ما يجنيه الاعتماد على القوى الغربية. فمن الواضح أن إيران، التي تعرضت لعقوبات وحظر أمريكي وغربي منذ 50 عامًا، حققت مستوى من الاستقلال يمكنها من تلبية حوالي ثمانين بالمائة من احتياجاتها العسكرية من الإنتاج المحلي. صحيح أن نظام الدفاع الجوي لم يقدم أداءً جيدًا في المرحلة الأولى، إلا أن دخوله المرحلة الثانية، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة، والصواريخ الفرط صوتية والباليستية، سيهز بعمق المكانة التي كانت تتمتع بها إسرائيل في المنطقة حتى الآن، والتي فرضتها على معظم دول المنطقة.

في الحقيقة، بدأت مكانة إسرائيل تهتز منذ أن أطلق شعب غزة الباسل – الخاضع لحصار تام منذ عام 2007 – انتفاضته ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر. ويُمكن النظر إلى قصة نهوض الصناعات الدفاعية في تركيا، بوصفها نموذجًا أكبر وأكثر وضوحًا في هذا المضمار.

في المقابل، ألا يُعدّ من العبر الكافية أن دول الشرق الأوسط والخليج، التي تعتمد في صناعتها الدفاعية على مصادر خارجية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وحتى إسرائيل، لا تزال بحاجة إلى الحماية الأمريكية رغم إنفاقها مئات المليارات من الدولارات؟

لقد أساء نتنياهو تقدير صبر إيران وصمتها على عدوانه المستمر (ويمكن القول إن الرأي العام الإسلامي والعربي الذي كان يتوقع ردًا بعد كل هجوم إسرائيلي وقح قد ساهم في ترسيخ هذا الانطباع). والحقيقة أن إيران لم تكن ترغب في الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، وهذا أمر يمكن تفهمه ولا يُعدّ مستغربًا.

ولكن نتنياهو فسّر ذلك الصمت على أنه دليل ضعف إيران وقوته المطلقة، فتوهّم إمكانية تحقيق نصر سريع عليها. ولحظة النشوة التي شعر بها في اليوم الأول حين باغت أهدافًا إيرانية وأعلن انتصارًا مبكرًا، لم تكن في الحقيقة سوى كأسٍ من السمّ قُدِّم له. واليوم يبدو أن هذا السمّ بدأ يسري في جسد إسرائيل بأكملها. فحتى الشارع العربي، الذي طالما اتخذ موقفًا مناهضا لإيران، بات يقف خلفها الآن وقد رآها تخوض حربًا حقيقية ضد إسرائيل. بل يكفي أن يشاهدوا كيف استقبلت الشعوب العربية في الشوارع مشهد صواريخ إيران وهي تسقط على تل أبيب بفرحة غامرة.

ربما على الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا أن تدرك هذا الواقع. فليس من المستبعد على الإطلاق أن يتوحد العالم الإسلامي، الذي جزّؤوه وحكموه بالتفرقة، وذلك بسبب هذه الهجمات الصليبية الصهيونية العدوانية ذات الطابع العنصري والديني المتعصّب.

إن دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لعدوان إسرائيل، التي ترتكب جرائم إبادة جماعية، في هجماتها ضد إيران بحجة منعها من امتلاك سلاح نووي، ليس له أي مبرر. وإذا أرادوا تفادي تجنب عواقب أكثر خطورة لهذه العملية غير العقلانية التي بدؤوها، فإن السبيل واضح: عليهم التخلي عن الانحياز لإسرائيل. إذ إن هذه الحرب التي أشعلوها لن يكون من السهل عليهم إنهاؤها، تمامًا كما لم يستطيعوا إنهاء الحرب التي أشعلوا فتيلها في أوكرانيا. وعند هذه النقطة لن يجدوا بدًّا من اللجوء إلى تركيا، وقائدها أردوغان.

وفي هذا السياق، فإن مبادرة أردوغان إلى ما هو أبعد من الدبلوماسية الهاتفية المذهلة التي يمارسها منذ أيام، عبر دعوة قادة العالم الإسلامي إلى اجتماع في إسطنبول وقيادته لموقف مشترك باسم الأمة الإسلامية، ستكون خطوة تأسيسية وبناءة نحو نظام عالمي جديد.


#إسرائيل
#إيران
#نتنياهو
#ترامب
#أمريكا
#الدول الأوروبية
#تركيا
#أردوغان