تذكير لـ "قسد".. من يراهن على إسرائيل محكوم عليه بالخسارة

08:1120/12/2025, Cumartesi
تحديث: 21/12/2025, Pazar
ياسين اكتاي

أثبتت الاحتفالات بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وجود تلاحم حقيقي وقوي بين النظام الجديد والشعب. إن صورة القيادة التي قدمها رئيس الجمهورية قائد الثورة أحمد الشرع خلال الاحتفالات تكشف عن مشاهد تعزز يومًا بعد يوم سمات كفاءته القيادية وقدراته، وتعززها. كما تعكس خطاباته وسلوكياته وسياسته العامة وجود رأس مال اجتماعي ضخم لسوريا. فالقيادة القوية الكاريزمية النابعة من قلب المجتمع تعد مكسبًا عظيمًا لأي دولة. ومن الخصائص الأخرى التي تصنع فارقاً في قيادة الشرع هي تمسكه بالتواضع رغم تحقيقه لهذا

أثبتت الاحتفالات بالذكرى السنوية الأولى لانتصار الثورة السورية وجود تلاحم حقيقي وقوي بين النظام الجديد والشعب. إن صورة القيادة التي قدمها رئيس الجمهورية قائد الثورة أحمد الشرع خلال الاحتفالات تكشف عن مشاهد تعزز يومًا بعد يوم سمات كفاءته القيادية وقدراته، وتعززها. كما تعكس خطاباته وسلوكياته وسياسته العامة وجود رأس مال اجتماعي ضخم لسوريا. فالقيادة القوية الكاريزمية النابعة من قلب المجتمع تعد مكسبًا عظيمًا لأي دولة.

ومن الخصائص الأخرى التي تصنع فارقاً في قيادة الشرع هي تمسكه بالتواضع رغم تحقيقه لهذا الإنجاز الكبير. فهو لا يركز في أي من خطاباته على شخصه أو نجاحاته الفردية؛ وفي أحد الاجتماعات، استوقفه الفارق بين مقعده ومقعد وزير خارجيته، ولم يستأنف برنامجه إلا بعد تسوية المقاعد. ومن الجوانب الأخرى الجديرة بالذكر رفضه السماح برفع صوره الشخصية، لا في احتفالات الثورة ولا في أي مكان آخر. إن هذا التواضع الذي يبديه في إسناد الثورة إلى الشعب وإلى كافة رفاق دربه من المقاتلين، هو بلا شك أمر نادر الحدوث، إنها سمة تستحق تسليط الضوء عليها.

لقد قطعت سوريا تحت قيادة الشرع شوطاً طويلاً في فترة وجيزة، لم تتجاوز العام الواحد؛ فقد استتب السلام والهدوء والاستقرار في المناطق الخاضعة للسيطرة. صحيح أن الركام الموروث بعد 14 عاماً من الدمار و60 عاماً من حكم "الستار الحديدي" لا يسمح بالتعافي السريع، إلا أن الشرع وفريقه عازمون على إزالة هذا الركام من جهة، والارتقاء بسوريا إلى المكانة التي تستحقها على الساحة الدولية من جهة أخرى. وبفضل مبادراته الدبلوماسية القوية، وبدعم من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، نجح في رفع العقوبات الأمريكية والأممية عن سوريا، ما شكّل خطوة بالغة الأهمية في مسيرة النهوض بالبلاد.

لا شك أن إسرائيل تمثل التهديد الأكبر في طريق سوريا نحو تجاوز العقبات التي تواجهها؛ فقد أظهرت عداءها منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة، ولا تزال مستمرة في ذلك. فإسرائيل ترى في وجود سوريا موحدة وقوية وتستند إلى إرادة شعبها، "عدواً طبيعياً" لها. وفي واقع الأمر، هي ليست مخطئة تمامًا في هذا التقدير؛ إذ لا يمكن لأي نظام يستمد شرعيته من شعبه أن يرى في إسرائيل صديقاً، أو حتى جاراً طبيعياً. إلا أن هذا "الشذوذ" لا ينبع من هذه الأنظمة، بل من إسرائيل نفسها؛ فهي، بحكم نزعتها الإمبريالية والاحتلالية، تنظر إلى كل قوة يمكن أن تعيق مشروعها التوسعي كعدو لها. إنها تريد حكومات خاضعة، وكان نظام الأسد نموذجًا لذلك، كما أنها لا تواجه مشاكل مع الفاعلين الإقليميين الآخرين الذين يسيرون على هذا النهج. فهي ترى في تركيا تهديداً لأنها تدرك أن تركيا قوة قادرة على وأد طموحاتها التوسعية في مهدها.

