تصوّرات الناس عن الأنبياء والتفريق بينهم

08:077/07/2025, الإثنين
تحديث: 7/07/2025, الإثنين
ياسين اكتاي

من أعظم النعم والمنن التي أنعم بها الله على بني البشر، أن أرسل إليهم رسلاً من أنفسهم، يتلون عليهم آياته، ويزكّونهم، ويعلّمونهم الكتاب والحكمة. فإرسال رسول إلى كل قوم بلسانهم، يكون منهم ويعيش بينهم، من أعظم مظاهر اللطف الإلهي، فذلك يجعل النبي أقرب إليهم، وأقدر على إيصال رسالة الله بأوضح صورة، وبشكل يلامس حياتهم مباشرة. غير أن تصورات العديد من الناس تجاه الأنبياء تتجاوز هذه البساطة، فيتوقّعون أن يكون النبيّ استثنائيًا في كلّ شيء؛ مصحوبًا بالمُعجزات الباهرة، والمواهب الخارقة. لذا من أكثر الاعتراضات

من أعظم النعم والمنن التي أنعم بها الله على بني البشر، أن أرسل إليهم رسلاً من أنفسهم، يتلون عليهم آياته، ويزكّونهم، ويعلّمونهم الكتاب والحكمة.

فإرسال رسول إلى كل قوم بلسانهم، يكون منهم ويعيش بينهم، من أعظم مظاهر اللطف الإلهي، فذلك يجعل النبي أقرب إليهم، وأقدر على إيصال رسالة الله بأوضح صورة، وبشكل يلامس حياتهم مباشرة.

غير أن تصورات العديد من الناس تجاه الأنبياء تتجاوز هذه البساطة، فيتوقّعون أن يكون النبيّ استثنائيًا في كلّ شيء؛ مصحوبًا بالمُعجزات الباهرة، والمواهب الخارقة. لذا من أكثر الاعتراضات التي واجهت الرسل: {وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} أي: كيف يكون مثلنا، يأكل كما نأكل، ويتكلّم بلغتنا، ويلبس لباسنا، ويضحك مثلنا؟ لقد قتلوا صورة النبي في عقولهم قبل مجيئه.

فمن يضع مسبقًا تصوّرات قاطعة عن شخصية النبي، وعن خطابه، وعن مهمته، ثم يرفضه لأنه لا يطابق تلك الصورة المتخيّلة، فإنه في الحقيقة يقتل النبوّة قبل أن تصل إليه. وهذه السمة كانت من أبرز صفات بني إسرائيل، الذين لطالما قتلوا أنبياءهم لا لشيء سوى أنهم لم يُعجبوا برسالتهم، أو خالفت ما تهواه أنفسهم. فقتلوا بعض الأنبياء معنويًا بإهمال رسالاتهم وازدراء دعوتهم، بل قتلوهم فعليًا في بعض الأحيان.

وقد كان رد فعلهم تجاه نبوّة سيدنا محمد ﷺ كذلك. فلم يتوقعوا أن يأتي النبي من "الأميين" العرب الذين طالما نظروا إليهم باستعلاء وازدراء. كانوا يتصوّرون أن النبيّ ينبغي أن يكون منهم، وأن يكون مكلّفًا بتسليمهم قيادة العالم. وكانوا يرون أن القيادة حقّ لهم، فكانوا ينتظرون أن يتحول هذا الحق المزعوم إلى قيادة فعلية على يد قائد قوي، نبي يرسله الله إليهم.

ولم يكن بنو إسرائيل يتوقّعون من النبي أن يأتيهم ليكون مرآةً تعكس حقيقتهم، أو أن ينتشلهم من حالة الكِبْر والطغيان التي يعيشونها، أو يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية والرشاد. لقد قرّروا مسبقًا ما يجب أن يحمله النبي لهم. لذلك لم يكن من الممكن أن يقبلوا نبيًا يأتي برسالة تخالف توقعاتهم. وهذه ليست إلا صورة من صور الانحراف النفسي والسلوكي، إذ يلجأ الإنسان أحيانًا إلى قتل الآخر معنويًّا في ذهنه حين لا يتوافق مع توقعاته ومعاييره التي صنعها في خياله وفرضها عليه، وقد جعل بنو إسرائيل من هذا عادة متأصلة، حتى تاه عنهم موضع ومقام النبوة وحدود التعامل معها، وفقدوا بوصلتهم الروحية.

