خط القدس وكاشغر

08:4327/07/2025, الأحد
تحديث: 27/07/2025, الأحد
طه كلينتش

صادق الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي، على مشروع قرار يُوصي بضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، وذلك بأغلبية 71 نائبا ومعارضة 13 من أصل 120. وفي سابقة نادرة في السياسة الإسرائيلية، يجمع هذا المشروع بين كتل وأحزاب سياسية مختلفة داخل البرلمان الإسرائيلي، وجاء في نص القرار وصف الضفة الغربية بأنها "موطن الشعب اليهودي التاريخي"، مع التأكيد على أن "إسرائيل تحتفظ بكامل حقوقها الطبيعية والتاريخية والقانونية فيها، وعلى الحكومة اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد". منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية

صادق الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي، على مشروع قرار يُوصي بضم الضفة الغربية بالكامل إلى إسرائيل، وذلك بأغلبية 71 نائبا ومعارضة 13 من أصل 120. وفي سابقة نادرة في السياسة الإسرائيلية، يجمع هذا المشروع بين كتل وأحزاب سياسية مختلفة داخل البرلمان الإسرائيلي، وجاء في نص القرار وصف الضفة الغربية بأنها "موطن الشعب اليهودي التاريخي"، مع التأكيد على أن "إسرائيل تحتفظ بكامل حقوقها الطبيعية والتاريخية والقانونية فيها، وعلى الحكومة اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الصدد".

منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية في حرب الأيام الستة عام 1967، عملت تدريجيًا على تعميق هذا الاحتلال، لاسيما من خلال تسريع وتيرة إنشاء المستوطنات اليهودية في المنطقة. ورغم المعارضة الدولية المزعومة لهذه السياسات، فإن مشروع الاستيطان الممنهج قد استمر بلا انقطاع، حتى وصل عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية اليوم إلى ما لا يقل عن 500 ألف مستوطن. ويُعرف هؤلاء المستوطنون الذين يسمح لهم بحمل الأسلحة الآلية، بسلوكهم العدواني وخاصة تجاه المدنيين الفلسطينيين.

وقد شكل اتفاق أوسلو، الموقع عام 1993، نقطة تحول أساسية منحت إسرائيل فرصة لتحويل احتلالها للضفة الغربية إلى وضع دائم ورسمي. فقد قسّم الاتفاق الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: (أ)، و(ب)، و(ج)، حيث وضعت المنطقة (ج) بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية، مما وفر حماية دولية للمستوطنات. وبهذا برز أحد أوجه التناقض الصارخ في تعاطي النظام الدولي مع القضية الفلسطينية: فبينما يعلن المجتمع الدولي رسميًا رفضه للمستوطنات ويصف احتلال إسرائيل للضفة الغربية بـ"غير القانوني"، فإنه في الوقت ذاته رحّب بحماسة باتفاق أوسلو، الذي شرعن فعليًا بقاء هذه المستوطنات تحت إشراف إسرائيل وحمايتها.

وعلى مدار سنوات، وإلى جانب علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة والغرب، وجدت إسرائيل لنفسها حليفًا جديدًا من بعيد، ولا سيما في سياق سياسات الاستيطان، إنها الصين.

خلال زيارتي إلى تركستان الشرقية الشهر الماضي، رأيت ظلالًا ونسخًا لعمليات الاحتلال الإسرائيلية في فلسطين تتجسد في جميع الخطوات التي تتخذها الصين للقضاء على الهوية الأويغورية في جميع المدن التاريخية بالمنطقة. وجدتُ الصين تقلد إسرائيل تمامًا في ممارساتها: من توطين صينيي "الهان" في الأحياء المسلمة، إلى استبدال الأسماء الأويغورية القديمة بأخرى صينية، مرورًا بفرض هويات موازية على الجغرافيا والتاريخ، وصولًا إلى تسويق أفعالها للعالم على أنها "مكافحة للإرهاب". وربما لم يكن هذا مجرد تقليد، بل كان تعاونًا وشراكة.

وبطبيعة الحال، كانت هناك اختلاف بقدر التشابه: فإسرائيل لم تكن تهتم كثيرًا بالدين الممارس في الأراضي التي احتلتها. فلم تكن أولويتها الأولى هدم المساجد، أو حظر الأذان، أو منع العبادة. ولم تحاول استيعاب الفلسطينيين، بل كانت تستهدف أرواحهم مباشرة، فتقتلهم، وتُفنِيهم. أما الصين، فقد ركزت على سياسات استيعاب قسري طويلة الأمد. ما تفعله الصين هو تدمير يمتد لعقود، دون استخدام الطائرات الحربية والقنابل.

غير أن وضوح التدمير الوحشي الإسرائيلي، في مقابل بُعد تركستان الشرقية عن مركز الاهتمام العالمي، أدى في تركيا خصوصًا إلى نشوء حالة مَرضية من المقارنة بين معاناة الفلسطينيين ومعاناة الإيغور، وظهرت استقطابات غريبة من قبيل "أنصار فلسطين" و"أنصار تركستان الشرقية"، حتى صار الطرفان يتبادلان الاتهامات بعدم التعاطف الكافي مع معاناة الآخر. وأما أولئك الذين سعوا للحفاظ على التوازن والإنصاف، فقد وجدوا أنفسهم وحيدين ومعزولين بين طرفي النزاع.

كما أن صعوبة الحصول على أخبار دقيقة وموثوقة من الميدان ساهمت في تعميق هذا الانقسام. فبينما كانت الجرائم الإسرائيلية في فلسطين تُبثّ للعالم بثًا مباشرًا لحظة بلحظة، فرضت الصين تعتيماً خانقًا على ما يجري في تركستان الشرقية، ما خلق فوضى معلوماتية سهَّلت التلاعب بالجماهير، من خلال شذرات من الأخبار المتسربة.

وقد أُهدرت، على مر الزمن، جهود وموارد كثيرة دون جدوى. واليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى أفق أوسع وبُعد في النظر في التعامل مع هذه القضايا.

فمن منظور إسلامي، كل قضية عادلة ومشروعة هي قضية المسلم الأولى. فلسطين قضيتنا، كما أن تركستان الشرقية قضيتنا. وليس من الصواب أن نُقحم معاناة الشعوب في سباق المقارنات، بل يجب أن نُصغي لنداء الضمير ونتعامل مع جميع المظالم بالقدر ذاته من الالتزام والوعي.

وإذا كانت إسرائيل والصين قادرتين على الالتقاء في مواقفهما الأيديولوجية، فإن على المسلمين أن يرسموا في عقولهم خطاً ثابتاً يربط القدس بكاشغر، لا يهتز ولا ينفصم.


#القدس
#كاشغر
#قلسطين
#غزة
#الصين
#الاحتلال الإسرائيلي
#الضفة الغربية
#الكنيست
#تركستان