ورغم نظرة إسرائيل هذه إلى سوريا، فإن تعافي سوريا وقدرتها على النهوض، ونيل شعبها السلام الذي افتقده منذ قرن، يتطلب أن تكون البلاد موحّدة. ومن أجل توزيع موارد الدولة بصورة عادلة بين جميع المواطنين، وضمان إيصال الخدمات التي تقدمها الدولة إلى عموم الشعب، لا بد أن تتمتع سوريا ببنية دولة موحّدة، وأن تنضوي كافة العناصر المسلحة تحت لواء جيش وطني واحد.

وبالفعل، انضمت معظم الفصائل الأخرى إلى هذا المسار. غير أن جزءًا من الدروز، وكذلك قسد التي تسيطر على كامل منطقة شرق الفرات بدعم أمريكي وتمتلك أسلحة ثقيلة، يمتنعون عن هذا الاندماج حتى الآن. في الواقع، استجابت "قسد" أيضا للدعوة الموجهة في هذا الصدد في بداية انتصار الثورة بتاريخ 10 مارس، وتم التوصل إلى اتفاق يقضي بانضمامها إلى عملية الاندماج بحلول نهاية العام الجاري، أي بحلول الثلاثين من ديسمبر. إلا أن اقتراب الموعد النهائي كشف عن حالة تردّد واضحة وإحجام ملحوظ لدى قسد.

لا أحد يُصَدِّق أن للمسألة صلة بحقوق الأكراد الثقافية أو الاقتصادية والسياسية. فالمناطق التي تسيطر عليها "قسد" وتطمح إلى إبقائها تحت سيطرتها اليوم، يشكل العرب فيها ثقلًا سكانياً يصل إلى 80%؛ فسكان دير الزور والرقة وغيرها من المناطق يتألفون بالكامل من المكون العربي. وفي الأصل، تضم "قسد" في صفوفها عشائر عربية من هذه المناطق، لا سيما عشيرتي "شمر" و"العكيدات". ولكن هذه العشائر تعارض تعنت "قسد" في مسألة الاندماج مع الحكومة المركزية، استجابةً للمطالب الإسرائيلية. وتتمتع هذه القبائل بنفوذ كبير داخل "قسد"، وإذا ما استمرت الأخيرة في إطالة أمد هذا الملف أكثر من اللازم، فقد تجد نفسها في الوضع الذي وصفه أردوغان بدقة: "كَمَن يطارد الربح البعيد فيخسر ما في يده".

في الواقع، تقدم سوريا الجديدة بقيادة الشرع فرصة تاريخية للأكراد كي ينالوا ما يستحقونه من مكانة واحترام كمواطنين متساوين في البلاد. غير أن قيادة "قسد" ترتكب خطأً فادحاً بظنها أن الشرع قد يكون ضعيفاً في مواجهة النوايا الإسرائيلية والسياسات العدوانية. صحيح أن إسرائيل استثمرت بشكل خاص في المكون الكردي منذ تأسيسها في المنطقة، لكن الحقيقة التي يجب على الجميع إدراكها هي أن إسرائيل لا مستقبل لها في هذه المنطقة؛ فهي قوة احتلال محكوم عليها بالهزيمة عاجلا أم آجلا، وعدوانيتها المتزايدة ليست إلا تسريعاً لنهايتها.

إن السبب الأكبر لمعاناة الشعب السوري التي دامت 60 عاماً، لم يكن عائلة الأسد فحسب، بل إسرائيل أيضاً التي رأت في هذا الظلم ضمانة لأمنها الخاص، وهي حقيقة تجلت بوضوح بعد انتصار الثورة. وقد نال الأكراد نصيبهم الوافر من هذا الظلم خلال تلك الحقبة؛ إذ حاول الأسد نفسه استخدام الأكراد -الذين حرمهم من الهوية لعقود- في حربه ضد شعبه، قبل أن يتركهم في نهاية المطاف تحت الإدارة الأمريكية (وبالتالي الإسرائيلية).

لقد دارت العجلة، ورحل الأسد صاغراً كما رحل كل الطغاة. وللمرة الأولى منذ قرن، بات الشعب السوري في موقع يتيح له تأسيس إدارة عادلة ومستقرة تليق به. والأكراد يدركون هذه الحقيقة جيداً، وليس لـ "قسد" الحق في رهن إرادة الأكراد ووضعها في خدمة إسرائيل، ولن يجني التنظيم من ذلك أي نفع. إن مسار التحولات العالمية يفرض على شعوب المنطقة كافة -أتراكاً وأكراداً وعرباً- أن يتحدوا ويؤسسوا نظاماً مشتركاً. على "قسد" ألا تقف في الجانب الخطأ من التاريخ.


#إسرائيل
#قسد
#سوريا
#الأكراد
#أحمد الشرع
#الثورة