ولم يكن تعاملهم مع النبي موسى وغيره من الأنبياء مختلفًا عن ذلك. فقصة معاناة النبي موسى من بني إسرائيل تُروى بالتفصيل في القرآن الكريم والتوراة. فقد أرهقوه بتوقعاتهم، وأهوائهم، ومطالبهم. فرغم أنه أنقذهم من ظلم فرعون بإرادة الله ووحيه، وحرّرهم من عبودية مهينة، ازدروا دعوته، وتخلّوا عن رسالته وسلكوا سبيل السامري، فانقادوا وراء كلماته المضلّلة، وصنعوا بأيديهم عجلًا من ذهب عبدوه من دون الله. كانت دعوتُه لهم بسيطةً وواضحة ومحرّرة، لكنهم كانوا أسرى لتصورات أخرى، وتوقّعات ولّدتها فيهم أيديولوجيا العبودية التي اعتادوا عليها وتربّوا عليها لأجيال.

إنها قصة طويلة ولكنها ذات معنى عميق، تحمل في كل مشهد ولحظة منها عِبرا بليغة. والجانب المهم في هذه الحكاية هو قناعتهم بأن ما يأتيهم به النبي من عند الله، وما ينطق به لسانه من وحي، كفيل بإحياء قلوبهم. فالمسلم لا يعترض على نداء النبي بشروط مسبقة أو مساومات عقلانية، بل يستجيب بقوله: "سمعنا وأطعنا". ذلك لأن النبي يمثل في جوهره صلة الوصل بين الإنسان وربه، ويؤمن المسلمون بجميع الأنبياء، كما يؤمنون بسيدنا محمد، ولا يفرقون بينهم.

فدعوةُ محمدٍ ﷺ ودعوةُ موسى عليه السلام لم تكنْ مُختلفتين؛ كلاهما دعا إلى عبادةِ الله وحده، ورفض عبادة الخلق للخلق.

واليوم، فإن المسلمين الذين يرفضون أي إساءة للنبي محمد ﷺ لا يمكن أن يتسامحوا مع إهانة أي نبي آخر، وهذا ما أكّده الباحث وحيد الدين إنجه حين قال إن إرساء صلة الرحم الروحية بين الناس جميعاً لا يقدر عليها إلا المسلمون. فالنبي موسى وعيسى وسائر الأنبياء، هم أنبياء المسلمين أيضاً.

وبعد نشرنا مقالين عن قضية الكاريكاتير المسيء مؤخرًا، تلقينا رسالة قيمة من صديق عزيز يطلب فيها الرد على هذه القضية، ونأمل أن نكون قد لبّينا طلبه:

"بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم، قرأت مقالك الذي كتبته حول الكاريكاتير المسيء لنبينا محمد مصطفى ﷺ، بكل اهتمام وشغف وحرص. كل الاحترام والتقدير لشخصكم الكريم، لقد استفدت كثيرًا ودعوتُ لكم دعاءً خاصاً، فجزاكم الله عنا خير الجزاء.

ولكنّ هناك نقطةً لفتت انتباهي: حين ذكرتم نبينا موسى عليه السلام في ثنايا حديثكم عن رسولنا ﷺ انتابني شعور بأنكم ستخصصون مقالكم ليوم الأسبوع القادم عن النبي موسى عليه السلام؛ وأنا كقارئ متواضع لكم أترقّب ذلك بفارغ الصبر، وأكاد أجزم أن كثيرًا من قرائكم يشاركونني هذه التطلعات، لأننا نحن المسلمين لا نُفرّق أبدًا، ولا ينبغي لنا أن نُفرّق، بين أنبياء الله الذين اصطفاهم من بين البشر، وجعلهم لنا قُدوةً وهُداةً وقادةً وأئمةً. ولا يجوز لنا التفريق بينهم، لأن الإسلام يفرض علينا الإيمان بجميع الأنبياء، بدءًا من أول نبي وهو أبونا آدم عليه السلام، إلى خاتمهم محمد ﷺ، مرورًا بكل من وردت أسماؤهم في القرآن الكريم، ومن لم ترد أسماؤهم كذلك. فالإيمان بهم جميعًا شرط للإسلام، ولا يتم إيمان المرء إلا بذلك.

وعليه، فطالما أن تلك الرسوم الملعونة التي خطّتها الأيادي الآثمة قد وجّهت الإهانة أولًا إلى سيدنا محمد ﷺ، ثم إلى سيدنا موسى عليه السلام مباشرة من بعده، فلا بد من التوقف عند هذه الإهانة المزدوجة. لقد تجاوزوا حدود الإساءة إلى افتراءٍ صريحٍ بوصف النبي موسى عليه السلام بـ"نبي اليهود" القاتل، مستخدمين نفس اللغة التي يستخدمها هؤلاء الصهاينة الكفرة والمشركون الذين قتلوا أنبياءنا، فمن يتخذ هذا الأسلوب وسيلة للدفاع، يكون بفعله هذا قد اعترف صراحةً بولائه للصهاينة ووقوفه في صفّهم."


#الأنبياء
#سيدنا محمد
#سيدنا عيسى
#المسلمون
#التوحيد
#الرسم المسيء
#إسرائيل