
مدير مؤسسة كلية الدفاع التابعة لـ"الناتو" أليساندرو بوليتي للأناضول: - دخلنا فعليا مرحلة المواجهة النشطة التي تمس أمن الممرات البحرية.. والخطر الأكبر هو استخدام الألغام البحرية لخلق شلل في الأسواق أو شن هجمات بزوارق الحرس الثوري على سفن تجارية وناقلات نفط - إيران تصدّر الكثير إلى الصين وليس من مصلحتها المباشرة إغلاق مضيق هرمز - الناتو سيتدخل فقط (لتأمين الممرات البحرية) بناءً على تفويض من الأمم المتحدة كما هو الحال في بعثات مكافحة القرصنة - نظام بريتون وودز (النظام الاقتصادي العالمي الراهن) وتفرعاته يقترب من نهاية فترة صلاحيته بالنسبة للمجتمع الدولي ككل - الخطر يكمن في مواجهة هيمنية محتملة بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادئ قد تشعل حربا عالمية واحتمال أن يجد البلدان صيغة شراكة تثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل العولمة
مع دخول الحرب بين إسرائيل وإيران يومها الحادي عشر، وانضمام الولايات المتحدة إلى عدوان تل أبيب على طهران، تزداد المخاوف بشأن التداعيات على أمن الممرات البحرية الحيوية.
ويتصدر المشهد مضيقا هرمز وباب المندب، اللذان يعدان شريانين حيويين للتجارة العالمية، مما ينذر بتداعيات كارثية على اقتصاد العالم أجمع بدأت طلائعها تتكشف.
وتقدّر مؤسسات اقتصادية كبرى أن ما يزيد عن 30 بالمئة من تجارة الطاقة تمر عبر المناطق المتأثرة مباشرة أو غير مباشرة بالنزاع الراهن، وفي مقدمتها هرمز وباب المندب وقناة السويس.
وتتصاعد تحذيرات من أن النزاع المستمر بين تل أبيب وطهران يضع النظام التجاري العالمي برمته على حافة الانهيار.
وبالفعل شهدت الأسواق العالمية تقلبات حادة، إذ قفزت أسعار النفط 28 بالمئة خلال أسبوع، وتراجعت حركة الحاويات عبر قناة السويس بنسبة 40 بالمئة.
فيما ارتفعت تكاليف التأمين البحري أكثر من ثلاثة أضعاف، مع تقارير عن نقص في الحاويات وتأخيرات متكررة في الشحنات القادمة من آسيا.
وربما يكون هذا النزاع نقطة فاصلة في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي الراهن، فيما تتسارع التحركات الدولية والإقليمية لمحاولة احتواء الأضرار أو استغلالها.
وفي مقابلة مع الأناضول، حذّر مدير مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أليساندرو بوليتي من أن هذا "التهديد لم يعد نظريا، لقد دخلنا فعليا مرحلة المواجهة النشطة التي تمس أمن الممرات البحرية".
وحول طبيعة التهديد الراهن للممرات البحرية، قال بوليتي: "حاليا، يُعد التهديد غير مباشر، إذ إن الكثير يعتمد على توازن القدرة على الصمود بين إيران وإسرائيل، وكذلك على القرارات الأخيرة للولايات المتحدة".
ورأى أن "الخطر الأكثر احتمالا، هو استخدام الألغام البحرية غير المنسوبة (لا تتبناها جهة ما) لإحداث توتر واسع في الأسواق، أو عودة زوارق الحرس الثوري الخفيفة لمهاجمة السفن المعادية وإغراقها".
أما بشأن دور الحلف في تأمين هذه الممرات، فرأى بوليتي أن "الناتو سيتدخل فقط بناءً على تفويض من الأمم المتحدة، كما هو الحال في بعثات مكافحة القرصنة".
وأضاف أن "القوى الإقليمية (الحليفة للولايات المتحدة) يمكن أن تُدعَم بعمليات الأسطول الخامس الأمريكي (في البحرين)، ضمن منطقة عملياته التقليدية".
وبخصوص احتمال إقدام طهران على إغلاق مضيق هرمز، قال بوليتي: "إيران تصدّر الكثير إلى الصين (تستورد معظم النفط الإيراني)، لذا ليس من مصلحتها المباشرة اتخاذ هذا الإجراء".
ويقع هرمز بين إيران من الشمال والإمارات وسلطنة عمان من الجنوب، ويربط بين الخليج العربي شمالا وخليج عمان وبحر العرب جنوبا، ويعبر منه نحو 40 بالمئة من النفط المنقول بحرا في العالم، و20 بالمئة من الغاز المسال، و22 بالمئة من السلع الأساسية.
بوليتي تساءل: "هل تعلم أنه توجد العشرات من طائرات الشحن الصينية التي تقوم بتناوب رحلاتها على المطارات الإيرانية وأن العديد من السفن الصينية تقوم بتفريغ شحنات غير محددة (غير معلوم طبيعتها)؟".
ورأى أن "الصراع بدأ بالفعل في طرح تساؤلات حول اتفاقات التطبيع (بين دول عربية وإسرائيل)، وقد يخلق مشاكل سياسية خطيرة لحكومة إسرائيل".
** نظام بريتون وودز
وفي تقييمه لما إذا كان العالم يشهد تحولا استراتيجيا بعيد المدى في النظام الدولي، قال بوليتي: "نعم، بالفعل. نظام بريتون وودز وتفرعاته يقترب من نهاية فترة صلاحيته بالنسبة للمجتمع الدولي ككل، مهما كان معنى ذلك".
وقبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، اجتمع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة و43 دولة عام 1944 في بلدة بريتون وودز بولاية نيو هامبشير شمال شرقي الولايات المتحدة، وجرى صياغة النظام المالي والاقتصادي الجديد في العالم.
بوليتي أضاف محذرا: "الخطر يكمن في مواجهة هيمنية محتملة بين الصين والولايات المتحدة في المحيط الهادئ، وهي مواجهة قد تشعل فعليا حربا عالمية".
ورأى أن "الاحتمال القائم هو أن تجد إدارة الولايات المتحدة، مدفوعة بغرائزها، مع القيادة البراغماتية للصين صيغة من الشراكة تحفظ ماء الوجه، لكنها تثير تساؤلات كبيرة حول مستقبل العولمة".
** أمن الطاقة
وفي ما يتعلق بأسوأ سيناريو ممكن بالنسبة للحلف على خلفية تأثير الحرب على تدفقات التجارة العالمية، قال بوليتي: "يأخذ الناتو على محمل الجد مسألة تأمين إمدادات الطاقة وغيرها من المواد الاستراتيجية، لكنه لا يمتلك سياسة طاقة متكاملة".
وزاد أن "الدول الأعضاء في الناتو مقسّمة بشكل طبيعي إلى: مورّدي الطاقة من الصخر الزيتي، ومالكي محطات الطاقة النووية، والمشترين المتنوعين للطاقة".
وأضاف أن "إمدادات الطاقة الروسية الأرخص تُعد عاملا مهما تأخذه الدول المستوردة في الحسبان للمستقبل".
ولفت إلى أن "الاتحاد الأوروبي لديه سياسة طاقة هدفها الرئيسي هو وقف الاعتماد على الطاقة الروسية، رغم وجود بعض علامات الاستفهام، وكانت النتيجة الأساسية لهذه السياسة هي ارتفاع أسعار الطاقة".
وفجر الأحد، لم تكتف الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري والاستخباري واللوجستي للعدوان الإسرائيلي ضد إيران، وشنت عدوانا عسكريا جويا مباشرا ضد منشآت فوردو ونطنز وأصفهان ذات الأهمية الإستراتيجية، مدعية أن البرنامج النووي الإيراني "انتهى".
ومنذ 13 يونيو/ حزيران الجاري، تستهدف إسرائيل منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين بإيران، التي ترد بضرب مقرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، مما خلف قتلى وجرحى لدى الجانبين.
وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيد في المنطقة التي تمتلك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراض في فلسطين وسوريا ولبنان.