
- رئيس وزراء إسرائيل عقد قمة ثلاثية بالقدس مع نظيره اليوناني ورئيس قبرص الرومية - القمة الثلاثية أكدت على تعزيز التعاون في الدفاع وفي مجالات أخرى
يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كسر العزلة السياسية الدولية التي يعانيها منذ حرب الإبادة التي ارتكبتها تل أبيب بحق الفلسطينيين بقطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وذلك عبر التقارب مع رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وعقد نتنياهو أمس الاثنين، مؤتمرا صحفيا مشتركا في مدينة القدس مع ميتسوتاكيس ورئيس قبرص الرومية نيكوس خريستودوليدس، أكدوا خلاله تعزيز التعاون في الدفاع وفي مجالات أخرى.
وقال نتنياهو في المؤتمر الصحفي إنهم ناقشوا خلال القمة الثلاثية بشكل مفصل سبل التعاون وعلى رأسها الأمن، إضافة إلى مجالات الطاقة والتكنولوجيا وغيرها.
وأضاف أنهم سيعملون معا من أجل تنفيذ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، مبينا أن هذه الفكرة يجب أن تتحول إلى واقع.
وأضاف أنهم بحثوا كيفية دفع المشروع قدما، مبينا أنه سيطرح الملف أيضا خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أواخر ديسمبر/كانون الأول الجاري في الولايات المتحدة.
وادعى نتنياهو أن إسرائيل رائدة في مجال التكنولوجيا، مدعيا أنها ستعمل مع اليونان وقبرص الرومية على "تشكيل مستقبل المنطقة" باستخدام أحدث التقنيات.
كما أعلن أنه اتفق مع كل من ميتسوتاكيس وخريستودوليدس على تعميق التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والبحوث المتقدمة.
نتنياهو قال كذلك إن القمة شهدت تأكيدا على الرغبة في "توسيع اتفاقات أبراهام وتقديم الدعم لمستقبل لبنان"، مبينا أن البلدان الثلاثة اتفقوا على "تعميق التعاون الأمني والدفاعي".
وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي وجود أطراف "تسعى إلى إعادة فرض هيمنة تاريخية" على اليونان وقبرص الرومية وإسرائيل.
ومضى قائلا: "نحن عازمون على الدفاع عن أنفسنا، ولدينا القدرة على القيام بذلك".
وخلال المؤتمر الصحفي وجه صحفي إسرائيلي سؤالا إلى الضيوف قائلا: "ما رسالتكم إلى تركيا؟"، إلا أن مسؤولين في مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية تدخلوا وذكر أن الضيوف لن يتلقوا أسئلة.
إثر ذلك، سأل الصحفي نتنياهو عن توقعاته بشأن الملف الإيراني خلال لقائه مع ترامب، فاستهل نتنياهو إجابته بالقول: "لا نرغب في مواجهة مع أحد".
وهدد في تتمة حديثه إيران قائلا: "نحن نعلم أنهم أجروا مناورات في الآونة الأخيرة، ونتابع ذلك ونتخذ الاستعدادات اللازمة"، وأضاف متوعدا: "أي عمل سيقابل برد شديد جدا".
** صيغة 3+1 التي تضم الولايات المتحدة
زعيم إدارة قبرص الرومية نيكوس خريستودوليديس قال إن التعاون بين الأطراف نضج وتعزز في مجالات متعددة، تشمل الطاقة والربط الإقليمي، والأمن والدفاع، والتعاون البحري، والاستعداد للأزمات والحماية المدنية، والابتكار، والتواصل بين الشعوب.
وأعرب خريستودوليديس عن رغبته في الانتقال إلى صيغة "3+1" بمشاركة الولايات المتحدة اعتبارا من العام 2026، بهدف تعزيز التعاون الثلاثي.
بدوره، صرح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن هذه القمة الثلاثية هي العاشرة، وأن المنطقة تشهد تحولا جذريا.
وأضاف أن الكثير قد تغير منذ الاجتماع الأخير بالعام 2023، وأنهم دخلوا مرحلة جيواستراتيجية جديدة.
وذكر أنهم ناقشوا الخطوات المستقبلية في قطاع غزة (الذي ارتكبت فيه إسرائيل إبادة جماعية)، وأن بلاده على استعداد للمساهمة بهذا الشأن.
وادعى ميتسوتاكيس أن المسيحيين الأرثوذكس في سوريا يمرون بظروف صعبة ويحتاجون إلى حماية.
وذكر أن الثلاثة تناولوا التعاون في مجالات الأمن والدفاع ومختلف المجالات الاستراتيجية، مبينا أن مركز الأمن السيبراني البحري في إدارة قبرص اليونانية سيبدأ عمله العام المقبل.
