منابر مستهدفة.. مساجد بريطانيا بين خطاب الكراهية وصمت السياسة

12:4330/10/2025, الخميس
تحديث: 30/10/2025, الخميس
الأناضول
منابر مستهدفة.. مساجد بريطانيا بين خطاب الكراهية وصمت السياسة
منابر مستهدفة.. مساجد بريطانيا بين خطاب الكراهية وصمت السياسة

يحيى بيرت، مدير الأبحاث في معهد "أعيان" اللندني للأناضول: - الخطاب السياسي السائد في بريطانيا بات يغذّي موجة الكراهية ضد المسلمين بدلًا من مواجهتها - اللغة التي يستخدمها السياسيون اليمينيون تزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، وتشجع على ارتكاب اعتداءات عنيفة ضد الأفراد والمساجد - الأحزاب الكبرى مثل العمال والمحافظين تحاول اللحاق بخطاب اليمين المتطرف بدل أن تواجهه - إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة بوضوح، فسنشهد تآكلًا خطيرًا في قيم التعايش والمواطنة التي ميّزت المجتمع البريطاني لعقود

في ظلّ تصاعد الهجمات على المساجد في بريطانيا وتنامي نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة، حذّر الباحث البريطاني يحيى بيرت، مدير الأبحاث في معهد "أعيان" اللندني، من أن الخطاب السياسي السائد في البلاد بات يغذّي موجة الكراهية ضد المسلمين، بدلًا من الحدّ منها أو مواجهتها.

وفي حديث للأناضول، استعرض بيرت، المتخصص في قضايا مكافحة التمييز ضد المسلمين، أبعاد الهجمات التي تستهدف المساجد في بريطانيا، موضحًا أن لهذه الظاهرة جذورًا تاريخية طويلة، إلا أن العقد الأخير شهد تصاعدًا غير مسبوق في أنشطة اليمين المتطرف.

وأشار إلى أن الاعتداءات ضد المساجد ليست أعمالًا فردية كما يُروَّج، بل هي انعكاس مباشر لموجة العنصرية المتنامية ضد المسلمين في المجتمع البريطاني، وأكد أن الخطاب الشعبوي والسياسي المتطرف لعب دورًا أساسيًا في إذكاء هذا العداء.

**اليمين المتطرف يكتسب شرعية سياسية

وأوضح بيرت أن اليمين المتطرف في بريطانيا ازداد قوة من خلال تشكيل تكتلات سياسية استطاعت أن تحقق تمثيلًا داخل الساحة البرلمانية والإعلامية.

وأضاف أن هذه الظاهرة بدأت مع حزب استقلال المملكة المتحدة، الذي مهد الطريق لظهور حزب الإصلاح البريطاني.

وقال إن حزب الإصلاح البريطاني يُعد اليوم من أكثر الأحزاب جاذبيةً وتقدّمًا في نوايا التصويت للانتخابات المقبلة، وهو ما يمنحه نفوذًا متزايدًا في تشكيل المزاج العام والخطاب السياسي في البلاد.

وذكر أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تقود اليوم حملة منظمة ضد الإسلام والمسلمين، مستخدمةً لغة تتسم بالتصعيد والتجريم والتحريض، وأن "اللغة التي يستخدمونها تزداد تطرفًا يومًا بعد يوم، وهذا ما يشجّع على ارتكاب اعتداءات عنيفة ضد الأفراد المسلمين والمساجد".

وتابع: "نحن نتلقى يوميًا أنباءً عن حوادث جديدة في أنحاء البلاد كافة، وهو ما يعكس تحول الكراهية إلى سلوك ميداني أكثر خطورة".

**الأحزاب الكبرى تلهث خلف اليمين

ولفت بيرت إلى أن غياب الموقف الحازم من الساسة البريطانيين زاد من تفاقم المشكلة، موضحا أنه لا يوجد سياسي بارز يتصدى بوضوح للهجمات ضد الإسلام والمسلمين، بل إن بعضهم يدعمها ضمنيًا لأنها تحظى بشعبية بين الناخبين.

وقال إن الوضع أصبح مقلقًا للغاية، خصوصًا أن الأحزاب الرئيسية مثل حزب العمال والمحافظين تحاول اللحاق بخطاب حزب الإصلاح البريطاني، "أي أنهم لا يعارضون ما يقوم به فعليًا، بل يشاركونه بعض المواقف والمصطلحات".

وأشار إلى أن اللغة التي يستخدمها السياسيون الرئيسيون تصنع فارقًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام، وأوضح أنه "في الماضي، كانت هناك اعتراضات علنية على مثل هذه التصريحات، أما اليوم، فإنها تلقى صدى وتشجيعًا متزايدًا".

وتابع بيرت: "كان المسلمون في المملكة المتحدة يعتمدون على حزب العمال ليكون صوتهم السياسي، لكن للأسف هذا الصوت اختفى تقريبًا بالكامل، تاركًا فراغًا تم ملؤه بخطاب الخوف والتحريض".

**قلق متزايد داخل المجتمع المسلم

ولفت الباحث إلى أن المسلمين المقيمين في بريطانيا يعيشون حالة من القلق البالغ إزاء تكرار الهجمات على المساجد وتصاعد أصوات اليمين المتطرف، مؤكدًا أن غياب القيادات المجتمعية والسياسية يزيد من شعورهم بالعزلة والخوف.

وقال: "المجتمع المسلم لم يعد يجد حليفًا سياسيًا واضحًا، بل هناك حديث متزايد عن نية بعض المسلمين مغادرة البلاد بسبب الشعور بانعدام الأمان، وهذه الظاهرة آخذة في الاتساع".

وأفاد بأن "هناك حالة من الذعر وفقدان الثقة، والوضع يتفاقم بسبب غياب القيادة داخل مجتمعنا المسلم في المملكة المتحدة".

**تزايد الانقسام في المجتمع البريطاني

وأكد بيرت أن المجتمع البريطاني يتجه يومًا بعد يوم نحو مزيد من التعصب والانقسام، موضحًا أن معاداة المسلمين أصبحت أكثر حضورًا في الخطاب العام، رغم أن البريطانيين معروفون بتسامحهم وضيافتهم.

وقال: "هذا لا يعني أن الملايين من البريطانيين المتسامحين لا يرون المسلمين جيرانًا وأصدقاء، لكن حتى الآن لم نشهد قوة مجتمعية أو سياسية مضادة قادرة على الوقوف في وجه الهجمات التي تستهدفهم".

وتوقع بيرت أن تتزايد موجة العداء للمسلمين في أوروبا، وخصوصًا في بريطانيا، مؤكدًا أن المجتمع المسلم في البلاد بحاجة إلى مخرج عملي من هذا الوضع الخطير.

**دعوة إلى بناء تحالفات دولية

ودعا بيرت المسلمين في أوروبا إلى بناء تحالفات عاجلة مع الفئات الأخرى التي تتعرض لأشكال مشابهة من التمييز، مؤكدًا أن "هذا التضامن له أهمية بالغة، لكنه يجب ألا يقتصر على البيانات والتصريحات الدبلوماسية".

وقال: "نحن بحاجة إلى دعم ميداني ملموس، وننتظر من السفارات والجهات الدولية أن تبادر إلى التواصل مع الناشطين في المجتمع المسلم داخل بريطانيا لبدء حوار حقيقي يساعد على فهم احتياجاتنا ومواجهة المخاطر المشتركة".

وأضاف أن على الدول الإسلامية والمؤسسات المعنية تسليط الضوء على الصعوبات التي يواجهها المسلمون واللاجئون في بريطانيا وسائر أنحاء أوروبا، عبر تحركات سياسية وإعلامية مسؤولة ومستمرة.

**استجابة حكومية محدودة

وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن حزمة أمنية إضافية بقيمة 10 ملايين جنيه إسترليني (نحو 13 مليون دولار) لتعزيز حماية المساجد والمؤسسات الإسلامية في البلاد.

وجاء الإعلان بعد زيارته مسجد بيسهافن (جنوب البلاد) الذي تعرّض لمحاولة حرق في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2025، حيث وصف الحادثة، في تدوينة على منصة شركة "إكس" الأمريكية، بأنها "عمل مروّع وغير مقبول".

وأدت محاولة الحرق إلى تلف باب المسجد وإحراق سيارة كانت متوقفة أمامه، فيما أعلنت الشرطة المحلية أن الحادثة تُعامل كجريمة كراهية، وتم اعتقال ثلاثة أشخاص على خلفيتها.

وبحسب بيان صادر عن رئاسة الوزراء البريطانية، فإن الحزمة الجديدة تأتي إضافة إلى خطة أمنية أُطلقت عام 2024 بقيمة 29.4 مليون جنيه إسترليني (نحو 38 مليون دولار)، بهدف تعزيز حماية المساجد والمؤسسات الإسلامية بعد أعمال شغب قادتها جماعات اليمين المتطرف.

بيرت أكد في حديثه على أن التحريض ضد المسلمين في بريطانيا لم يعد هامشيًا، بل أصبح جزءًا من الخطاب السياسي والإعلامي العام، داعيًا إلى تحرك عاجل ومنسّق من جانب القيادات المسلمة والمجتمع المدني البريطاني والدول الإسلامية الصديقة.

وختم قائلا: "إذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة بوضوح، فإننا سنشهد في السنوات القادمة تآكلًا خطيرًا في قيم التعايش والمواطنة التي ميّزت المجتمع البريطاني لعقود طويلة".

#السياسة
#العنصرية
#الكراهية
#بريطانيا
#مساجد