"القلب النابض".. حيث يلتقي الشرق بالغرب

08:167/09/2025, الأحد
تحديث: 7/09/2025, الأحد
نيدرت إيرسانال

لفهم المشهد يكفي أن نضع الصورتين جنبًا إلى جنب، وأن نُقابل إحداهما بالأخرى. الصورة الأولى: نرى فيها الرئيس الأمريكي ترامب يجمع القادة الأوروبيين أمام المكتب البيضاوي، والصورة الثانية: نرى فيها قمة شنغهاي، والاحتفالات التي تلتها، حيث يرقص قادة الهند وروسيا والصين على السجادة الحمراء. ماذا تخبرنا هاتان الصورتان عن بعضهما البعض؟ وماذا تقول كل صورة عن المشهد الجيوسياسي؟ إنها تلخص بفعالية الوضع الحالي في العالم. لقد أسهبنا كثيرًا في الحديث عن طبيعة العلاقات الأمريكية-الأوروبية، وأوضحنا حجم التصدع العميق

لفهم المشهد يكفي أن نضع الصورتين جنبًا إلى جنب، وأن نُقابل إحداهما بالأخرى.

الصورة الأولى: نرى فيها الرئيس الأمريكي ترامب يجمع القادة الأوروبيين أمام المكتب البيضاوي، والصورة الثانية: نرى فيها قمة شنغهاي، والاحتفالات التي تلتها، حيث يرقص قادة الهند وروسيا والصين على السجادة الحمراء.

ماذا تخبرنا هاتان الصورتان عن بعضهما البعض؟ وماذا تقول كل صورة عن المشهد الجيوسياسي؟ إنها تلخص بفعالية الوضع الحالي في العالم.

لقد أسهبنا كثيرًا في الحديث عن طبيعة العلاقات الأمريكية-الأوروبية، وأوضحنا حجم التصدع العميق بين الطرفين، ونحن نقيّم الأحداث بناءً على هذا الانقسام.

ولكن دعونا نُضيف خبرًا حديثًا ومهمًا لتحديث الصورة: "بحسب مسؤولين رفيعي المستوى في البيت الأبيض، يحاول بعض القادة الأوروبيين تقويض مبادرات السلام الأوكرانية التي تطورت خلف الكواليس منذ قمة ألاسكا" (أكسيوس، 30/08).

هذا الخبر ليس جديدًا، ولا مفاجئًا بالنسبة لنا، فنحن على دراية بـ "الخونة" الذين عملوا على إفشال مفاوضات إسطنبول. ويبدو أنهم ما زالوا يواصلون أعمالهم التخريبية في البيت الأبيض ويحاولون عرقلة ترامب. لقد تحدثنا بالفعل عن هذه الدول. هذا هو حال الغرب.

أما عن الشرق، فالأمر أكثر تعقيدًا، ولكن يمكننا أن نرى صورة أوضح.

أولاً، العلاقة بين روسيا والهند لم تكن سيئة في الأساس، لكنها ارتقت الآن إلى مستوى أفضل.وهذا ما تجمع عليه معظم المصادر الروسية والهندية والصينية، بل حتى الخبراء الأمريكيون لا يعترضون على هذا التقييم. أما الأسباب فقد عرضناها بإسهاب في مقالات سابقة.

وللأسف، عندنا تُصنف العلاقات الصينية-الروسية والهندية-الصينية بتوصيفات سطحية وبصورة عامة. أما هم فينظرون إليها بشكل مختلف…

علاقة بكين ونيودلهي "تُعاد تجربتها"، لكنها ليست بداية جديدة تمامًا، فهناك خلافات حديثة لم تُحل بعد. لكن ما هو وزنها الفعلي؟ يشككون في إمكانية تحقيق تقدم ملموس. فعلى سبيل المثال، يتساءلون: "إذا زار ترامب الهند، كيف ستكون العلاقات؟" ربما سيكون هناك استقبال وحفاوةٌ بالغة، وحتى توقيع اتفاقيات. لكن بعد أسبوع أو أسبوعين، ستعود الحقيقة إلى الظهور. هل ستقطع الهند علاقاتها مع روسيا؟ وهل يمكنها تقبل الصيغة الجديدة للعلاقات الباكستانية الأمريكية، التي هي عكس ما كانت عليه في عهد بايدن؟ هل تريد العودة إلى ساحة الصراع مع الصين؟ وهل ستدفع الضرائب التي فرضتها واشنطن دون تذمر؟

بالتأكيد، لا تنتهي الأمور بدعوة شي جين إلى أن يلتقي التنين والفيل معا. وبالطبع فإن السلوك الدافئ الذي أبداه رئيس الوزراء مودي تجاه بوتين وجين بينغ يحمل في طياته رغبةً في "إثارة غيرة" ترامب. لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن العلاقة بين البلدين شهدت تقدمًا وتقاربًا هائلًا مقارنة بالفترة السابقة. سنرى ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل، هذا موضوع آخر، ولكن هذا هو الوضع الحالي.


