
انهيار سدّ لمخلفات التعدين في شمال زامبيا يتسبب بتسرّب كميات هائلة من المواد السامة إلى نهر كافوي، ما أدى إلى كارثة بيئية واسعة وتداعيات صحية وزراعية خطيرة. وتواجه الشركة الصينية المالكة للمنجم والحكومة الزامبية انتقادات حادة بشأن السلامة والمسؤولية البيئية.
شهد شمال زامبيا خلال فبراير/شباط الماضي واحدة من أخطر الكوارث البيئية في تاريخ البلاد، عقب انهيار سدّ مخصّص لتجميع مخلفات التعدين في أحد مناجم النحاس المملوكة لشركة صينية، ما أدى إلى تسرب كميات ضخمة من المواد السامة إلى روافد نهر كافوي، المصدر الرئيسي لمياه الشرب والزراعة في المنطقة.
وبحسب تقديرات حكومية، بلغ حجم المخلفات المتسربة نحو 50 ألف طن من المياه الحمضية المحمّلة بالمعادن الثقيلة، من بينها الزرنيخ والزئبق والرصاص. غير أن خبراء بيئيين مستقلين يرجحون أن الكمية قد تصل إلى 1.5 مليون طن، محذرين من أن إزالة آثار التلوث بالكامل قد تستغرق أكثر من عشر سنوات.
وأفاد مزارعون في منطقتي تشامبيشي وكيتوي بنفوق أعداد كبيرة من الأسماك عقب التسرب، وتلوّث مصادر المياه، وتضرّر الأراضي الزراعية، ما أدى إلى خسائر كبيرة في المحاصيل. كما حذر مختصون من أن موسم الأمطار قد يؤدي إلى انتقال الملوثات المترسّبة في التربة والطين إلى مساحات أوسع عبر المجاري المائية، ما قد يتسبب في موجة تلوث ثانية.
وأكد مويني هيموينغا، أستاذ البيئة في جامعة كوبربلت، أن المعادن السامة قادرة على التنقل لمسافات طويلة عبر الأنهار، وقد تصل إلى العاصمة لوساكا، محذراً من أخطار صحية تشمل الفشل الكلوي والسرطان واضطرابات الجهاز الهضمي.
في المقابل، أعلنت السفارة الصينية في لوساكا اعتراضها على تقديرات حجم التلوث، وأكدت في بيان رسمي أنها ترحب بإجراء تحقيق مستقل، مشيرة إلى أن الحكومة الزامبية أفادت بأن التلوث كان محصوراً في نطاق محدود، وأن مستويات حموضة المياه عادت إلى حدودها الطبيعية، كما أن الفحوصات الجارية لا تشير إلى مخاطر صحية طويلة الأمد.
ويقع المنجم المتضرر في منطقة كوبربلت الغنية بالنحاس، وتملكه شركة "ساينو ميتالز"، التابعة لشركة صينية مملوكة للدولة. وتواجه الشركة، إلى جانب الحكومة الزامبية، انتقادات واسعة تتعلق بإجراءات السلامة وحماية البيئة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، رفع 176 مزارعاً دعوى قضائية ضد شركة "ساينو ميتالز آند إن إف سي أفريقيا"، في واحدة من أكبر القضايا البيئية بتاريخ زامبيا، متهمين الشركة بالتسبب في أضرار طالت حياة نحو 300 ألف أسرة نتيجة تلوث المياه والتربة. ويؤكد المدّعون أن انهيار السد جاء نتيجة إخفاقات هندسية وأخطاء في البناء وسوء في إدارة العمليات التشغيلية.
ويرى مراقبون أن هذه القضية تمثّل اختباراً حقيقياً لقدرة زامبيا والدول الأفريقية عموماً على محاسبة الشركات الأجنبية الكبرى عن الأضرار البيئية. وقال ستيفن تشان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، إن "حجم الدمار والإهمال في هذه الحادثة جعلها تحظى باهتمام دولي غير مسبوق".
من جهتها، أكدت السفارة الصينية أن شركة "ساينو ميتالز" تعاونت بالكامل مع التحقيقات الجارية، وقدمت تعويضات لـ 454 أسرة متضررة، كما واصلت دفع رواتب العاملين رغم توقف التعدين لمدة ستة أشهر.
وأعلنت الحكومة الزامبية أنها أخذت عينات من 21 موقعاً في منطقة كوبربلت خلال شهر سبتمبر، وأظهرت النتائج أن تركيز المعادن الثقيلة بات ضمن الحدود المسموح بها وطنياً. كما أصدرت تعليمات للشركة بتنفيذ خطة للحد من التلوث الثانوي، تشمل زراعة الأشجار لتثبيت التربة، ونشر الجير لتقليل حموضة المياه.
ورغم هذه الإجراءات، يحذر خبراء من أن استمرار وجود المعادن الثقيلة في التربة قد يؤدي إلى آثار صحية وبيئية طويلة الأمد، خاصة على المجتمعات الزراعية التي تعتمد على المياه الملوثة في الري والشرب.
على الصعيد الاقتصادي، يُعدّ قطاع تعدين النحاس العمود الفقري لاقتصاد زامبيا، إذ يمثل نحو 70 في المئة من الصادرات و15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتخطط الحكومة لزيادة الإنتاج إلى أكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2031، ما يعزز أهمية القطاع، لكنه في الوقت ذاته يضاعف التحديات البيئية.
وتواجه زامبيا كذلك عبئاً مالياً كبيراً نتيجة ديون تُقدّر بنحو خمسة مليارات دولار مستحقة للصين، ضمن حجم قروض صينية إجمالي للقارة الأفريقية يُقدّر بنحو 182 مليار دولار خلال الفترة بين 2000 و2023، بحسب تقديرات غير رسمية.
وفي هذا السياق، تتزايد الانتقادات الموجهة للصين بشأن ما يوصف بـ"النهج الاستعماري الحديث"، حيث يتهمها منتقدون بإغراق الدول الأفريقية بالديون واستنزاف مواردها الطبيعية على حساب حماية البيئة وتنمية القدرات المحلية. غير أن بكين تنفي هذه الاتهامات، وتؤكد أن استثماراتها تسهم في توفير فرص العمل ونقل التكنولوجيا ودعم التنمية.
وفي تطور موازٍ، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الاقتصادي في زامبيا، في ظل التنافس الدولي المحتدم على معادن التحول الطاقي، وفي مقدمتها النحاس والكوبالت المستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. وبلغ حجم التجارة بين زامبيا والولايات المتحدة نحو 296 مليون دولار خلال عام 2024، وسط مؤشرات على تقارب دبلوماسي متزايد.
ميدانياً، لا تزال تداعيات الكارثة حاضرة في القرى المتضررة، حيث يؤكد سكان محليون أن الزراعة أصبحت أكثر صعوبة، والمياه غير آمنة على نحو مستقر، فيما تتواصل المطالب بتعويضات عادلة وإجراءات مستدامة لمعالجة آثار التلوث.
وبينما تؤكد السلطات الزامبية التزامها بحماية البيئة والصحة العامة، يرى خبراء أن نجاح هذه الجهود سيعتمد على شفافية التحقيقات، واستقلاليتها، وقدرة الدولة على فرض شروطها على الشركات الأجنبية لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلاً.









