من 15 تموز إلى 11 تموز

08:3915/07/2025, الثلاثاء
تحديث: 15/07/2025, الثلاثاء
آيدن أونال

يصادف اليوم الذكرى السنوية التاسعة لمحاولة الانقلاب الدموية الفاشلة التي نفذها تنظيم "غولن" الإرهابي في 15 تموز/يوليو. هذه الذكرى تُعيد إلى الأذهان مسار التنظيم الإرهابي، فقد ظهر في سبعينيات القرن الماضي، واشتد عوده بعد انقلاب 12 أيلول/سبتمبر، حيث نجح في التغلغل بشكل خفيّ داخل أبرز مؤسسات الدولة التركية، وخاصة القوات المسلحة والشرطة والقضاء والمخابرات، ليؤسس بذلك كيانًا موازياً للدولة. وعلى مدى عقود، لم يتمكن رؤساء الجمهورية السابقون؛ كنعان أكبولوت، وتورغوت أوزال، وسليمان دميريل وأحمد نجدت سيزر

يصادف اليوم الذكرى السنوية التاسعة لمحاولة الانقلاب الدموية الفاشلة التي نفذها تنظيم "غولن" الإرهابي في 15 تموز/يوليو.

هذه الذكرى تُعيد إلى الأذهان مسار التنظيم الإرهابي، فقد ظهر في سبعينيات القرن الماضي، واشتد عوده بعد انقلاب 12 أيلول/سبتمبر، حيث نجح في التغلغل بشكل خفيّ داخل أبرز مؤسسات الدولة التركية، وخاصة القوات المسلحة والشرطة والقضاء والمخابرات، ليؤسس بذلك كيانًا موازياً للدولة. وعلى مدى عقود، لم يتمكن رؤساء الجمهورية السابقون؛ كنعان أكبولوت، وتورغوت أوزال، وسليمان دميريل وأحمد نجدت سيزر وعبدالله غول، من مواجهته، وكذلك رؤساء الوزراء أمثال يلدريم أكبولوت، ومسعود يلماز، وتانسو تشيلر، ونجم الدين أربكان، وبولنت أجاويد. وحده الرئيس رجب طيب أردوغان، هو من وقف في وجه هذا التنظيم الذي يبلغ عمره نصف قرن، وخاض ضده معركة ضارية، وتعرّض لمحاولات انقلاب مباشر من قِبله، لكنه في النهاية نجح في دحره، والقضاء عليه، ومحو أثره من صفحات التاريخ.

وقبيل حلول الذكرى التاسعة لـ 15 يوليو، وتحديدا في 11 يوليو 2025، أعلن تنظيم انفصالي آخر، نشأ كذلك في سبعينيات القرن الماضي، وهو "بي كي كي" الإرهابي، عن حلّ نفسه وتسليم سلاحه، بعد أن تسبب في مقتل أكثر من عشرة آلاف من رجال الأمن وخمسين ألف مواطن، وتسبب في زعزعة استقرار البلاد لعقود، وتكبيد الاقتصاد خسائر فادحة تقدّر بتريليونات الدولارات، كل ذلك نتيجة سياسات المواجهة الخاطئة التي أدت إلى نموه بشكل متزايد.

لقد نجحت تركيا بعد أن دفعت أثمانًا باهظة على مدى نصف قرن، في التخلص من تنظيمين إرهابيين كبيرين، ومن آفتين عظيمتين.

إن أوجه التشابه بين التنظيمين، والأهم من ذلك المصير النهائي الذي آلا إليه، يكشف بما لا يدع مجالاً للشك أنهما لم يكونا سوى أدوات تنفيذية بيد جهات خارجية. فقد عاش زعيم "غولن" الإرهابي، فتح الله غولن، في مقره الإرهابي بالولايات المتحدة محاطًا بالحماية والرعاية والدعم واستُخدم كأداة حتى هلك هناك وتهاوى إلى قاع الجحيم. وبالمثل، فقد حظي تنظيم "بي كي كي" بحصانة أمريكية مكّنته من العمل لسنوات في شمال العراق، بينما أصبح ذراعه السوري "بي واي دي" حليفًا رسميًا للولايات المتحدة في سوريا.

إن الموقف الحازم والشجاع للرئيس أردوغان، والنضال الذي خاضه واضعًا روحه على كفه ـ كما عبر عن ذلك ـ قد تكلل بالانتصار أخيرًا، فمُحي هذان التنظيمان العميلان من التاريخ، وها هما يُمحَيان من ذاكرة الأمة.

إن تصفية تنظيم غولن الإرهابي عززت قوة تركيا، لا سيما في مكافحة الإرهاب، ومكنتها من أن تكون أكثر فاعلية في القضايا الإقليمية. فعلى سبيل المثال، نجحت الثورة السورية بفضل جهود القوات المسلحة التركية وجهاز الاستخبارت التركية بعد التخلص من فيروس "غولن" والآن، مع تصفية تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ستزداد قوة تركيا أكثر؛ وستبدأ حقبة جديدة في الاقتصاد والسياسة الداخلية والخارجية. إن أجواء السلام والاستقرار التي ستنشأ داخل البلاد ستدفع تركيا إلى مستويات أعلى.

