لم تعد هذه مجرد حروب بالوكالة، بل أصبحت وظائفها "حروب تكفير". فالغرب، بعدما تحوّل اعترافه بالذنب إلى ما يشبه "الصليب المقلوب"، يبحث عن خلاصه في دماء الأطفال.
"كان أحسن الأزمان و كان أسوأ الأزمان، كان عصر الحكمة وكان عصر الحماقة، كان عهد الإيمان، وكان عهد الجحود، كان زمن النور، وكان زمن الظلمة، كان ربيع الأمل، وكان شتاء القنوط". كنا نملك كل شيء، ولم يكن لدينا شيء. كنّا جميعًا في طريقنا إمّا إلى الجنة أو الجانب الآخر تمامًا".
يجب ألا يعتبر النقاد الأدبيون أن استخدامي للجمل الافتتاحية الشهيرة لرواية "ديكنز" استسهالاً مني، فـ"مناسبتها" لسياق المقال ستتضح في ما سيأتي.
لا شك أن قصف إسرائيل لقطر شكَّل صدمة في دول الخليج، التي تدفع "جزية الحماية" للولايات المتحدة التي تحميها من نفسها أولاً.
لكن ثمّة فاعلًا جديدًا لا يستهدف الخطط الأمركية الإقليمية، بل يتحدى السياسية الحالية، وهذا الفاعل يحاول التشبث بالحياة، وهذا ما تفعله طائرات التزود بالوقود البريطانية التي كانت تحلق خلال الهجوم.
قد أبدو وكأنني أتحدث عن أمور لا علاقة لها ببعضها، ولكن الشبكة واسعة جدًا، ويكفي أن نفهم نقاط تقاطعها.
لقد صادف يوم الخميس ذكرى 11 سبتمبر. وفي مقابلة مع الصحفي تاكر كارلسون بهذه المناسبة، أعاد التأكيد على الظلّ الإسرائيلي الذي طالما أُشير إليه. وكاد أن يقول "هم من فعلوا ذلك"، لكنه اكتفى بالقول "هم من استفادوا منه".
وبعد أحداث 11 سبتمبر، طورت الإدارة الأمريكية والجيش استراتيجية دفاعية جديدة. كانت الرؤية ترتكز على الأمن العالمي. ورغم الصعوبات استمرت هذه الاستراتيجية حتى يومنا هذا، مع اعتبار الصين وروسيا تهديدين رئيسيين، بل أعداء. وقبل أسبوعين، صدرت مسودة تقرير جديد لاستراتيجية الدفاع الوطني، وقد تحول التركيز من «منع صعود قوة منافسة للولايات المتحدة» إلى إعطاء الأولوية للأمن الداخلي. انظر مقال أرغين يلدز أوغلو: "Nereden nereye" (من أين إلى أين) 9/11، صحيفة جمهوريت.
هذا أمر جدير بالملاحظة في وقت بدأت فيه واشنطن تُرسل وحدات عسكرية إلى الولايات، وتُغيَّر أنظمة الانتخابات وطرق التصويت. وحتى لو لم تنتبه أنت، فسيلفتون انتباهك. فمن الذي يبعث برسالة من خلال مقتل الناشط والمؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي تشارلي كيرك، وهو من مؤيدي ترامب، أمام ثلاثة آلاف شخص، وعدم القبض على القاتل، بل ووضع الأصفاد في أيدي أشخاص أبرياء في البداية؟
يمكن أن تعتبروا هذا مُثيرًا للسخرية، ولكن بينما كان يتحدث عن فضائل الأسلحة، قُتل تشارلي كيرك بسلاح. وكان خصومه يتهمونه بنشر نظريات المؤامرة. أليس من العدل أن يكتبوا على قبره: "لم تؤمنوا، فماذا حدث الآن؟"
هناك جريمة قتل أخرى يتحدث عنها الناس في أمريكا؛ فقد قُتلت إيرينا زاروتسكا طعنًا أثناء سفرها في القطار. لا أحد يعلم إن كانت هناك نظرية مؤامرة ستُنسج حول الحادثة، ولكن المفارقة واضحة؛ فقد جاءت إيرينا إلى الولايات المتحدة هربًا من الحرب في أوكرانيا، لتُقتل في البلد الذي أشعلها.
