
خلال الأسبوع الأول فقط من الحرب أنفقت إسرائيل قرابة 5 مليارات دولار أي نحو 725 مليون دولار يوميا أستاذ العلوم المالية بالجامعة العربية الأمريكية نصر عبد الكريم: - استمرار الحرب لمدة شهر قد يرفع تكلفتها الإجمالية المباشرة وغير المباشرة على إسرائيل إلى 20 مليار دولار ما يعني ارتفاع عجز موازنة البلاد إلى حدود 6 بالمئة أو أكثر أي ما يوازي 25 مليار دولار - إسرائيل أمام 3 خيارات لمواجهة العجز المالي إما خفض النفقات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم مما قد يثير احتجاجات أو رفع الضرائب أو الاقتراض الخارجي مما قد يدفع نسبة الدين العام أمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين نصر عطياني: - أي زيادة إضافية في الضرائب ستُثقل كاهل المستهلكين وتؤدي إلى تراجع القوة الشرائية مما يُفضي إلى انخفاض الادخار ثم الاستثمار وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة والفقر - قطاع التكنولوجيا يمثل 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونحو 50 بالمئة من صادراتها وقد تراجع بنسبة 44 بالمئة مما يهدد أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي الحديثة - ضربات إيران تثير ذعرا بين المستثمرين وتدفع المساهمين إلى بيع أسهمهم بشكل جماعي ما يُسرّع وتيرة الانهيار ويهدد الاستقرار الاقتصادي ويُلقي بظلاله على مستويات الاستثمار والتشغيل والنمو
مع دخول عدوان تل أبيب على إيران يومه الحادي عشر، يتصاعد العبء الاقتصادي على إسرائيل بشكل غير مسبوق، وسط تقديرات بتكلفة باهظة وقلق متنامٍ في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية.
وخلال الأسبوع الأول فقط من الحرب، أنفقت إسرائيل قرابة 5 مليارات دولار، أي نحو 725 مليون دولار يوميا، وفق تقرير لموقع "فايننشال إكسبرس".
وحسب التقرير، شكّلت العمليات الهجومية الحصة الكبرى من الإنفاق اليومي بنحو 593 مليون دولار، في حين بلغت تكاليف الإجراءات الدفاعية، بما فيها اعتراض الصواريخ والتعبئة العسكرية، نحو 132 مليون دولار يوميا.
وتقدّر صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن كلفة اعتراض الصواريخ الإيرانية فقط تتراوح بين 10 ملايين دولار إلى 200 مليون دولار يوميا، ما يجعلها أحد البنود الأكثر استنزافا للميزانية.
وفي ظل استمرار الحرب دون أفق واضح، قدّر معهد "آرون" الإسرائيلي للسياسة الاقتصادية أن تصل كلفتها، في حال امتدت لشهر واحد، إلى نحو 12 مليار دولار.
ومنذ 13 يونيو/ حزيران الجاري، تستهدف إسرائيل منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين بإيران، التي ترد بضرب مقرات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، مما خلف قتلى وجرحى ودمارا لدى الجانبين.
** تكاليف غير مباشرة
استمرار المواجهات العسكرية يضفي مزيدا من الضغوط على الاقتصاد الإسرائيلي، وسط مؤشرات على تباطؤ الاستثمارات وتراجع حركة التجارة والسياحة، فضلا عن تذبذب أداء سوق المال وتزايد التكاليف الأمنية.
وقال أستاذ العلوم المالية بالجامعة العربية الأمريكية في فلسطين، نصر عبد الكريم للأناضول إنه بجانب تكاليف الذخائر العسكرية المستخدمة وتعطل حركات الطيران واعتراض الصواريخ الإيرانية، توجد تكاليف غير مباشرة.
وأرجع هذه التكاليف إلى تعطل الحياة الإنتاجية تقريبا، واضطرار معظم السكان للدخول إلى الملاجئ أكثر من مرة يوميا، مما يحدث نوعا من التقطع في الإنتاج محليا.
وتوقع أن استمرار الحرب لمدة شهر قد يرفع التكلفة الإجمالية المباشرة وغير المباشرة على إسرائيل إلى 20 مليار دولار.
وتابع: "ما يعني ارتفاع عجز موازنة البلاد إلى حدود 6 بالمئة أو أكثر، أي ما يوازي 25 مليار دولار".