دعونا نوضح الأمر أكثر.

في تقييمنا المحلي، غالبًا ما يتم وصف العلاقات بين البلدين بناءً على الخلاف الحدودي بينهما. ومع ذلك، فإن العلاقات بين دولتين كبيرتين مثل الهند والصين تتأثر أكثر بالديناميات الإقليمية والعالمية. أم ينبغي أن نسأل: هل يمكن حقًا تعريف العلاقات بين دولتين بهذا الحجم بمجرد قضية حدودية؟

على سبيل المثال، يسعى كلا البلدين لمعرفة الإمكانات التي يمكن أن توفرها علاقاتهما التجارية! فهل يمكن التقليل من شأن التعاون الاقتصادي المحتمل بين الصين والهند وتأثيراته؟ على العكس، صرح وزير الخارجية الهندي قائلاً: "علينا أن نرى كيف ستتطور الأمور".

ويتبع ذلك سؤال لا بد من طرحه: ألن يُسهم تعاون هذين البلدين في الاقتصاد والتجارة العالمية في تحقيق الاستقرار العالمي مقارنةً بالتقلبات الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا؟ قد يعترض البعض على هذا الطرح، ولكن في النهاية، اتفق البلدان في شنغهاي على التحرك في هذا الاتجاه. والعنوان الرئيسي لهذا الاتفاق هو "شركاء تنمية لا منافسين". (كما اتفقا أيضًا على الحفاظ على السلام الحدودي وعدم انعكاس ذلك سلبًا على بقية العلاقات، وهم الآن بصدد إنشاء آلية جديدة.)

ولا يجب أن نغفل عن الأمثلة الأخرى، فهناك تحالف آخر وهو "QUAD" (كواد). فالهند، رغم كونها عضوًا في منظمة شنغهاي للتعاون، هي أيضًا جزء من هيكل أمني استراتيجي يضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان. ولا يخفى على أحد ضد من توجه هذه المنظمة، فـ QUAD منظمة صراعية بطبيعتها.

ولكن يرى الصينيون أن التعامل مع مثل هذه التحالفات يجب أن يكون أكثر واقعية، وأن الأفضل هو الاعتماد على الشراكات الاستراتيجية المربحة للجميع، بدلاً من اتباع الآخرين دون فهم حقيقي. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهناك مناقشات داخل الهند حول إمكانية الانفصال عن QUAD، وهو أمر صعب في الوقت الحالي، لكنه ليس مستحيلاً.


ماذا سيحدث بعد ذلك؟

إن احتمال تدهور العلاقات الروسية الهندية تحت ضغط الولايات المتحدة أو أوروبا ضعيف جداً. فالقمة التي عقدها مودي وبوتين "داخل السيارة" لم تكن أبداً حدثاً عابراً. وإذا تساءلتم: "كيف لنا أن نفهم ذلك؟"، فالجواب هو أننا سنتابع مسار النفط الروسي، فمستقبله في الهند هو ما يركز عليه الأمريكيون بشدة. أما عن مستقبل العلاقات بين الصين والهند، فإن الولايات المتحدة هي من ستخبرنا بذلك، وستكون للتوترات الأخيرة عواقب. أو قد يقوم ترامب بمناورة أخرى.

وخلاصة القول، إن الصورة التي قدمتها هذه الدول الثلاث الكبرى في قمة شنغهاي، رغم وجود صعوبات كبيرة، تضيف تغييرًا مهمًا على صعيد التوازنات العالمية. وهذا وحده كافٍ ليتناسب مع مفهوم "العالم متعدد الأقطاب".

أما عن تركيا؛ فقد حاولت في الصين دمج مبادرة "الحزام والطريق" مع "الممر الأوسط" والشبكات المرتبطة بتركيا. لكن هذه المناطق تقع أيضًا ضمن دائرة اهتمام الغرب. وقد رأينا مثالًا على ذلك في زنغيزور.

لطالما فضّلت أنقرة مجالات التنافس، فطبيعة واقعها الجيوسياسي يُشجعانها على ذلك. وبما أن موقعنا لن يتغير بغض النظر عمن ينتصر، فإننا نكسب نحن أيضًا. لكن هناك فرق مهم يجب الانتباه إليه الآن: هناك أطراف داخل أطراف، ومن يفوز فيها يهمنا. مثل إسرائيل أو بريطانيا، اللتين تُعتبران طرفين داخل المعسكر الغربي.




#الشرق
#الغرب
#تركيا
#أمريكا
#الهند
#الصين
#روسيا