إن قراءة جريمة قتل تشارلي كيرك على أنها تجسيد آخر للفاعلين الخفيين الذين يقفون وراء هجوم قطر ولكن في جغرافيا مختلفة، تتطلب تدريبًا ذهنيًا مكثفًا. ولكن ماذا عن عزل رئيس الوزراء البريطاني للسفير الذي عينه في واشنطن في فبراير الماضي بسبب "صلته بقضية إبستين؟"
وقد ظهر مؤخرًا أنّ توني بلير، الذي زار البيت الأبيض مع صهره كوشنر لبحث مشروع "ريفييرا" في فلسطين، له أيضًا صلات بـ إبستين. هؤلاء جميعًا جزء من «خطط الأمن القومي الأولية».
لذلك يمكننا اعتبار ما يحدث في بولندا جزءًا من نفس الاستقطاب. من الذي يشجع وارسو على دعوة حلف الناتو لعقد اجتماع بموجب المادة 4 بعد انتهاك طائرات روسية بدون طيار لحدودها، ويسعى لتفعيل المادة الخامسة؟ إنهم ينقلون أربعين ألف جندي شمالًا، ويجتمع الناتو من أجل بضع طائرات بدون طيار بحجم صينية. وفي الوقت نفسه، يعلق الكرملين: «توقفت مفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا».
وماذا عن الصين؟ إنها تقول: "رحلات قطار الشحن بين الصين وأوروبا هي "المشروع الرائد" للتعاون الصيني البولندي. نأمل في ضمان أمنها".
إننا نسعى لوصف "الأوقات" التي نعيشها: تشهد إندونيسيا ونيبال وفنزويلا وبوليفيا وفرنسا اضطرابات متتالية، بينما يظل ملف قطر حديثًا، تعود أوكرانيا وفلسطين وسوريا ولا أحد يذكر أوكرانيا وفلسطين وسوريا واليمن مجددًا. هناك من يربط ارتفاع الذهب بإمكانية وصول التقلبات العالمية إلى الشواطئ وليس بسياسات البنوك المركزية، فماذا يشتري الذهب؟
نحن قادمون من ثلاثة قمم: قمة ألاسكا، واجتماع ترامب مع قادة أوروبا في المكتب البيضاوي، واجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في الصين. والمزيد قادم؛ حيث ستجمع لقاءات ترامب مع ملك بريطانيا قادة عسكريين من مئة دولة، ورؤساء أركان، ووزراء دفاع، وقادة القوات في "منتدى شيانغشان في بكين".
هناك نوعان من "الحروب الأهلية": الأول هو صراع الغرب مع الغرب نفسه، والثاني هو التنافس بين الأقطاب العالمية. فلدى هذه الأقطاب أيضًا حروبها الأهلية الخاصة. فهي تدور بين "الغربيين المحليين" تارة، وبين "الشرقيين المحليين" تارة أخرى، ولكن في الغالب بين "الوطنيين والمحليين".
والوضع في تركيا لا يختلف.
انظروا إلى التطورات الأخيرة، فمن جهة تحاول أنقرة الاستفادة من التوجهات العالمية، ومن جهة أخرى، تسعى لضمان أمنها ضد الأزمات الناتجة عن هذا الاستقطاب الكبير.
هناك "الغربيون" الذين يسعون لتحقيق هذا الأمن وتبرير مواقفهم السياسية بالاعتماد مرة أخرى على الأسلحة الأمريكية، متجاهلين كيف فشلت هذه الأسلحة في حماية قطر. وفي المقابل، هناك من يدعمون "الوطنيين المحليين" قائلين: "دعونا لا نقع في هذه الخدع بعد الآن".
والأمر نفسه ينطبق على سعيهم لإرساء النظام الداخلي؛ فمن جهة، هناك من يخشى من فكرة القضاء على تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ويريد نشر فوضاه في البلاد دون التفكير في عواقب ذلك. ومن جهة أخرى، هناك من يريد تحصين الداخل لمواجهة حالة عدم اليقين في المنطقة والعالم.
لو كان التغيير يقتصر على "النظام" فقط، لكان بإمكاننا استخدام أساليب النظام الذي أوصل البشرية إلى يومنا هذا، لتطوير نماذج جديدة. ولكن المنظومة الأساسية تتغير. أما القواعد والترتيبات فتأتي لاحقًا. ورغم أن تغيرات النظام هي في جوهرها صراع على "من سيحتفظ بالمال"، إلا أن هناك الآن "مالًا جديدًا". وهذا يتطلب تغييرًا في الأساليب والطرق لرؤية المستقبل. إذا استمرينا في تتبع التطورات بالأساليب القديمة في التحليل، فإن مدى رؤيتنا سيكون محدودًا. ولهذا نقول دائمًا: "غيروا نظرتكم، لا الزاوية".
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة