أمواج طوفان الأقصى تجتاح الحصن الإسرائيلي في أمريكا

08:083/09/2025, الأربعاء
تحديث: 3/09/2025, الأربعاء
ياسين اكتاي

بعد "طوفان الأقصى"، لا يزال أهل غزة يتعرضون لإبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. إذ تُمارس بحقه أبشع صور الوحشية والقتل والمجازر. وبينما تُرتكب هذه الإبادة يستمر البعض في تقديم دعم لا محدود لها. وهناك قادة عرب اختاروا الصمت، بل وتواطؤوا سرًا مع مرتكبي هذه الجرائم، ودعموهم ضمنيًا، على أمل أن يُقضى على حماس بسرعة وتنتهي كوابيسهم. أما المأساة الأشد إيلامًا، فهي أنه بينما تُرتكب الإبادة الجماعية على مرأى العالم، يواصل قطاع واسع من الناس حياتهم اليومية ومساراتهم السياسية والتجارية والاجتماعية دون

بعد "طوفان الأقصى"، لا يزال أهل غزة يتعرضون لإبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. إذ تُمارس بحقه أبشع صور الوحشية والقتل والمجازر. وبينما تُرتكب هذه الإبادة يستمر البعض في تقديم دعم لا محدود لها.

وهناك قادة عرب اختاروا الصمت، بل وتواطؤوا سرًا مع مرتكبي هذه الجرائم، ودعموهم ضمنيًا، على أمل أن يُقضى على حماس بسرعة وتنتهي كوابيسهم.

أما المأساة الأشد إيلامًا، فهي أنه بينما تُرتكب الإبادة الجماعية على مرأى العالم، يواصل قطاع واسع من الناس حياتهم اليومية ومساراتهم السياسية والتجارية والاجتماعية دون أن يتأثروا أو يحركوا ساكنًا، رغم أنهم ينكرون هذه الإبادة. سيسجل التاريخ أن هذه الجرائم وقعت بينما واصل كثيرون حياتهم بشكل طبيعي وكأن شيئًا لم يحدث.

إلا أنّ هذا الصمت، وما يحمله من عجز عن مواجهة الإبادة، يولّد في المقابل دوافع جديدة تحرك الضمير الإنساني على مستوى آخر. فالإنسانية لم تمت، ولن تموت. وهذا الغضب الذي ينتابها بسبب عجزها عن فعل شيء بدأ يتحوّل إلى مسارات أكثر عقلانية وفاعلية، من المقاطعات والاحتجاجات والمظاهرات لتغدو انتفاضة مدنية عالمية في مواجهة الوضع الصهيوني العالمي المهيمن. وكما أفسدت الانتفاضة الفلسطينية راحة إسرائيل وكشفت زيف خطابها، فإنّ انتفاضة الصمود العالمية آخذة في التشكل اليوم لتكون خطابًا عالميا للمعارضة، يتجاوز الحواجز الدينية واللغوية والعرقية والجغرافية، ليواجه منظومة الهيمنة الصهيونية العالمية.

لم يعد للعدوان الإسرائيلي الذي يتجاوز كل حدود الإنسانية والمنطق أي دعم في العالم، باستثناء الولايات المتحدة، وصمت الدول العربية وتواطئها. إسرائيل اليوم تخسر؛ فكل طفل فلسطيني تزهق روحه هو نذير بفنائها، وكل شمعة حياة تطفئها تُسرّع نهايتها. وحتى سردية المحرقة، التي استغلتها بلا خجل منذ لحظة تأسيسها، باتت تنقلب عليها، وفقد سلاح “معاداة السامية” ضد معارضيها، بريقه وتأثيره، حتى غدا يصيب مطلقيه. وهذه المعادلة ما كانت لتتجلى لولا التضحيات الجسيمة التي قدمتها كتائب القسام اليوم.

وأما من يتساءل: "هل كان الأمر يستحق كل هذه التضحيات؟" فإن كان يعرف معنى الجهاد والشهادة والآخرة، فهو يُدرك أن سؤاله ضرب من العبث. وحتى لو لم يكن يعلم، فإن ما يجري اليوم يقدم نموذجاً لشعب يخوض ثورة عالمية الطابع، ويكشف عن أفق استثنائي في مسيرته. إن حركة حماس، مهما وُصفت في الخطاب الصهيوني بأنها “إرهابية”، فقد ارتقت في نظر شعوب العالم وأصبحت رمزًا مشرفًا لقيادة حرب التحرير. وحتى التيارات اليسارية والاشتراكية العالمية تراها حاملةً لروح الثورة في عصرنا. أما اليسار التركي فحدّث ولا حرج.

