
بحسب مصادر مطلعة، فإن إثيوبيا اعتادت رفع مستوى خطابها العدائي تجاه مصر كلما شعرت بأن القاهرة تنشط في ملفات إقليمية حساسة كالسودان أو ليبيا أو غزة
في تطور مفاجئ أعاد فتح خطوط التوتر بين القاهرة وأديس أبابا، أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانًا هجوميًا وصفت فيه مصر بأنها "قوة استعمارية" تتعامل مع محيطها الإفريقي باعتباره مجال نفوذ تابعًا لها، وأنها توجه تهديدات مباشرة وغير مباشرة ضد إثيوبيا، من دون وجود مناسبة دبلوماسية تبرر هذا التصعيد.
وجاء البيان بعد ساعات قليلة من اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بنظيره الإثيوبي جيديون تيموثاوس، أعلنت تل أبيب أنه تضمن بحث التعاون الأمني والعسكري وتوطيد الشراكة في مجالات الدفاع والتنمية، إلى جانب التحضير لعقد مؤتمر المناخ المقبل في أديس أبابا، وهو توقيت لم يمر من دون ملاحظة في القاهرة التي تراقب باهتمام متزايد تلاقي المسارات الإسرائيلية–الإثيوبية.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن إثيوبيا اعتادت رفع مستوى خطابها العدائي تجاه مصر كلما شعرت بأن القاهرة تنشط في ملفات إقليمية حساسة كالسودان أو ليبيا أو غزة، وهي ساحات تعتبرها أديس أبابا مساحات مناسبة للمناورة السياسية واستثمارها لتخفيف الضغوط المتزايدة على ملف سد النهضة.
وتكتسب التطورات الأخيرة بعدًا إضافيًا يتعلق بما تسميه دوائر سياسية في مصر "العامل الإسرائيلي"، إذ لم يكن الاتصال الهاتفي الأخير مجرد لقاء بروتوكولي، بل حمل إشارات واضحة إلى مستوى تعاون أمني متقدم، في لحظة تبذل فيها إسرائيل جهودًا لإعادة تثبيت حضورها في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر بعد الهزات التي أحدثتها حرب غزة وتغير موازين القوى في السودان وإريتريا واليمن.
وترى مصادر دبلوماسية عربية أن إسرائيل تستفيد من هشاشة الإقليم ومحاولات إثيوبيا تعزيز موقعها الإقليمي لإرسال رسائل استراتيجية إلى القاهرة، مستندة إلى شراكات جديدة تسعى من خلالها إلى بناء شبكة نفوذ تحاصر الدور المصري من الجنوب، بما ينسجم مع محاولاتها القديمة لخلق موازين قوى بديلة في بيئة متغيرة.
وفي هذا السياق، اعتبر باحثون أن الاتصالات السياسية والأمنية المتسارعة بين إسرائيل وإثيوبيا تعكس خريطة جديدة للتحالفات التي برزت بعد حرب غزة وتداعيات ملف سد النهضة، مؤكدة أن طبيعة العلاقات بين الجانبين ذات جذور استراتيجية وليست وليدة اللحظة وأن إسرائيل تعمل منذ سنوات على توسيع نفوذها في القرن الأفريقي عبر تعاون أمني واستخباراتي يجعل منها شريكًا مفضلاً للعديد من الدول الأفريقية، بعد أن نجحت في تقديم نفسها كطرف قادر على دعم الأنظمة في ملفات مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني وإدارة الحدود، وهو ما يمنحها فرصًا لكسر جزء من عزلتها الإقليمية.
كما يشكّل سد النهضة أحد أهم أوراق التقارب بين تل أبيب وأديس أبابا، سواء عبر الدعم التقني والخبرات أو من خلال استثمارات تمنح المشروع غطاءً سياسيًا في مواجهة مصر والسودان، مشددة على أن السد يحمل طابعًا سياسيًا بالدرجة الأولى، وأن أطرافًا إقليمية، في مقدمتها إسرائيل، تستخدمه كورقة ضغط حيوية في معادلات المنطقة، ما يجعل التصعيد الإثيوبي الأخير جزءًا من لعبة توازنات أوسع تتجاوز مجرد السجال بين القاهرة وأديس أبابا.