وأشار ميتسوتاكيس إلى أن نتنياهو سيؤكد خلال زيارته المرتقبة للولايات المتحدة على صيغة 3+1 التي ذكرها زعيم إدارة قبرص الرومية، معتبرا أن دعم واشنطن للدول الثلاث سيضيف قيمة كبيرة.
** البيان الختامي
وورد في البيان الختامي للقمة التأكيد على مواصلة وتعميق التعاون في مجالات، الأمن ومكافحة الإرهاب والتعاون البحري، والاستجابة للطوارئ، والطاقة والربط الإقليمي والرفاه الإقليمي، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار.
كما أعلن عن تشكيل "مجموعة العمل الثلاثية للاستعداد والاستجابة للطوارئ" بهدف تقديم المساعدة في مواجهة الكوارث الطبيعية.
** شراكة براغماتية قائمة على معاداة تركيا
ويفسر مسار العلاقات الإسرائيلية اليونانية على أنه "شراكة براغماتية قائمة على معاداة تركيا"، وذلك بسبب وجود ارتباط سلبي بين علاقات البلدين مع أنقرة.
ويُرى أن البلدين يتخذان مواقف مشتركة في قضايا مناطق الصلاحيات البحرية، وأمن الطاقة، والمسائل العسكرية، بهدف موازنة نفوذ تركيا في المنطقة.
وفي هذا السياق، فإن التقارب بين أثينا وتل أبيب بلغ مستوى الشراكة الاستراتيجية منذ العام 2010، بالتزامن مع تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية، ولا سيما في شرق البحر المتوسط على صعيد الطاقة والأمن والتوازنات الجيوسياسية.
وقبل ذلك كانت أثينا قد حافظت لفترة طويلة على علاقات متوازنة مع العالم العربي وفضّلت إبقاء مسافة مع إسرائيل.
وخلال هذه الفترة، تعاونت إسرائيل واليونان بمجالات متعددة، في مقدمتها مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط East-Med، كما ازداد التعاون العسكري بين البلدين.
- المشروع المجمد: خط أنابيب شرق المتوسط East-Med
لم يتسن تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي لشرق المتوسط (East-Med)، الذي كان يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص الرومية واليونان، وذلك رغم الأهمية الكبيرة التي يوليها له البلدان، بسبب ارتفاع تكلفته والصعوبات التقنية التي يواجهها.
المشروع الذي دعمه الاتحاد الأوروبي بهدف تقليص اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية ظهر لأول مرة على جدول الأعمال بالعام 2013.
أما الاتفاق الرسمي بين إسرائيل واليونان وإدارة قبرص الرومية فقد أبرم في 2 يناير/ كانون الثاني 2020 في أثينا.
ورغم حصول المشروع على الموافقة السياسية لإنجازه بحلول العام 2025، فإن أعمال الإنشاء لم تبدأ من الأساس.
وفي يناير 2022 تجمّد المشروع إثر سحب الإدارة الأميركية دعمها له بسبب انعدام الجدوى الاقتصادية، والتأثيرات البيئية، واحتمال التسبب في توترات إقليمية.
مشروع خط أنابيب شرق المتوسط، الذي وُصف بأنه صعب التنفيذ نظرا لارتفاع تكلفته ومشكلاته التقنية، كان من المخطط أن يستغرق 7 سنوات لإنجازه وبتكلفة تقارب 7 مليارات دولار.
وكان من المخطط أن يمتلك المشروع بعد اكتماله قدرة نقل سنوية تبلغ 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
لكن الغاز المستخرج من الاحتياطات المكتشفة في إسرائيل، حتى مع إضافة الغاز المصري، لن يكون كافيا لملء هذه الطاقة الاستيعابية، فضلا عن أن استدامة المشروع تتطلب اكتشافات جديدة في المنطقة.
ومع اقتراب نهاية العام 2025، تحركت إسرائيل لإعادة طرح المشروع على جدول الأعمال.
وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين عقب زيارته أثينا الشهر الماضي ولقائه نظراءه من الولايات المتحدة واليونان وإدارة قبرص الرومية، أن مشروع خط أنابيب شرق المتوسط الذي يهدف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، عاد مجددا إلى الواجهة.
ورغم أن كوهين زعم أن الولايات المتحدة التي سحبت دعمها للمشروع باتت مستعدة مجددا للاضطلاع بدور مهم، فإن إعلان إسرائيل الأسبوع الماضي توصلها إلى اتفاق غاز بقيمة 35 مليار دولار مع مصر أدى إلى تفسيرات تفيد بأن مشروع East-Med أعيد دفعه إلى الخلف مرة أخرى.
** تسارع ملفت للتعاون العسكري بين إسرائيل واليونان
من اللافت للأنظار تسارع وتيرة التعاون العسكري بين إسرائيل واليونان، إلى جانب مساعيهما للتعاون في مجال الطاقة، وتكثيف الاتصالات الدبلوماسية، والانخراط المتزايد في مناورات عسكرية مشتركة.