وتضاف إلى تلك التكاليف الأعباء الناتجة عن تعويضات ستضطر الحكومة إلى دفعها للمتضررين، إذ تشير بيانات سلطة ضريبة الأملاك إلى إجلاء نحو 10 آلاف إسرائيلي من منازلهم خلال الأسبوع الأول من الحرب، وتقديم 36 ألفا و465 مطالبة بالتعويض.
عبد الكريم رأى أن الحكومة الإسرائيلية أمام ثلاث خيارات لمواجهة هذا العجز: "إما خفض النفقات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، مما قد يثير احتجاجات شعبية بين الفئات المتضررة أو رفع الضرائب".
واستطرد: "أو اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، مما قد يدفع نسبة الدين العام لتتجاوز 75 بالمئة من الناتج المحلي، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ إسرائيل".
وتزامنا مع ارتفاع النفقات، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أنها تستنفد جميع الاحتياطيات والإمكانات المالية المتاحة قبل التوجه نحو إعادة فتح الموازنة العامة، في محاولة لتمويل الحرب على إيران.
وقدمت الوزارة، في 19 يونيو/ حزيران الجاري، طلبا أمام لجنة المالية بالكنيست لتحويل 3 مليارات شيكل (نحو 857 مليون دولار) من بند النفقات الدفاعية غير المتوقعة إلى وزارة الأمن.
كما قدمت طلبا لزيادة إضافية بقيمة 700 مليون شيكل (200 مليون دولار)، سيتم اقتطاعها من موازنات وزارات مدنية، أبرزها الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
ووفق صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، فإن الجزء الأكبر من هذه التحويلات سيُخصص لتغطية نفقات القوى البشرية في الجيش.
وتلك النفقات ارتفعت بشكل كبير، حتى قبل الحرب، خاصة في ظل التعبئة الواسعة التي شملت استدعاء 450 ألف جندي من الاحتياط كحد أقصى، حسب هيئة البث الإسرائيلية الرسمية.
وحول تأثير الحرب على الأسواق المالية، قال عبد الكريم إن الشيكل الإسرائيلي أظهر قدرا من التماسك، حيث عاد إلى مستويات ما قبل الحرب عند 3.50 مقابل الدولار، بعد أن تراجع إلى 3.70 مع بدء الضربات الإيرانية.
وعزا ذلك إلى ضعف الدولار عالميا، إضافة إلى وجود مضاربات وتفاؤل بإنهاء الحرب في وقت قصير.
** دعم الشيكل
أمين سر الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين نصر عطياني أرجع استقرار الشيكل الإسرائيلي في الأيام الأولى من الحرب بشكل رئيسي إلى التدخل المباشر لبنك إسرائيل المركزي.
ولفت إلى أن البنك ضخ نحو 8.5 مليارات دولار في سوق الصرف، لدعم الشيكل مع بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وأوضح عطياني للأناضول أن هذا التدخل ساهم في الحفاظ على تماسك الشيكل مقابل الدولار وباقي العملات الأجنبية، رغم الضغوط الناتجة عن تصاعد التوترات الأمنية وانعكاساتها على الأسواق.
وأردف أن "الشيكل لم يُظهر حتى الآن تذبذبا كبيرا في قيمته، لكن استمرار استقراره مرهون بقدرة الحكومة على مواصلة دعمه، وهو أمر يضع عبئا ماليا متزايدا في حال طال أمد الحرب".
عطياني رأى أن الحفاظ على استقرار الشيكل يُعد أولوية قصوى لصناع القرار في إسرائيل، لكونه العملة الوطنية التي تُقيَّم بها معظم الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك الأسعار والأجور والمعاملات التجارية.
وشدد على أن أي انهيار في قيمته قد يؤدي إلى اضطرابات تضخمية أوسع تؤثر على الاقتصاد الكلي.
وحذر من أن لجوء الحكومة الإسرائيلية إلى رفع الضرائب لتمويل الحرب على إيران قد يتسبب في انعطاف خطير بالاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن إسرائيل من بين الدول الأعلى من حيث العبء الضريبي على المواطنين.
ولفت إلى أن أي زيادة إضافية في الضرائب، سواء على الدخل أو المبيعات أو القيمة المضافة أو الجمارك، ستُثقل كاهل المستهلكين.
وتابع: "كما ستؤدي إلى تراجع في القوة الشرائية، ما يُفضي لاحقا إلى انخفاض الادخار، ثم الاستثمار، وبالتالي تباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع البطالة والفقر".
وأردف: "إسرائيل قد تواجه تحديات مالية معقدة في حال استمرار وتيرة الإنفاق العسكري الحالية، خاصة وأنها أقرّت في العام 2025 أكبر موازنة في تاريخها، بلغت نحو 170 مليار دولار".
وأشار إلى أن "هذا الرقم عند إضافة كلفة خدمة الدين يرتفع إلى 312 مليار دولار".
وفيما يتعلق بأداء القطاعات الحيوية، قال عطياني إن قطاع التكنولوجيا، الذي يمثل 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونحو 50 بالمئة من صادراتها، تراجع بنسبة 44 بالمئة.
وأرجع ذلك إلى المخاطر الأمنية والجيوسياسية، مما يهدد أحد أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي الحديثة.
واستطرد: "المخاطر الأمنية تسيطر حاليا على القرار الاقتصادي في إسرائيل، ومع تصاعد التكاليف والضغوط الاجتماعية، قد تجد الحكومة نفسها عاجزة عن الاستجابة لمتطلبات المرحلة دون التسبب بأزمات اقتصادية واجتماعية أعمق".
** ذعر المستثمرين
ردا على العدوان، تستهدف إيران البنية التحتية الحيوية في إسرائيل، وفي مقدمتها مدينة حيفا، رئة الاقتصاد الإسرائيلي.
ويزيد ذلك من الضغوط، إذ أسفرت تلك الهجمات عن توقف مصفاة "بازان" لتكرير النفط، وهي أكبر مصفاة نفط إسرائيلية، ما يكبد اقتصاد البلاد 3 ملايين دولار يوميا، حسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
كما طالت هجمات طهران مطار بن غوريون قرب تل أبيب (وسط) ما أدى إلى إغلاقه، مما ينذر بمزيد من الخسائر في مطار يستقبل وتقلع منه نحو 300 رحلة طيران، بمعدل 35 ألف مسافر يوميا.
ويتزامن إغلاق المطار مع نقل شركة "إلعال" للطيران الحكومية الإسرائيلية 48 طائرة إلى قبرص واليونان والولايات المتحدة (خشية من استهدافها)، ما قد يترتب عليه تحمل تكاليف تشغيلية تُقدر بنحو 6 ملايين دولار.
كما أن أسواق المال لم تكن بمنأى عن تداعيات التصعيد العسكري، إذ طالت الصواريخ الإيرانية بورصة الألماس الإسرائيلية، في وقت سجلت فيه صادرات البلاد من الماس تراجعا بنسبة 35 بالمئة على أساس سنوي خلال عام 2024.
وتشكل هذه الصناعة 8 بالمئة من إجمالي صادرات إسرائيل، حسب معهد الماس الإسرائيلي، ووسط مخاوف من أن تنال بورصة تل أبيب للأوراق المالية نصيبها من تلك الهجمات.
واعتبر عطياني أن مثل هذه الضربات "تثير ذعرا بين المستثمرين، وتدفع المساهمين إلى الانسحاب وبيع أسهمهم بشكل جماعي، ما يُسرّع وتيرة الانهيار ويهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى القريب، ويُلقي بظلاله على مستويات الاستثمار والتشغيل والنمو".
وأضاف أن استهداف بورصة إسرائيل للأوراق المالية، القلب المالي للبلاد، قد يُفضي إلى تعطل الحياة الاقتصادية بالكامل.
وعزا ذلك إلى أن البورصة ليست مجرد منصة تداول، بل تمثل مرآة للثقة الاقتصادية، "حيث تشمل عشرات الشركات المدرجة ذات العلاقة الحيوية بالقطاعين العام والخاص".
ورأى أن تحول الحرب إلى استهداف البنية الاقتصادية والمدنية يعكس خروج النزاع عن الطابع العسكري البحت، ليدخل في مرحلة جديدة تستهدف الأعمدة المالية والاقتصادية للدولة.
وأوضح عيطاني أن ذلك يضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام تحديات مضاعفة، تتطلب إجراءات عاجلة لإعادة بناء الثقة واستقرار التداول والحركة النقدية.
ورجح أن الآثار الاقتصادية لن تقتصر على المدى القصير، بل ستمتد إلى المديين المتوسط والطويل، وستشمل عمليات إعادة إعمار واسعة، وترميم للبنية التحتية، وإعادة تأهيل النظام المالي.
وكذلك ضرورة استعادة ثقة المستثمرين بالنظام الاقتصادي، و"هي خطوات قد تستغرق سنوات من الإصلاح والعمل المكثف"، كما ختم عيطاني.