
تنتهي المهلة الممنوحة لتنظيم واي بي جي (قسد) غدًا. وابتداءً من 1 كانون الثاني سيصبح التدخل العسكري ضدّ «بي كي كي السوري» أمرًا لا مفرّ منه، لأن التنظيم لم يطبّق أيًّا من بنود الاتفاق. لقد قرابة عامٍ كامل وهو يماطل سوريا وتركيا، ويلعب على عامل الوقت، وقد نجح بذلك. قالت له إسرائيل: “لا تفعل”، فلم يفعل.
وكما كان متوقّعًا، جرى خلط الأوراق في سوريا قبيل 1 كانون الثاني. فقد تصاعدت فجأة هجمات تنظيم داعش، وأُعيد دفعه إلى الميدان. أولًا استُهدفت قوات أمريكية، ثم شهدت سوريا عمومًا حركة مكثّفة لداعش.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ جرى قبل أيام تحريك كوادر حزب البعث ذات الهوية «العلوية» المرتبطة بالأسديين القدامى. وقعت اشتباكات في اللاذقية ومحيطها، وجرت محاولات تمرّد.
لم يتوقف الأمر هنا أيضًا؛ بل جرى تحريك داعش داخل تركيا. فجر أمس تحوّلت عملية مكافحة داعش في يالوفا إلى اشتباك مسلح. صحيح أنّ العمليات داخل تركيا كانت متواصلة، لكن مع اقتراب انتهاء المهلة الممنوحة لـ«واي بي جي» في سوريا، جرى تفعيل الخلايا داخل تركيا كذلك.
هذا يعني الآتي: ما إن تبدأ سوريا وتركيا عمليةً ضد «واي بي جي» حتى تُطلق عواصف الإرهاب في المنطقة كلها. كان مخطّطًا تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة داخل تركيا. وكان سيجري الكشف حتى عن شاحنات محمّلة بالأسلحة ضمن سلسلة هجمات متتابعة. فبينما تخوض تركيا عمليات في سوريا، ستُضرَب من الداخل.
إن معادلة «واي بي جي – داعش» لعبة وُضعت ضد تركيا، واستُخدمت منذ زمن طويل. في الظاهر «واي بي جي» ضد داعش، لكن الغريب أنّ كل هجمات داعش تقوّي يد «واي بي جي».
وشعار «نحن نحارب داعش» ظلّ يُستخدم من الوحدات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط بوصفه ابتزازًا وعملية ذهنية تُدار إعلاميًا — واليوم يُعاد استخدامه مرة أخرى.
داعش هو «واي بي جي»، وهو فخّ نصبته الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لتركيا وسوريا. كلما ضاق الخناق على «واي بي جي» تدخّل داعش وفتح له المجال.
وكلما ضاق الخناق على إسرائيل، تدخّل داعش لتخفيف الضغط عنها، ثم يتحرك «واي بي جي» بدوره ليسهّل لها الطريق. الأسماء مختلفة، لكن الإرهاب من مصدرٍ واحد. الراعي هو نفسه، والهدف هو نفسه.
إن بنية التنظيمات الإرهابية في تركيا والمنطقة، وأساليب تحركها، وتصميم مشهد الإرهاب برمّته — كلها مُهيكلة وفق أولويات إسرائيل. فـ«واي بي جي» يعمل لمصلحة إسرائيل، وكذلك داعش. واليوم تتحرك حتى التنظيمات الأخرى الموجودة في سوريا — بحكم مواقعها — بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
لم يعد هناك ما يُسمّى «مكافحة الإرهاب». يجب التخلي فورًا عن هذه المصطلحات، وتصنيف المواجهة على أنها «حرب»، والتحرك على هذا الأساس. لأنّ من أمامنا ليسوا تنظيمات إرهابية بالمعنى التقليدي، بل قواتٌ مأجورة، وأذرعٌ مسلحة، وأدواتُ حرب غير مباشرة تنفّذ الأعمال القذرة لإسرائيل وشركائها الإقليميين.
الحرب انتشرت على رقعة جغرافية واسعة
وسنحمّل اليونان واليونانيين القبارصة مسؤولية إرهاب داعش وواي بي جي أيضًا.
لقد اتّسعت رقعة الصراع إلى درجة باتت تمتد من سوريا إلى العراق، ومن الصومال إلى قبرص الرومية، ومن السودان إلى اليمن. لقد أطلقت إسرائيل وشركاؤها الإرهابيون حربًا شرسة ضد تركيا وضد القوى الكبرى في المنطقة.
وفي الجغرافيا الممتدة من البحر الأحمر إلى المتوسط والخليج، باتت كل حركة إرهابية جبهةً من جبهات هذه الحرب، ومصدر كل هجوم هو المكان ذاته.
وبينما تُنشئ إسرائيل جبهةً ضد الوجود التركي في المتوسط وفي بحر إيجه بالتعاون مع قبرص الرومية واليونان، فإن هذه الجبهة تجمع التنظيمات الإرهابية تحت مظلتها.
