وجود فرنسا العسكري بدول الساحل.. من النفوذ إلى الأفول

13:1910/01/2025, Cuma
الأناضول
وجود فرنسا العسكري بدول الساحل.. من النفوذ إلى الأفول
وجود فرنسا العسكري بدول الساحل.. من النفوذ إلى الأفول

ـ كانت لفرنسا قواعد عسكرية في مختلف دول الساحل والصحراء والآن يستعد آخر جنودها لمغادرة السنغال وتشاد بعد أشهر على الانسحاب من مالي والنيجر وبوركينا فاسو الخبير في شؤون دول الساحل والصحراء أحمد نور الدين للأناضول: - تراجع نفوذ فرنسا العسكري نتيجة لتراجع نفوذها الاقتصادي والثقافي ومطالب إفريقية بتصفية الإرث الاستعماري وهي ذات أبعاد محلية لكن تغذيها أيضا دول منها روسيا والصين - باريس ركزت أكثر على تعزيز وجودها في أسواق أوروبا الشرقية وهو ما تم على حساب وجودها بإفريقيا.. وخروج غرب القارة تحديدا من معطف فرنسا أصبح أمرا واقعا - قيمة صادرات الصين إلى إفريقيا تعادل 10 أضعاف صادرات فرنسا.. وكل هذه المؤشرات تبين أن شمس هيمنة باريس أذنت بالمغيب بعد نحو 3 قرون من السيطرة على مقدرات القارة

تراجع حضور فرنسا العسكري في دول الساحل الإفريقي بشكل كبير، حيث انسحبت قواتها من بعض الدول وتستعد للخروج من أخرى خلال الأيام المقبلة.

فبعد انسحاب باريس من مالي والنيجر وبوركينا فاسو غربي إفريقيا قبل أشهر، جدد رئيس السنغال باسيرو ديوماي فاي دعوته باريس إلى إغلاق قواعدها العسكرية في بلاده.

ونهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن فاي إنهاء الوجود العسكري الفرنسي اعتبارا من عام 2025، بعد أن قال نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت إنه يتعارض مع سيادة بلاده.

كما أُعيدت قاعدة فايا العسكرية الفرنسية في تشاد، يوم 26 ديسمبر الماضي، إلى الجيش التشادي.

وحدث ذلك بعد إعلان إنجامينا، في 28 نوفمبر الماضي، إلغاء اتفاقية مع باريس لتعزيز التعاون بمجال الصناعات الدفاعية والأمن.

وطالبت تشاد الحكومة الفرنسية بسحب جميع قواتها من أراضي الدولة الإفريقية بحلول 31 يناير/ كانون الثاني 2025.

** عوامل متداخلة

الخبير في شؤون دول الساحل والصحراء أحمد نور الدين، عزا تراجع نفوذ فرنسا العسكري إلى عوامل متداخلة ومركبة، منها تراجع نفوذها الاقتصادي وتقهقرها الثقافي أيضا.

وأضاف للأناضول أن من هذه العوامل ما هو مرتبط بتنامي التيار الإفريقي الداعي إلى تصفية الإرث الاستعماري ومناهضة سياسات الهيمنة للدول الغربية عامة والقوى الاستعمارية السابقة خاصة.

وتابع نور الدين: "هذا التيار الإفريقي، وإن كانت دوافعه ذاتية محلية على العموم، إلا أن هناك أيضا أطرافا خارجية تغذيه بشكل ممنهج عبر شبكات التواصل الاجتماعي".

وزاد أن هذه الشبكات "تشهد تصاعدا في الحملات المحرضة ضد الوجود الفرنسي، وتشير العديد من المصادر المتقاطعة بأصابع الاتهام إلى وقوف روسيا وراءها، وبدرجة أقل الصين".

نور الدين رأى أن من بين أسباب التراجع الفرنسي أيضا "عوامل ترتبط بفرنسا ذاتها، حيث ركزت اهتمامها خلال الثلاثين سنة الماضية على تعزيز وجودها في أسواق أوروبا الشرقية وتقوية نفوذها داخل الاتحاد الأوروبي".

وأكمل أن هذا "تم على حساب تركيز وجودها الإفريقي، وبما أن الطبيعة تخشى الفراغ، فقد بادرت دول صاعدة إلى ملء الفراغ ومنها الصين وروسيا والهند".

كما بادرت إلى هذا التحرك "دول أخرى تعتبر قوى كلاسيكية، مثل اليابان والولايات المتحدة، التي تبنت سياسة دينامية تجاه إفريقيا لقطع الطريق على التوسع الصيني اقتصاديا، ولكنها قد تزيح فرنسا أيضا بقصد أو عن غير قصد"، وفق نور الدين.

** العسكر وفرنسا

وتزامن تراجع النفوذ الفرنسي مع تغييرات كثيرة في منطقة الساحل الإفريقي، ومع انقلابات عسكرية في بعض دولها، ولا سيما مالي وبوركينا فاسو والنجير.

وتوترت العلاقات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" والبلدان الثلاثة بعد أن طالب التكتل بالعودة إلى الحكم المدني عقب انقلابات عسكرية في مالي عام 2020 وبوركينا فاسو في 2022 والنيجر 2023.

وفي 17 سبتمبر/ أيلول 2023، وقّعت الدول الثلاث "ميثاق ليبتاكو ـ غورما" لتأسيس تحالف دول الساحل الثلاث، بهدف إنشاء "هيكلية للدفاع المشترك، والمساعدة (الاقتصادية) المتبادلة"‪.

وينص هذا التحالف على أن تعرض إحدى الدول الموقعة عليه لهجوم يعتبر بمثابة مهاجمة جميع الدول، ويمكن لكل الأطراف الرد بشكل فردي أو جماعي، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة‪.

وفي يوليو/ تموز 2024، أعلنت الدول الثلاث "كونفدرالية دول الساحل"، بهدف التنسيق العسكري والسياسي والاقتصادي.

ورأى نور الدين أن "هناك علاقة بين تراجع النفوذ الفرنسي في إفريقيا وتغيير بعض الأنظمة في مالي وبوركينافاسو عبر انقلابات حظيت بدعم قبلي أو بعدي من طرف روسيا".

وأردف: كما حدث "تغيير في التيارات السياسية الحاكمة في دول تعرف تداولا ديمقراطيا على السلطة، مثل وصول فاي إلى رئاسة السنغال وتبنيه خيارات سيادية مناهضة للهيمنة الفرنسية التي تعتبر السنغال من أهم معاقلها في إفريقيا".

"كما يمكن أن نرجع سبب التراجع إلى تورط فرنسا بشكل مباشر أو غير مباشر في بعض المجازر الإثنية التي شهدتها رواندا وإفريقيا الوسطى"، حسب نور الدين.

وزاد أن هذا التورط "دفع تلك الدول بعد تغيير أنظمتها (الحاكمة) إلى الدخول في مواجهة مع فرنسا، إلى درجة تغيير اللغة الرسمية في رواندا (من الفرنسية إلى الإنجليزية) والتحاقها بنادي الدول الأنغلوساكسونية".

** ضربة قاضية

ووفق نور الدين فإن خروج إفريقيا الغربية تحديدا من معطف فرنسا أصبح أمرا واقعا لا رجعة فيه، خاصة بعد الاستغناء عن الوجود العسكري الفرنسي وبشكل غير متوقع من طرف السنغال وتشاد.

وأضاف أن البلدين يعتبران، إلى جانب جيبوتي، أهم حلفاء باريس وأهم نقاط الارتكاز في الوجود العسكري الفرنسي بالقارة الإفريقية عسكريا واستراتيجيا.

على الجانب الاقتصادي، قال نور الدين "إذا أخذنا بالحسبان مشروع إحداث عملة موحدة للمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، فإن تنفيذه سيمثل ضربة قاضية للنفوذ المالي والاقتصادي لفرنسا".

وأرجع ذلك إلى أن "الفرنك الإفريقي الذي يتحكم فيه البنك المركزي الفرنسي، كان يشكل أداة قوية لتكريس التبعية لفرنسا وتحكمها في مخزون تلك الدول من العملات الصعبة وفي مبادلاتها التجارية الخارجية".

واعتبر أن "أكبر مؤشر على التراجع الفرنسي هو تراجع حصة باريس من 12.5 بالمئة إلى نحو 7 بالمئة من واردات القارة السمراء من الخارج، خلال العشرين سنة الماضية".

"في المقابل تضاعفت صادرات الصين أكثر من 33 مرة خلال الفترة نفسها، وأصبحت قيمة صادرات بكين تعادل حوالي عشرة أضعاف صادرات فرنسا نحو إفريقيا"، وفق نور الدين.

ورأى أن كل هذه المؤشرات تبين أن شمس الهيمنة الفرنسية أذنت بالمغيب بعد حوالي ثلاثة قرون من السيطرة على المقدرات الإفريقية.

** استقرار المنطقة

نور الدين قال إنه "إذا كانت هذه البلدان الإفريقية ستحل النفوذ الروسي أو الصيني محل الفرنسي، فلا أظن أن ذلك سيساعد في بناء الاستقرار الحقيقي بالمنطقة".

واستدرك: "بل سنكون أمام تزايد للصراع الدولي فوق أرض إفريقية، والذي سيدفع الثمن هي الشعوب والدول الإفريقية".

وأشاد بالتغيير "إذا كان الأمر يتعلق بتراجع النفوذ الأجنبي كنتيجة لخيارات استراتيجية تتعلق بتعزيز السيادة الوطنية للدول الإفريقية وبناء اقتصادات قوية".

"فأكيد أن هذه الطريق ستؤدي إلى استقرار المنطقة وازدهارها ونهضة شعوبها، إذا تضافرت عوامل أخرى جيوسياسية بينها تعزيز السوق الإفريقية المشتركة، ومنطقة التبادل الحر"، حسب نوري الدين.

كما شدد على أهمية "تعزيز الخيار الديمقراطي الذي سيظل أهم ضمانة للاستقرار، وتجنيب تلك الدول مخاطر الانفلات الداخلي والتدخل الأجنبي".

وأضاف أن "التجارب المقارنة عبر العالم تؤكد أن الاستقرار هو نتيجة لمعادلة فيها متغيرات سياسية واقتصادية واستراتيجية".

وبيَّن أن "من أهم تلك المتغيرات وجود نظام ديمقراطي يضمن الكرامة والحرية للمواطن، ويتبنى خيارات اقتصادية وطنية، ويوفر الشغل والاندماج لمختلف فئات المجتمع، وخاصة الهشة".

كذلك "يراعي هذا لنظام التوازنات الدولية دون تفريط في السيادة، وينفتح على محيطه الإقليمي لتوفير مناخ للأمن والسلام عبر التعاون والشراكة، بدل تغذية النزاعات التي تتسبب بتدخل القوى الكبرى، كما نشاهده في السودان وليبيا والصومال ومالي"، حسبما ختم نور الدين.

#الصين
#الوجود العسكري
#دول الساحل
#صادرات
#فرنسا
#نفوذ