
- تبدأ إسرائيل الثلاثاء محاكمته بتهمة "التحريض" على خلفية خطبة في المسجد الأقصى وكلمتين ألقاهما في بيتي عزاء - واجه مرارا إبعاد إسرائيل ومنعها له من الخطابة بسبب دفاعه عن غزة والمسجد الأقصى الذي يعمل خطيبا له منذ عام 1973 - أصدرت إسرائيل إخطارا بهدم البناية التي يسكنها في القدس فاضطر لمغادرتها حماية لنفسه من التحريض ولسكانها من الضرر
لا يكاد يذكر اسم الشيخ عكرمة صبري، دون ربطه بالمسجد الأقصى المبارك الذي يعمل خطيبا له منذ عقود تخللتها محطات من الملاحقات الإسرائيلية، آخرها محاكمته على إحدى خطبه خلال حرب الإبادة على غزة وكلمتين ألقاهما في بيتي عزاء.
يعرف عن الشيخ دفاعه الدائم عن المسجد الأقصى لدرجة أنه لا يتردد في إصدار بيان أو تصريح مع كل انتهاك إسرائيلي رغم كل المحاولات لإسكات فلسطينيي القدس، كما أنه لم يغلق هاتفه أو باب منزله أمام الصحفيين يوما، بل يزداد ترحيبا بهم في كل مرة.
واشتهر عن الشيخ عكرمة دعوته فلسطينيي القدس لوقف أملاكهم "وقفا ذُريّا" بمعنى أن تبقى وقفا لذرية المورّث، لحمايتها من البيع للمستوطنين الإسرائيليين.
وتبدأ السلطات الإسرائيلية الثلاثاء، محاكمة خطيب الأقصى بتهمة "التحريض"، وفق بيان صادر عن طاقم الدفاع أفاد بأن المحكمة ستنظر "في ملف لائحة الاتهام الذي تقدمت به النيابة العامة الإسرائيلية ضد سماحة الشيخ، بتهمة التحريض منذ شهر يوليو/ تموز 2024".
وأشار الطاقم إلى أن "لائحة الاتهام تضمنت التحريض على الإرهاب، على خلفية كلمتي تعزية ألقاهما الشيخ في بيتي عزاء في مخيمي شعفاط (بالقدس) وجنين (شمالي الضفة) عام 2022".
كما يواجه "تهمة ثالثة تتعلق بنعي رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية في خطبة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك".
وأعلنت حماس اغتيال إسرائيل لهنية في طهران، خلال مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في يوليو/ تموز 2024.
ويرى طاقم الدفاع أن "إجراءات المحاكمة المذكورة تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التعسفية والملاحقة السياسية والدينية والفكرية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشيخ عكرمة صبري في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إبعاده عن المسجد الأقصى المبارك، ومنعه من السفر، وإصدار قرار بهدم بيته".
كما اعتبر المحاكمة "استجابةً لحملة التحريض الواسعة التي شنتها الأحزاب والمنظمات اليمينية المتطرفة ضد سماحة الشيخ".
** من قلقيلية إلى القدس
ولد الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري في مدينة قلقيلية، شمالي الضفة الغربية عام 1938.
وكان والده الشيخ سعيد صبري قاضيا شرعيا في مدينتي نابلس والقدس، وعضوا في محكمة الاستئناف الشرعية وعضوا مؤسسا للهيئة الإسلامية العليا في المدينة، كما تولى الخطابة في المسجد الأقصى المبارك.
وللشيخ عكرمة 5 من الأبناء: 3 ذكور وبنتان.
أنهى الشيخ دراسته الثانوية في المدرسة الصلاحية بمدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، حيث كان والده يعمل قاضيا في المدينة.
** بين العلم والعمل
عام 1963 تخرج الشيخ عكرمة من جامعة بغداد حاصلا على درجة بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، واللغة العربية.
وعام 1989 حصل على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة النجاح الوطنية في نابلس.
ثم في عام 2001 حصل على شهادة الدكتوراه في تخصص الفقه، من جامعة الأزهر بمصر.
وبدأ الشيخ حياته العملية في القدس المحتلة حيث اشتغل في عدد من الهيئات والمؤسسات: مدرسا في ثانوية الأقصى الشرعية (المعهد العلمي الإسلامي سابقا) بين عامي 1963 و1986، ثم مديرا للمدرسة ذاتها بين عامي 1968 و1974.
وعمل مديرا للوعظ والإرشاد في القدس بين عامي 1974 و1994، إذ عيّن مع تأسيس السلطة الفلسطينية مفتيا عاما للقدس والديار الفلسطينية حتى 2006.
كما عمل محاضرا غير متفرغ في عدد من الكليات منها: كلية العلوم الإسلامية وكلية الحقوق الفلسطينية وكلية القرآن والدراسات الإسلامية والكلية الإبراهيمية وجميعها في القدس، والكلية العصرية في مدينة رام الله.
ترأس في القدس عدة مؤسسات وهيئات منها هيئة العلماء والدعاة والهيئة الإسلامية العليا (منذ 1998) ومجلس أمناء مدارس ورياض الأقصى الإسلامية، وجمعية المكفوفين وجمعية بيت الرحمة.
كما يتمتع بعضوية الرابطة العالمية لخريجي جامعة الأزهر الشريف، وعضو مؤسس لعدة مبادرات منها مؤتمر المساجد الإسلامي العالمي ومقره مكة المكرمة، وجمعية الشبان المسلمين بالقدس، ومجمع فقهاء الشريعة في أمريكا، ورابطة علماء الشام، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة .
للشيخ عكرمة، عشرات الإصدارات من الكتب والمؤلفات والأبحاث منها: مذكرات في الحديث ويتكون من 3 أجزاء، وأضواء على إعجاز القرآن الكريم، والإسلام والتحديث، والتربية في الإسلام، والوقف الإسلامي بين النظرية والتطبيق وفتاوى مقدسية.
** ملاحقات إسرائيلية
اتخذت السلطات الإسرائيلية مرارا، إجراءات ضد الشيخ عكرمة، غالبا بسبب خطبه المدافعة عن المسجد الأقصى الذي يعمل خطيبا له منذ عام 1973 والمتضامنة مع قطاع غزة، فضلا عن تحريض متواصل من مسؤولين في تل أبيب، بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن غفير، والداخلية موشيه أربيل.
ومن مسلسل الملاحقات التي تعرض لها الشيخ في السنوات الأخيرة إبعاده عن المسجد، مع أنه يقع تحت مسؤولية إدارة الأوقاف الإسلامية، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، وذلك لمدة أسبوع في يناير/ كانون الثاني 2020، لكنه كسر الإضراب ودخل المسجد.
وفي فبراير/ شباط من نفس العام قررت السلطات الإسرائيلية إبعاده عن المسجد لمدة 4 أشهر، ثم مددت الإبعاد لـ4 أشهر أخرى فور انتهائها في يونيو/ تموز من نفس العام.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021 صدر قرار آخر بإبعاد الشيخ عن المسجد الأقصى لمدة 4 أشهر.
وفي أغسطس/ آب 2024، أصدرت الشرطة الإسرائيلية قرارا بمنع الشيخ من دخول المسجد الأقصى 6 أشهر جراء نعيه هنية خلال خطبة الجمعة، ومددته مرتين بعد ذلك.
كما استدعت المخابرات والشرطة الإسرائيلية بالقدس الشيخ عكرمة عشرات المرات، إما للتحقيق أو لإبلاغه بإجراءات ضده كالإبعاد والمنع من السفر.
لم تقتصر الملاحقة على شخص الشيخ، إنما وصل إخطار بالهدم في يوليو/ تموز 2025 لعمارة سكنية يقطنها في القدس كونه أحد سكانها وفق مصادر فلسطينية، ما اضطره لتغيير مكان سكنه ومغادرتها لحماية سكانها من جهة، وحماية نفسه بعد حملة تحريض إسرائيلية عليه من جهة ثانية.
** القدس الشرقية
وتأتي محاكمة الشيخ عكرمة الحالية، في وقت تتعرض فيه القدس الشرقية، لإجراءات إسرائيلية تهدف إلى تهويدها، كما يقول الفلسطينيون، بما فيها المسجد الأقصى، وطمس هويتها العربية والإسلامية.
ويتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل المدينة عام 1967، ولا بضمها في 1980.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبالتزامن مع حرب الإبادة على غزة صعدت إسرائيل من إجراءاتها في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1074 فلسطينيا، وإصابة نحو 10 آلاف و700 إضافة إلى اعتقال أكثر من 20 ألفا و500 آخرين، خلال عامي حرب الإبادة في غزة.
وخلفت الإبادة الإسرائيلية بغزة والتي استمرت لعامين وانتهت باتفاق وقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر 2025، أكثر من 69 ألف قتيل فلسطيني وما يزيد عن 170 ألف جريح.