ومن الآن فصاعدًا سنحمّل — في كل هجومٍ لـ«واي بي جي» أو داعش — اليونان وقبرص الرومية المسؤولية إلى جانب إسرائيل. وسنربط كلّ حركةٍ في محيطنا القريب — المتوسط، إيجه، البحر الأسود، الأناضول، سوريا — بهذه الحقيقة.
على نطاق أوسع، تتحرك إسرائيل والإمارات في كل الساحات ضد تركيا واستقرار المنطقة. فهجمات الإمارات في اليمن والسودان هي جزء من تخطيطٍ إسرائيلي.
وحيثما وُجدت الإمارات فالرئيس هو إسرائيل: هي تخطّط، والإمارات تنفّذ، وتنفّذ معها التنظيمات الإرهابية. ولهذا، فخلف كل حدثٍ يبدو إماراتيًا في السودان أو الصومال أو اليمن أو سوريا أو شرق المتوسط — تقف إسرائيل. وهكذا تصبح الإمارات، إلى جانب إسرائيل، في مركز الحركة الإرهابية الإقليمية.
قبل أيام أعلنت إسرائيل اعترافها بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة. وقد اختارت هذه المنطقة على سواحل البحر الأحمر — عند أهم ممر مائي في العالم، باب المندب — قاعدةً رئيسية لها.
وهي تفعل ذلك بالتعاون مع الإمارات. وهناك مشروع خريطة تمتد من منطقة أرض الصومال إلى جنوب السودان ثم وسط إفريقيا.
وقد أدان العالم العربي كله وتركيا هذا الإجراء بشدة. أما نتنياهو — الموجود الآن في الولايات المتحدة — فسيحاول على الأرجح إقناع ترامب بهذا المشروع.
إن الأطروحات الإسرائيلية ـ الإماراتية، المهيّأة لتقسيم دول المنطقة، تُنذر بصراع داخلي واسع داخل الجغرافيا — وهم يسعون فعلاً لفرضه.
ثلاث دول يجب أن تتحرك داخليًا:
يجب حشد قوات إلى أرض الصومال واليمن والسودان.
ما يجب فعله هو التالي:
على تركيا والسعودية ومصر وقطر، ومعها دول موثوقة أخرى، أن توقف الحرب الأهلية في السودان، وأن تدعم الحكومة هناك لإفشال المشروع الإسرائيلي ـ الإماراتي، وحتى إرسال قوات إذا لزم الأمر.
وعلى الدول نفسها أن توقف الحرب في اليمن. وبعد انحسار النفوذ الإيراني، لا يجوز السماح لإسرائيل والإمارات بالسيطرة على محيط البحر الأحمر في اليمن. وعلى ثلاث دول أن ترسل قوات مشتركة إلى اليمن لتفكيك القوى الموالية للإمارات.
كما ينبغي لهذه الدول — ومعها بلدان إفريقيا المحيطة بالبحر الأحمر والعالم العربي عامة — أن تحشد قوة عسكرية مشتركة إلى الصومال لإفشال مشروع «أرض الصومال»، وإسقاط الإدارة القائمة هناك فورًا.
إذا نجح مشروع اليمن ـ أرض الصومال للدولتين، فسيخنقون شريان الجغرافيا. حين قلنا: «الجغرافيا سلاح»، كنا نقصد خريطتنا التي نمتلكها، لكن هاتين الدولتين بدأتا تستخدمان الخريطة نفسها ضدّنا.
يجب على السعودية أن تدرك أن ما يجري في اليمن والسودان وأرض الصومال يهدف إلى تطويقها. فبعدما حاولت إيران فعل ذلك، تقوم به الآن إسرائيل والإمارات معًا.
إن نجحوا، سيمسكون بالبحر الأحمر ومخرج المحيط. وإن نجحوا، سيضعون مكة والمدينة تحت طوق.
تستعد إسرائيل والإمارات — عبر الحرب الأهلية في السودان والاحتلالات في اليمن ومخطط صوماليلاند — لضرب مشروع تركيا في الصومال ووسط إفريقيا.
إنهما يسعيان للسيطرة على ضفّتي البحر الأحمر معًا، ومنع مصر وتركيا من الوصول إلى المحيط الهندي، ومحاصرة مصر جنوبًا، وإفشال خطط تركيا في الصومال، وضرب النفوذ التركي المتنامي في دول إفريقيا الوسطى جميعها.
وعليه، يجب على الدول الثلاث أن تتحرك فورًا، وتتدخل عسكريًا في المناطق الثلاث، وتتجاوز السلوكيات التقليدية، وتجرب أساليب مفاجئة تكسر المعادلات — لأن الدول والتنظيمات المقابلة تستخدم هجمات مفاجئة.
أثناء كتابة هذا المقال، كان ثلاثة من شرطة تركيا قد ارتقوا شهداء في عملية داعش في يالوفا، بينما قُتل ستة من عناصر التنظيم، والعملية مستمرة. كانت الانفجارات تتوالى في دمشق. الذين تحركوا في سوريا وتركيا معًا، والذين تحركوا حول البحر الأحمر، سيحاولون فعل شيء ما غدًا في إيجه والمتوسط.
المنطقة كلها اليوم تبدو كأنها على بُعد يوم واحد من الحرب. وقد يحدث أي طارئ في أي لحظة وأي مكان. على تركيا أن تنتقل إلى وضع استثنائي، وأن تُنذر دول المنطقة وتحفّزها للتحرك.
حتى التأخر يومًا واحدًا قد يؤدي إلى نتائج يصعب تداركها. وعلى مصر والسعودية خصوصًا أن تفهما الخريطة الحالية جيدًا، وأن تُصغيا لتركيا.
لم يكتفوا بتحريك داعش في سوريا، بل حرّكوه داخل تركيا أيضًا — فقط لمنع العملية على «واي بي جي». واللاعبون هم إسرائيل والإمارات.
أيًّا كانت لغة الدبلوماسية، علينا أن نكشف الحقائق بوضوح بلغة غير رسمية. يجب توعية الرأي العام وتجهيزه لما قد يحدث.
حتى ما وقع في يالوفا وحده يُعدّ مبررًا للعملية ضد واي بي جي. فوجود مثل هذا الكيان جنوب تركيا — بينما يُعرف أنه يتحرك مباشرة بتوجيهات إسرائيل — يعني الانتحار بالنسبة لمستقبل البلاد إذا جرى التسامح معه.
لم يعد لهذه التطورات أي صلة بقضية الأكراد. فهذه كلها «قتلة مأجورون» جرى استخدامهم ضد أبناء الجغرافيا منذ الحرب العالمية الأولى من قِبل القوى التي تهيمن عليها.
داعش يضرب من الداخل — وهم يربكون الداخل — وكلهم من أجل إسرائيل وواي بي جي.
لم يعد ممكنًا التغاضي عن خطط «أَرهِبْ سوريا وأربكْ تركيا». ولا عن الحسابات الخفية لمن يروّجون هذه السياسة من الداخل. يجب سحب القوة من أيدي الدوائر التي تريد شلّ البلاد من الداخل، وتنظيف قنوات السلطة من نفوذهم.
داعش يضرب من الداخل، وهم يعرقلون من الداخل. كلاهما يؤدي الدور ذاته. كلاهما يقوّي يد «واي بي جي» وإسرائيل.
دعونا نقولها بوضوح: مشروع «واي بي جي» سيفشل. ستتوحد سوريا، وستنشأ خريطة قوة مشتركة بين تركيا وسوريا، ولن يبقى أي تهديد قائمًا جنوب تركيا.
سوف — لا محالة — تُقطع يد إسرائيل عبر «واي بي جي»، وستُقطع يد إسرائيل والإمارات عبر داعش، ولن يُسمح لهما بالسيطرة على بوابة المحيط عبر أرض الصومال. لن يستطيع أحد حبس تركيا في المتوسط.
هذا ليس خطابًا حماسيًا أو أمنيات، بل حقيقة تقولها معادلات القوة العالمية. لقد تغيّر مجرى التاريخ مرة، ولن يتغير مرة أخرى. إن خريطة القوة في القرن الحادي والعشرين لن تكون كما يريدون. نحن سنرسم هذه الخريطة، والقوى الجديدة في المنطقة ستشارك في رسمها.
من الذين يعملون داخل تركيا لصالح إسرائيل و«واي بي جي»؟
من الذين يعملون داخل تركيا لصالح «واي بي جي»؟
من الذين يعملون داخل تركيا لصالح داعش؟
من الذين — عبر هذين التنظيمين — يعملون لصالح الحسابات الإقليمية لإسرائيل والإمارات؟
من الذين يُربكون الداخل ويكسبون الوقت لـ«واي بي جي»؟
لم يعد لأي سيناريو يُسوّق عبر «واي بي جي» وداعش أي قيمة. ولم يعد هناك صبر على أي تخطيط يضع إسرائيل في الأولوية. لقد تجاوزت سيناريوهات التفتيت التي تقودها الشراكة الإسرائيلية ـ الإماراتية حدودَ التحمّل بالنسبة لتركيا والمنطقة.
هذا “الدولة القبلية” وشركاؤها الإرهابيون سيُسحقون في مجرى التاريخ الكبير.
تتحرك تركيا على كل الجبهات بحيوية غير مسبوقة. وكما فعلت من قبل في سوريا وليبيا وقره باغ، فإنها ستفعل أكثر من ذلك بكثير.
وصدّقوا — إن هذه «الدولة القبلية» المسماة إسرائيل، ومع جيشها القبلي وشركائها الإرهابيين — لن يحققوا شيئًا. وسنرى الأيام التي يسقط فيها الذين وثقوا بها عن أجنحة طائراتهم. سيُسحقون داخل التاريخ الكبير وينتهون.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة