رفع إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، راية التحدّي في وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعلن تمرّده عليه عبر استفتاء نظّمه على منصّته «X». وجّه ماسك سؤالًا مباشرًا: «هل حان الوقت حقًا لتأسيس حزب سياسي جديد في أمريكا يُمثّل الـ80% الذين يقفون في الوسط، بين الحزبين؟» فجاءت الإجابة لافتة: 80.4% من المشاركين قالوا «نعم». أمّا تعليق ماسك على نتيجة الاستفتاء فكان:«الشعب قال كلمته. أمريكا بحاجة إلى حزب جديد يُمثّل الـ80% الذين يقفون في الوسط، بين الحزبين. وها هم الناس بنسبة 80% متفقون معي. إنّه القدر.»
وأعلن ماسك عن اسم الحزب المقترح: «حزب أمريكا». لكن من الواضح أنّ هذه التصريحات لا تعني بالضرورة أنّه سيُنشئ الحزب فعلًا؛ بل تبدو كمحاولة لـ«جسّ نبض» الرأي العام.
وبالنظر إلى أنّ ماسك، وهو أغنى شخص في العالم، أنفق في انتخابات 2024 نحو 300 مليون دولار لصالح الجمهوريين ــ وهو رقم يفوق أي تبرّع من ملياردير آخر ــ فإنّ الأرجح أنّ مساهماته المالية كان لها دور كبير في فوز ترامب. وإذا أخذنا بالاعتبار أنّ الانتخابات الأمريكية ــ وبالتالي ما يسمّى بـ«الديمقراطية الأمريكية» ــ تدور في فلك «المال الكبير»، فإنّ ماسك قد يصبح بحقّ «لاعبًا مُغيّرًا لقواعد اللعبة».
ولا يُستبعَد أن يمدّ ماسك جسور المصالحة مع ترامب من جديد، فهو معروف ببراغماتيته. ولفتت تحرّكاته الأخيرة الأنظار إلى تشابهها مع تجربة الملياردير «روس بيرو» الذي خاض انتخابات 1992 كمرشّح مستقل. يومها كانت المنافسة بين الرئيس جورج بوش الأب والمرشّح الديمقراطي بيل كلينتون، لكن بيرو تصدّر استطلاعات الرأي لفترة، قبل أن يفوز كلينتون في النهاية، بينما حصد بيرو نحو 19% من الأصوات، وهي أعلى نسبة يحصل عليها مرشّح مستقل في تاريخ الانتخابات الأمريكية. ومع ذلك، لم يحظ بيرو بأي تمثيل في «المجمع الانتخابي» لعدم تحقيقه أغلبية الأصوات في أي ولاية. وما يزال يُناقَش حتى اليوم ما إذا كانت أصوات بيرو قد منعت بوش الأب من الفوز بولاية ثانية.
ونظرًا إلى حالة الاستقطاب في أمريكا، فإنّ النظام الانتخابي يعمل فعليًا كنظام ثنائي الحزبين، ما يجعل فوز طرف ثالث أو مرشح مستقل أمرًا نظريًا فقط، دون أن يتحقّق فعليًا حتى الآن. ومع ذلك، توجد في أمريكا العديد من الأحزاب الصغيرة التي إما تُقدّم مرشّحين خاصّين بها أو تدعم أحد مرشّحي الحزبين الكبيرين.
وقد غرّدت «أنجيلا ماك أردل» الرئيسة السابقة لـ«الحزب الليبرتاري» عبر حسابها في «X» قائلة إنّ ماسك يمكنه «السيطرة على الحزب بسهولة»، وكأنها تقول له: «لا داعي لتأسيس حزب جديد، فحزبك جاهز أصلًا». ويُذكر أنّ بيرو أسّس «حزب الإصلاح» عام 1995 بعد أن نال نسبة 19% في 1992، لكنه حين خاض الانتخابات مجددًا عام 1996 لم يحصد سوى نحو 8% من الأصوات. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ ماسك حتى لو أسّس حزبًا، فلن يكون بمقدوره الترشّح لمنصب الرئيس أو نائب الرئيس لأنه لم يُولد في الولايات المتحدة.
هناك ظاهرة لافتة تتكرّر في كل انتخابات تقريبًا وقد تصبّ في مصلحة ماسك: ففي انتخابات 2024 لم يُدلِ نحو 90 مليون ناخب بأصواتهم، أي ما يُعادل حوالي 36% من الأمريكيين الذين يحقّ لهم التصويت. وفي انتخابات 2020 مثلًا، كان نحو 40% من الممتنعين عن التصويت دون سن الثلاثين، مقابل 10% فقط من الذين أدلوا بأصواتهم. عمليًا، يُمثّل غير المصوّتين «الحزب الأكبر» في أمريكا؛ إذ لم يقلّ عددهم عن 81 مليونًا في آخر أربع دورات انتخابية.
ويعتقد معظم هؤلاء أنّ الحزبين الكبيرين مجرّد وجهين لعملة واحدة، وأنّ أصواتهم لن تغيّر مصيرهم. ورغم حملات الديمقراطيين المكثّفة لحشد هذه الكتلة الصامتة، إلا أنّ قناعاتهم لم تتغيّر كثيرًا. ومع ذلك، فإنّ السياسة فنّ الإقناع، ودائمًا هناك احتمال لحدوث ما لم يكن في الحسبان. فهل ينجح ماسك؟ يبقى الأمر محلّ شك.
في أمريكا، حيث تتقارب نسب التصويت عادةً بين الديمقراطيين والجمهوريين عند نحو 48% مقابل 48%، يتركّز الصراع فعليًا على الـ4% المتبقّين. فأصغر الهوامش كفيلة بترجيح كفّة مرشح وخسارة آخر، لا سيّما في «الولايات المتأرجحة» التي حُسمت في انتخابات 2024 بفروقات ضئيلة للغاية وصلت في بعض الأحيان إلى بضعة آلاف من الأصوات، وقد كان لهذا أثر مباشر في خسارة كامالا هاريس مثلًا.
وبينما يُعدّ ماسك «قزمًا سياسيًا» مقارنةً بترامب، فهو في المقابل عملاق مالٍ وتقنية، وقد لا يتردّد في المضيّ قُدمًا بفكرة تأسيس حزب. وحتى إن لم يفعل، فإنّه يمتلك من القدرة المالية ما يجعله قادرًا على إرباك الحزبين التقليديين والإضرار بهما. هكذا، قد لا يكون ماسك «بانٍ» لبديل سياسي بقدر ما قد يصبح «مُربكًا» للمشهد و«مُحرّكًا» له في مسارات لم يتوقعها أحد.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة