الأعمال القذرة لبريطانيا وألمانيا وفرنسا

07:0720/06/2025, الجمعة
سلجوك توركيلماز

صرح المستشار الألماني فريدرش ميرتس قائلاً: "إسرائيل تقوم بأعمالنا القذرة في إيران". هذه العبارة أثارت دهشة الكثيرين لما تحمله من دلالة تتعارض صراحةً الرواية السائدة التي صيغت حول مفهوم "الهولوكوست" بما يوافق الأيديولوجيا الصهيونية. وفي هذا المقال، سأحاول تحليل هذه العبارة ضمن سياقها. فقد تم إقناع العالم بأسره تقريبًا بعكس الحقيقة التي تشير إليها كلمات ميرتس، حيث أُنشئت سردية أسطورية حول إسرائيل بما يتناسب مع الأيديولوجية الصهيونية، واعتُقد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا،

صرح المستشار الألماني فريدرش ميرتس قائلاً: "إسرائيل تقوم بأعمالنا القذرة في إيران". هذه العبارة أثارت دهشة الكثيرين لما تحمله من دلالة تتعارض صراحةً الرواية السائدة التي صيغت حول مفهوم "الهولوكوست" بما يوافق الأيديولوجيا الصهيونية. وفي هذا المقال، سأحاول تحليل هذه العبارة ضمن سياقها. فقد تم إقناع العالم بأسره تقريبًا بعكس الحقيقة التي تشير إليها كلمات ميرتس، حيث أُنشئت سردية أسطورية حول إسرائيل بما يتناسب مع الأيديولوجية الصهيونية، واعتُقد أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، قد أذعنت لليهود تمامًا. ولم تنكسر هذه السردية الأسطورية حتى بعد السابع من أكتوبر 2023. بل إن البعض ذهب إلى حد تشبيه إسرائيل ونتنياهو بالنازيين وهتلر، في محاولة للانتقام الخطابي. في الواقع، لم يتردد الكثيرون في تشبيه إسرائيل ونتنياهو بالنازيين وهتلر رغبة منهم بالانتقام. مع أن الدولة الألمانية شاركت في سباق استعمار أفريقيا قبل ظهور هتلر، ولعبت القبائل الجرمانية دوراً محورياً في اختراع أوروبا جديدة بأمريكا الشمالية. لقد مكّنت صورة النازيين وهتلر من تهميش هذا التاريخ لألمانيا، والتستر عليه. لذا لفهم كلمة ميرتس تماماً يجب وضع الروايات المنسوجة حول اليهود والهولوكوست والنازية جانباً، فأحداث الحرب العالمية الثانية كانت شأناً داخلياً للحضارة الغربية، وقد تعاملوا معها على أنها كذلك بالفعل.

لقد رغبت ألمانيا منذ البداية في تأسيس إسرائيل. وقد ذكرتُ سابقًا، في موضع آخر، أن أحد تقارير جهاز الاستخبارات لدينا بتاريخ 1917 أشار إلى دعم ألمانيا لإنشاء وطن جديد لليهود على الأراضي الفلسطينية التاريخية. ولعبت الولايات المتحدة وبريطانيا دوراً محورياً في بناء هذا "الوطن الجديد"، وشاركت فرنسا بدورها، إلى جانب بريطانيا، في مشروع استعمار شرق المتوسط. والمؤسف أننا لم نتمكن من توصيف هذه الظاهرة الجديدة. فعلى الرغم من أن "الاحتلال الجديد" يُعدُّ التوصيف الأدق لإدارتي الانتداب الفرنسية والبريطانية، إلا أن مفهوم "الاستعمار" – بما يحمله من تركيز على الثروات الباطنية والسطحية – اجتاح لغتنا وعقولنا. في الواقع، كنا نشهد بناء كيان استعماري جديد بجوارنا، وكانت القوى التي أنشأتها هي ذاتها القوى الإمبريالية في القرن التاسع عشر وتحديدا بريطانيا. وخلال الثلاثين عامًا الممتدة من عام 1917 إلى 1948، قام المستوطنون اليهود باحتلال فلسطين تحت الحماية البريطانية. وكان هذا النظام يُعرف بـ"الوصاية"، وقد تداخل نظام الانتداب والوصاية في إدارة فلسطين التاريخية، وكما هو معروف، أسست فرنسا أيضًا التكنولوجيا النووية.

وأقام اليهود الصهاينة علاقات مع جميع الدول المذكورة آنفًا، معتقدين أن بإمكانهم تأسيس دولتهم التي يحلمون بها من خلال استغلال الفرص التي قدّمتها لهم السياسة الدولية، إلا أن هذا كان له ثمن، إذ إن تمثيل "الحضارة الغربية" يستلزم أداء دور "مخفر متقدم" في العالم الإسلامي. ويجب فهم الاستشراق في هذا السياق أيضاً. لقد تشكلت تصوراتهم عن الشرق ضمن إطار استشراقي، حيث رأوا أن الفلسطينيين لم ينجحوا حتى في أن يصبحوا أمة، ونهم لن يبدوا مقاومة لأنهم يفتقرون لفكرة الوطن. ولكن حسابات الغرب لم تنجح في الشرق، ومن هذا المنظور يمكننا أيضًا تحليل ماقصده فريدريش ميرتس بقوله"أعمالنا القذرة"، فالضمير المتصل "نا" يشير إلى الحضارة الغربية. هذه العبارة تكشف بوضوح عن نزعة ميرتس العنصرية المفرطة، وتعكس نظرته المتعالية إلى الشرق وأهله. إنه يبارك حرب الصهاينة – بوصفهم جزءًا من الحضارة الغربية – ضد الفلسطينيين في الشرق، واليوم أيضًا ضد الإيرانيين، ويشجعهم على المضي قدمًا. لقد أعلنت النخب الألمانية والفرنسية انخراطهم الكامل في جميع "الأعمال القذرة" التي ينفذها الصهاينة، باسم "عقل الدولة". أما أهل غزة، فقد أزاحوا هذا الستار القذر عن الحقيقة.

أما مصطلح "الدولة المنبوذة" الذي يُطلق على إسرائيل، فهو بحاجة إلى تفسير دقيق. فمنذ أن دخلت إسرائيل في حرب مفتوحة مع إيران، أظهرت شدة اعتمادها على الغرب. وها هو نتنياهو يستجدي تدخلًا مباشرًا من ترامب لإقحام الولايات المتحدة في الحرب بشكل مباشر، رغم أن أمريكا لم تتوانَ حتى الآن عن تزويد إسرائيل بالسلاح والجنود. لقد آمن الصهاينة بأنهم "شعب مختار" ويتمتعون بتفوق عرقي، وظنوا أنهم بعد ألفي عام نجحوا في إقامة دولتهم، لكنهم عجزوا حتى عن اختراق غزة الصغيرة. وعندما شرعت تركيا في بناء نظام جديد في المنطقة بعد ثلاثين عامًا، تبددت أحلامهم الإقليمية أيضًا. ولذلك سعوا إلى جر إيران إلى الفوضى، وإفساح المجال أمام الجماعات الإرهابية التابعة لهم، بغية تدمير النظام الذي تحاول تركيا ترسيخه. إلا أن إيران فاجأتها بردٍّ لم يكن في الحسبان، وفي هذا الإطار ينبغي النظر إلى تحوّل إسرائيل إلى "دولة منبوذة".


#بريطانيا
#فرنسا
#الأعمال القذرة
#ألمانيا
#اليهود
#الصهاينة
#الاستعمار
#فلسطين
#المستشار الألماني فريدرش ميرتس