التعاون العسكري بين الجانبين بدأ يتطور عقب المناورة العسكرية المشتركة التي أُجريت بالعام 2008 تحت اسم "إسبارطة المجيدة"، إذ شارك الجيشان الإسرائيلي واليوناني منذ ذلك الحين في العديد من المناورات العسكرية.
وفي أبريل/ نيسان 2025، شارك الجيشان في مناورة "إينيوخوس 2025" التي أُقيمت في اليونان بمشاركة أكثر من 10 دول.
وبحسب بيان للجيش الإسرائيلي، نفّذت قواته الجوية ونظيرتها اليونانية في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 تدريبا مشتركا على التزود بالوقود جوا فوق الأجواء اليونانية.
وتناولت وسائل إعلام عبرية ادعاءات تفيد بأن سلاح الجو الإسرائيلي استعد للمواجهة التي وقعت بين إيران وإسرائيل في يونيو/ حزيران 2025، ولا سيما في مجال التزود الجوي بالوقود، عبر تدريبات سابقة مع اليونان حاكت ظروفا جوية وجغرافية مشابهة.
وفي السياق ذاته، وقعت إسرائيل واليونان العديد من اتفاقيات شراء الأسلحة، كان أبرزها الاتفاق المبرم بالعام 2021 بين أثينا وشركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية، شمل تدريب الطيارين وإنشاء مدرسة للطيران، بقيمة بلغت 1.65 مليار دولار، ليُعد الأكبر من نوعه.
من جهة أخرى، صادق البرلمان اليوناني في 5 ديسمبر/ كانون الأول على برنامج تسليح يتضمن شراء راجمات صواريخ من طراز "بلس" من إسرائيل، بتكلفة تجاوزت 800 مليون دولار.
كما لا تزال المباحثات جارية بين أثينا وتل أبيب بشأن إنشاء نظام دفاع جوي متعدد الطبقات يحمل اسم "درع أخيل"، تقدّر كلفته الأولية بأكثر من 3 مليارات دولار.
** قمة ثلاثية وحديث عن "قوة تدخل مشتركة"
ومع تصاعد التعاون العسكري بين تل أبيب وأثينا، ظهرت ادعاءات عن تشكيل "قوة تدخل مشتركة" في شرق المتوسط بمشاركة إسرائيل واليونان وإدارة جنوب قبرص الرومية، قبيل القمة الثلاثية في القدس الغربية.
وأفادت وسائل إعلام يونانية بأن أثينا تهدف إلى إدخال أنظمة الصواريخ المضادة للدروع بعيدة المدى من طراز "سبايك نلوس" التي حصلت عليها من إسرائيل، إلى الخدمة العملياتية الكاملة تدريجيا في جزر شرق بحر إيجة ومنطقة مريج.
وتدرس اليونان وإسرائيل وقبرص الرومية إنشاء قوة تدخل مشتركة على مستوى لواء لحماية "البنى التحتية الحيوية" في شرق المتوسط، على أن تضم نحو ألفين و500 جندي، بواقع ألف جندي من اليونان، وألف من إسرائيل، و500 من قبرص الرومية.
غير أن صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية نقلت نفي الحكومة لادعاءات الإعلام اليوناني بشأن إنشاء "قوة تدخل إسرائيلية يونانية قبرصية" موجهة ضد تركيا.
ورغم عدم اتخاذ خطوات ملموسة بعد، أكد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أنهم تلقوا توجيها بالتخطيط في هذا الاتجاه، وأنهم بانتظار تعليمات رئيس الوزراء ووزير الدفاع يسرائيل كاتس.
ومن المتوقع أن يتضح مصير "قوة التدخل المشتركة" بعد القمة الثلاثية.
ولفتت وسائل إعلام في إدارة جنوب قبرص إلى أن إسرائيل سلّمت في سبتمبر/ أيلول الماضي منظومة دفاع جوي إلى قبرص الرومية.
** طلب إسرائيلي من اليونان بشأن غزة
وفي تطور آخر، برزت مسألة تفكير اليونان في إرسال فريق هندسي عسكري إلى قطاع غزة، في إطار خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وذكرت القناة 12 الإسرائيلية، نقلا عن مصادر دبلوماسية، أن إسرائيل شجعت اليونان على لعب دور فاعل في مستقبل غزة، وأن حكومة أثينا أبدت استعدادا لذلك.
وأضافت أن القمة الثلاثية تتناول، في ضوء ما وُصف بـ "الظل التركي المحرك للتطورات"، عددا من الملفات المتعلقة بتعزيز التعاون المتبادل في منطقة المتوسط، من بينها التعاون في مجال الطاقة، إضافة إلى "ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا الاقتصادي"، المخطط مروره عبر إسرائيل واليونان.