إسرائيل الغارقة في دماء الفلسطينيين، تستنزف ذاتها مع كل ضربة توجهها. ورغم أنه لم يعد أحد يدعمها غير واشنطن، فإنّ الأنباء القادمة من هناك أيضاً سيئة جداً بالنسبة لها. وآخرها ما جاء على لسان دونالد ترامب نفسه، الذي رغم تبجّحه بأنه قدّم لإسرائيل أكثر مما قدّمه أي رئيس أمريكي آخر، صرح في حوار مع صحيفة "ديلي كولر" بأنّ حرب غزة أضرّت بتل أبيب وأجبرتها على التفكير في إنهاء القتال. بل ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أنّ استمرار الصراع في غزة المحاصرة أفقد إسرائيل نفوذها وقوتها في أروقة السياسة الأمريكية، قائلاً: "لقد كانت إسرائيل، قبل خمسة عشر عاماً، أقوى لوبي رأيته على الإطلاق، تسيطر تماماً على الكونغرس؛ لكنها فقدت هذا النفوذ الآن". وسبق لترامب أدلى بتصريحات مماثلة في الماضي، حيث أشار إلى أنّ السياسات الموالية لإسرائيل لم تعد تحظى بأصوات الجمهوريين، غير أنّ قضايا "إبستين" حالت دون مواصلته الإصرار على هذه التصريحات.

وتتوافق تصريحات ترامب مع العديد من استطلاعات الرأي الأمريكية. وقد كشف زميلنا عبدالله مراد أوغلو في مقالاته الأخيرة عن كل البيانات التي تؤكد الانهيار المأساوي لأسطورة إسرائيل داخل الولايات المتحدة. فبعد أن قدم في مقاله السابق أدلة ملموسة على التراجع السريع في تأييد سياسات إسرائيل حتى في صفوف الحزب الجمهوري، شارك مراد أوغلو في مقاله الأخير نتائج استطلاع رأي وطني أجرته جامعة كوينيبياك الأسبوع الماضي. ووفقًا لهذه النتائج فإن 75% من الديمقراطيين يعارضون إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، و77% منهم يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. أما نسبة الديمقراطيين الذين لا يعتقدون ذلك، فلا تتجاوز 11% فقط. والجدير بالذكر أن جامعة كوينيبياك تُجري استطلاعات رأي وطنية منذ عام 2001. وقد أظهرت نتائج الاستطلاع الذي نُشر الأسبوع الماضي أن الدعم لإسرائيل بين الناخبين الأمريكيين قد وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، بينما بلغ دعم الفلسطينيين إلى أعلى مستوى له في التاريخ.

وتؤكد استطلاعات رأي أخرى نتائجَ جامعة كوينيبياك. فبحسب استطلاع نُشر مؤخرًا لـ هارفارد/هاريس يعتقد 66% من الديمقراطيين، و45% من المستقلين، و38% من الجمهوريين أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية.

وفي استطلاع أجرته مؤسسة بروكنجز في أوائل عام 2025، أعرب 45% من إجمالي الناخبين عن اعتقادهم بأن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بينما اعترض على ذلك 31% فقط.

أما استطلاع غالوب الذي أُجري في يوليو 2025، فقد أظهر أيضًا تراجع الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل؛ إذ لم يوافق سوى 32% على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهي نسبة كانت أعلى بكثير في عام 2023.

وجميع هذه النتائج صدرت في يوليو؛ أما نتائج جامعة كوينيبياك، التي نقلها عبد الله مراد أوغلو في مقاله، فهي الأحدث. وفي غضون هذين الشهرين فقط، يشهد الرأي العام الأمريكي تحولًا أسرع بكثير من حيث الوعي تجاه إسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في فلسطين.

وقد صرح ترامب في مقابلته بأنه لم يكن من الممكن في السابق قول أي كلمة أو انتهاج أي سياسة ضد إسرائيل. ولكن اليوم، أصبح الموقف المؤيد لإسرائيل يُنظر إليه على أنه نقص متزايد وعيب ووصمة عار في السياسة الأمريكية.

فماذا يعني ذلك؟ إن لم يكن هذا دليلاً قاطعاً على أن أمواج طوفان الأقصى بدأت تجتاح أشد حصون إسرائيل مناعة، وهي الولايات المتحدة، فما عساه يكون؟ نأمل أن تكون بداية خير.


#طوفان الأقصى
#إسرائيل
#أمريكا
#الإيادة الجماعية
#ترامب
#اللوبي الصهيوني