نحن متفائلون، لكننا في ذات الوقت حذرون، فما دام الوضع القائم مستمراً في هذه المنطقة، فلن يزول خطر الانقلابات والإرهاب. لقد تم القضاء على تنظيمي "بي كي كي" و"غولن" الإرهابيين، لكن خطر إحيائهما أو ظهور تنظيمات جديدة لا يزال قائما. صحيح أن محاولة انقلاب 15 يوليو قد أُحبطت، وحُكم على الجناة بالسجن المؤبد، لكن خطر حدوث انقلاب جديد سيظل قائماً.

وفي تصريح أثار الكثير من الجدل مؤخرًا، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال: "أنا أعلم متى أدعو الناس إلى الشارع فلا تدفعني إلى دعوة هذا الشعب للنزول. حينها ستشاهدون ما سيحدث كما شاهدتم ما جرى في ميدان مصر." هذه الكلمات الصادمة، في الحقيقة، تنسجم انسجامًا تامًا مع أفكار وسياسة حزب الشعب الجمهوري على مدى 102 عام. كما أنها تدل على توجهاته الراسخة داخل الحزب لأكثر من قرن.

ومن المفيد أن نتذكر أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى أعادت رسم خريطة ما تبقى من الدولة العثمانية بما يخدم مصالحها، وزرعت الكيان الإسرائيلي في قلب هذه المنطقة ليكون بمثابة شرطي لها. ففي منطقتنا لا تُتاح فرصة لتطبيق أي خطة أو فكرة أو مشروع يعارض هذه المنظومة الغربية، بل يُجهض حتى قبل أن يولد. وحتى الأنظمة القائمة تدار ضمن حدود هذه المنظومة، فعلى سبيل المثال لا يجرؤ حكام العرب الديكتاتوريون على اتخاذ موقف، أو حتى التفكير بصمت تجاه ما يجري في غزة، خشية أن يفقدوا مناصبهم.

وكذلك تركيا أُسست بما ينسجم مع هذه المنظومة الغربية، ولطالما كان حزب الشعب الجمهوري خلال 102 عامًا حارسا لهذا المخطط، سواء عبر حكمه من خلال حكومة الحزب الواحد، أو عبر تحكمه في مؤسسات الدولة بوسائل الوصاية. ولسنا في معرض اتهامه بالخيانة، ولكن من المؤكد أنه سمح للخوف بأن يتحول إلى سياسة ثابتة. ولهذا السبب، كان حزب الشعب الجمهوري دائمًا شريكًا في كل انقلاب، ووقف خلف كل مؤامرة، وتعاون مع التنظيمات الإرهابية، بل أصبح الممثل السياسي لتنظيم "غولن" الإرهابي بعد 15 يوليو.

وحين يلوّح أوزغور أوزال بمصير مصر ويلمح إلى مقارنة أردوغان بمرسي، فهو لا يخرج عن سياسة الحزب التي تعود إلى 102 عام، إذ يسبق القوى الصليبية والإسرائيلية في إطلاق التهديدات لتركيا والرئيس أردوغان، ويتحدث باسمهم قبل أن يفعلوا.

إن كل انقلاب شهدته تركيا، وكل هجوم إرهابي ضرب أرضها، لم يكن سوى تنفيذ لمخطط صليبي صهيوني، وللأسف لطالما وجد منفذوه دعمًا داخليًا، منسجمًا مع هذا المشروع.

وبما أن المشروع الصهيوني والصليبي لا يزال قائمًا، فإن التهديدات تجاه تركيا ستبقى كذلك. ستظل هناك محاولات للانقلاب، وللإرهاب، ومحاولات للتأثير على إرادة الناخبين من خلال المليارات من الأموال القذرة التي جُمعت من الفساد.

ولأكثر من 23 عاماً، يناضل الرئيس أردوغان لإحباط هذا المخطط، والبحث عن سبيل خلاصٍ لتركيا من طوقها الخانق. يسير بصبر وحذر وثبات دون تهوّر، ولكنه لا يتحرك بدافع الخوف أيضًا. يفتح مسارات وأبوابا جديدة أمام تركيا.

لقد تم دحر محاولة انقلاب الفاشلة في 15 تموز، وانتهى إرهاب تنظيم "غولن"، واليوم يوشك إرهاب تنظيم "بي كي كي" على الانتهاء. إنّه انتصار كبير لتركيا. ووفقًا لتعبير الرئيس أردوغان: يعاد اليوم تشكيل "تحالف القدس" الذي يجمع بين الأتراك والأكراد والعرب. وتُبنى اليوم تركيا جديدة، مختلفة عما كانت عليه سابقا. ولكن في هذه المنطقة لا مجال للتهاون أو الراحة. علينا أن نظل يقظين دائما، تجاه كل من يترصد لنا داخليًا وخارجيًا، ولا بد أن نكون مستعدين دومًا لأي تدخل يستهدف بلادنا، سواء عبر الإرهاب أو الانقلابات أو التلاعب بالانتخابات.

رحم الله شهداء 15 تموز وشهداء معركة الوطن ضد الإرهاب، فهم الذين سطروا بدمائهم خريطة الأمان لتركيا اليوم. وتركيا الخالية من الإرهاب هي ثمرة تضحياتهم. نسأل الله أن يتقبلهم ويجزيهم عن الأمة خير الجزاء.


#15 تموز
#11 تموز
#محاولة الانقلاب الفاشلة
#تركيا
#تنظيم غولن
#بي كي كي
#الإرهاب
#حزب الشعب الجمهوري