لقاء ودي مع أبناء بلدتي

08:281/12/2025, Pazartesi
تحديث: 1/12/2025, Pazartesi
طه كلينتش

بعد أن طال سماعي لعتاب متكرر من قبيل: "تذهب لإلقاء المحاضرات في كل مكان، لكنك لم تأتِ بعد إلى مدينتك"، سنحت لي الفرصة أخيرًا في الأسبوع الماضي لأتبادل أطراف الحديث مع أهلي وأبناء بلدتي في مسقط رأسي؛ قضاء أنامور التابع لولاية مرسين. صباح الثلاثاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني بدأ يومنا بلقاء ودي في غازي باشا حيث حطّت طائرتي، بمشاركة فضيلة المفتي فخري باشار. وبما أنه ينحدر من قرية صاري وادي التابعة لإرمنك ـ وهي كذلك موطن والدتي ـ فقد تشكّل جسْر الألفة بيننا سريعًا. ساري فادي هي بلدة تقع على قمم جبال طوروس،

بعد أن طال سماعي لعتاب متكرر من قبيل: "تذهب لإلقاء المحاضرات في كل مكان، لكنك لم تأتِ بعد إلى مدينتك"، سنحت لي الفرصة أخيرًا في الأسبوع الماضي لأتبادل أطراف الحديث مع أهلي وأبناء بلدتي في مسقط رأسي؛ قضاء أنامور التابع لولاية مرسين.

صباح الثلاثاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني بدأ يومنا بلقاء ودي في غازي باشا حيث حطّت طائرتي، بمشاركة فضيلة المفتي فخري باشار. وبما أنه ينحدر من قرية صاري وادي التابعة لإرمنك ـ وهي كذلك موطن والدتي ـ فقد تشكّل جسْر الألفة بيننا سريعًا. ساري فادي هي بلدة تقع على قمم جبال طوروس، وتشتهر عبر تاريخها بإنجاب العلماء والفضلاء. وقد تلقّى جدّي والد والدتي، مصطفى شاكر، الذي عمل مفتيًا في أنامور، تعليمه الإسلامي الأول في مدرسة "فَيْضية" في صاري وادي. ولا يزال في باحة المدرسة القديمة عددٌ من قبور العلماء الذين خدموا فيها منذ العهد العثماني.

وبعد مغادرتنا غازي باشا، توجهنا إلى أنامور في رحلة مريحة استغرقت حوالي ساعة ونصف. أُعد لي برنامج مزدحم للغاية التزاماً بمبدأ إجراء أكبر عدد ممكن من الزيارات في وقت محدود. التقيت أولاً بإخوتي الطلاب في ثانوية الأناضول بأنامور، والمدرسة الإعدادية للأئمة والخطباء، وثانوية الأئمة والخطباء. وفي كل مدرسة بدأت بمداخلات قصيرة استحضرتُ فيها ذكريات طفولتي التي قضيتها في أنامور، ثم تركت المجال للطلاب وبدأت بالإجابة عن أسئلتهم الصادقة. أجرينا محادثات ممتعة شملت جغرافيا العالم الإسلامي، والسفر، والقراءة، والكتابة، وجميع القضايا الأخرى التي أثارت فضولهم. ورغم صغر سنهم، أدهشني وأسعدني العمق الذي لمسته في أسئلة الطلاب، خاصة طلاب المدرسة الإعدادية للأئمة والخطباء.

ووسط زخم البرنامج المكثف، خصصتُ وقتا لزيارة معلمتي الأولى، السيدة عائشة كورحسن أوغلاري، في منزلها. فقد درستُ على يديها خمس سنوات بين عامي 1987 و1991، وهي التي علّمتني القراءة والكتابة، وكانت برعايتها واهتمامها مصدرًا لحنانٍ لا يقلّ عن حنان الأم. وما إن دخلت منزلها حتى استقبلتني، على عادتها، بمناداتي باسمي الأول: "عزيزتي نظمي أهلاً وسهلاً"، ثم جلسنا طويلًا نستعيد ذكريات "الطفل طه".

وعند العصر، زرت جمعية "محال" للبحوث العلمية في أنامور، وهي مؤسسة تحقق أثرًا مهمًا في منطقة ذات تركيبة اجتماعية صعبة بفضل رؤية الأخ إمراه قاراجا واتساع أفقه. دار بيننا حديثٌ شيّق، حضره أخي يونس إمره أصلان وأصدقاؤه، وتطرّقنا فيه بشكلٍ رئيسي إلى تركستان الشرقية. ورغم حداثة تأسيسها، قامت "محال" بأعمال جديرة بالاهتمام حول قضية غزة وفلسطين في أنامور. كما أنها اكتسبت بالفعل مكانة في قلوب الشباب في أنامور من خلال تنظيم حلقات حوار حول العلوم الإسلامية. نسأل الله أن يجعل أعمالهم مثمرة ودائمة الأثر.

كان تفاعل أهلي وحفاوتهم بالغاً خلال المحاضرة الرئيسية مساءً. وقد حضر البرنامج وفدٌ كبيرٌ ضمّ محافظ أنامور كمال دورو، ورئيس البلدية دورموش دينيز، ومفتي المنطقة محمد فيدان، ومدير التربية الوطنية مصطفى كابلان، ومدير الأمن محمد د. أوزر، وقائد الدرك حسين أوزدوغان، إلى جانب ممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية. ومن الصفات التي أحبها في مسقط رأسي أن الخلافات السياسية لا تتحول إلى عداوات، فالناس يحافظون على أواصر المودة وتبادل التحية، ويتلاقون على أرضية مشتركة في نهاية المطاف.

بينما كنتُ أتأمل القاعة من المنصة أثناء المحاضرة، لمحت بين الحضور العديد من أصدقاء والديّ ووالدتي. ولمّا رأيتهم أمامي يتابعون حديثي بانتباه واهتمام، تدفقت ذكريات الطفولة أمام عينيّ طوال المساء. كانوا جميعاً أناساً طيبين، يعيشون في بلدة ريفية صغيرة، لكنهم كانوا يتابعون بشغف أخبار كل ركن من أركان العالم الإسلامي، وربّونا في هذه الأجواء لترسخ فينا هدف الأخوة الإسلامية. حين يسألني الناس اليوم: "كيف بدأ اهتمامك بجغرافيا العالم الإسلامي؟" أشير دائماً إلى تلك الأجواء الصادقة التي عشتها في طفولتي بأنامور.

وبعد المحاضرة، زرنا جماعياً مركز مصعب بن عمير لتحفيظ القرآن الكريم. لقد انعكس إخلاص وعزيمة أساتذة المركز القادمين من إسطنبول، الأخوين أحمد أمين أوغورلو وأبو بكر سيرت، على نجاح طلابهم الناشئين. وبهذه المحادثة في المركز، اختتمنا اللقاء السابع في ذلك اليوم. وعندما افترقنا قرب منتصف الليل ذهبنا إلى منازلنا، كنا متعبين ولكن سعداء ومطمئنين.

وفي صباح الأربعاء، صحبني إلى غازي باشا للعودة إلى طائرتي المتجهة إلى إسطنبول أستاذاي إبراهيم صغير وعبد الله أويسال، وكلاهما ينشطان بأعمال رائعة في أنامور. تبادلنا أطراف الحديث في الطريق، واتفقنا على عقد لقاءات جديدة في أنامور، إذا قدّر الله لنا ذلك.


#لقاء ودي
#طه كلينتش
#تركيا
#العالم الإسلامي
#مرسين