تداعيات هجوم قطر

09:4211/09/2025, Perşembe
تحديث: 28/09/2025, Pazar
سليمان سيفي أوغون

إسرائيل لا تعترف بحدود. فبعد أن نفذت هجومًا بطائرات مسيّرة على أسطول "الصمود" في تونس وأحرقت إحدى السفن، شنّت خلال فترات متقاربة هجمات على أهداف في اليمن ولبنان وسوريا. وآخر هذه العمليات كان في العاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت بغارة جوية عددًا من قيادات حركة حماس البارزين أثناء اجتماعهم لبحث المقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار. أعتقد أن هجوم الدوحة أدخل الحروب في الشرق الأوسط مرحلة جديدة. فهذه الدولة الصغيرة كانت من الأماكن القليلة التي ما زال يمكن من خلالها توفير قنوات للتواصل بين الأطراف

إسرائيل لا تعترف بحدود. فبعد أن نفذت هجومًا بطائرات مسيّرة على أسطول "الصمود" في تونس وأحرقت إحدى السفن، شنّت خلال فترات متقاربة هجمات على أهداف في اليمن ولبنان وسوريا. وآخر هذه العمليات كان في العاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت بغارة جوية عددًا من قيادات حركة حماس البارزين أثناء اجتماعهم لبحث المقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار.

أعتقد أن هجوم الدوحة أدخل الحروب في الشرق الأوسط مرحلة جديدة. فهذه الدولة الصغيرة كانت من الأماكن القليلة التي ما زال يمكن من خلالها توفير قنوات للتواصل بين الأطراف المتصارعة، ومن نقاط الأمل النادرة ـ وإن كان يتضاءل يومًا بعد يوم ـ في إمكانية التوصل إلى هدنة أو مفاوضات سلام. لكن بعد هذا الهجوم، يمكن القول إن أبواب التفاوض قد أُغلقت، سواء بالنسبة لغزة خصوصًا أو للشرق الأوسط عمومًا. والسؤال الآن: ماذا يمكن أن يحدث لاحقًا؟


أول ما يجب التأكيد عليه أن أي تطرف لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. فالتطرف دائمًا ما ينتهي إلى تدمير نفسه. وبرأيي، فإن هجوم إسرائيل على قطر يمثل بداية النهاية لها. غير أن إسرائيل لا تجرّ نفسها وحدها إلى الهاوية، بل تدفع معها كثيرًا من الدول الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة. التصريحات الأمريكية بعد الهجوم لم تقنع حتى عقل طفل. قالوا إنهم "حزينون جدًا"! وإن إسرائيل أبلغت واشنطن بعد أن باشرت الهجوم، فلم يكن هناك وقت لإيقافها! ثم قيل إن ترامب اتصل بأمير قطر ومنحه "ضمانات" بأن الأمر لن يتكرر!


الجميع يعلم أن قطر دولة صغيرة تحت المظلة الأمريكية المباشرة، وتضم واحدة من أكبر وأحدث القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. فكيف يُعقل أن يحدث الهجوم دون علم واشنطن؟! إن مثل هذه التبريرات لا تخدع إلا السذج. والأسوأ من ذلك أن استضافة قطر لقيادات حماس جاءت بموجب ضمانات دولية، كانت الولايات المتحدة نفسها من أبرز من قدمها. أتذكر حين شارك إسماعيل هنية في جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وتعرض لمحاولة اغتيال، كيف قال البعض إنه غادر المكان الوحيد الآمن بالنسبة له وهو قطر. لكن ما جرى اليوم كشف أن قطر لم تكن آمنة أصلًا.


إسرائيل الفاشية بلغت مرحلة الاستعداد لفعل أي شيء، ولا يمكن مواجهتها أو إحراجها بالمفاهيم التقليدية. الأهم هو النظر إلى حال القوى التي تشاركها في هذه الجنون. فترامب، وقد تحول إلى أداة بيد الصهيونية، يدفع ثمنًا باهظًا. لا ننسى أن شعاره الأساسي كان إعادة الهيمنة الأمريكية. غير أن الهيمنة ليست مجرد تفوق عسكري أو اقتصادي، بل تقوم على مزيج دقيق من القوة والقبول. فالمهيمن يجب أن يثبت قوته بلا شك، لكنه يدرك أن القوة وحدها لا تكفي، وأن الشرعية في نظر الآخرين ضرورية لاستمرار الهيمنة. الهيمنة الحقيقية تُبنى على قاعدة من الرضا المشترك، والقوة العسكرية لا تُستخدم إلا كخيار أخير.


أمثال كيسنجر كانوا يدركون ذلك جيدًا. لكن منذ أواخر السبعينيات جرى في الولايات المتحدة تهميش مدرسة كيسنجر وإقصاؤها بالسخرية والاستهزاء، لصالح صعود المحافظين الجدد. هؤلاء، الذين استندوا إلى المال اليهودي وجعلوا الصهيونية حليفًا لهم، تبنّوا رؤية ضيقة الأفق، مفادها أن القوة تكفي لحل كل شيء. وهذا النهج ما زال مستمرًا حتى اليوم. لذا لا تستطيع واشنطن التملص من المسؤولية. فنتنياهو ليس مجرد طارئ أو استثناء، بل امتداد طبيعي لهذا النهج المحافظ الجديد المنفلت.


أما ترامب فقد خرج إلى الساحة بوصفه "وهمًا ذهنيًا"، مستخدمًا شعارات المحافظين التقليديين. فظن كثيرون أنه سيقضي على فكر المحافظين الجدد، وأن ذلك سيفتح الباب لمرحلة أكثر استقرارًا في العالم. لكن ما حدث كان العكس تمامًا. فما إن جلس على كرسيه في البيت الأبيض حتى أعلن طموحه في الاستحواذ على غرينلاند وكندا! ثم أدار ظهره لأوروبا، وحاصر فنزويلا، وأطلق التهديدات في كل اتجاه، وفرض رسومًا جمركية أثارت سخط العالم. كان يظن أنه سيفصل الهند وروسيا عن الصين، لكن النتيجة أن هذه الدول الثلاث ازدادت تقاربًا. بل انضمت إليها كوريا الشمالية التي قد تتحول إلى كابوس إضافي يواجه الولايات المتحدة. فكما أن إسرائيل كيان مزعج ومدمر في المنطقة، فإن كوريا الشمالية تمثل مصدر إزعاج مشابه على مستوى عالمي.


إلى جانب ذلك، راح ترامب يقتحم مقرات الشركات بحجة دفعها للاستثمار في أمريكا. وكان آخرها مصنع "هيونداي" الكوري الجنوبي. وقد فقدت اليابان والدول الأوروبية ثقتها بواشنطن. وهكذا لم يعد ترامب يمثل خروجًا عن خط المحافظين الجدد، بل الوجه الأكثر تطرفًا له.


ولا يقف الأمر هنا. فقد أنزل الجيش إلى الشوارع، وبات جهاز وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة يبث الرعب داخليًا، حتى أخذ البعض يتحدث عن "حرب أهلية غير معلنة" تتصاعد في الولايات المتحدة. وازدادت الاحتجاجات المناهضة لترامب، فيما تدهورت المؤشرات الاقتصادية. نسب البطالة والتضخم ارتفعت، وأصبح خطر "الركود التضخمي" موضوعًا جديًا في النقاشات الاقتصادية.


وإذا كان كل هذا مرتبطًا بملفات إبستين التي قد تُستخدم للضغط على ترامب، فالسؤال الآن: هل تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل الاستمرار به على هذا النحو؟ وإذا بقي في أمريكا عقل ما يزال يؤمن بإحياء الهيمنة الأمريكية، فسيبحث عن وسيلة للتخلص منه بأسرع وقت. وبالمثل، إذا بقي في إسرائيل عقل يفكر بمستقبلها بجدية، فعليه أن يسأل: هل يمكن لإسرائيل أن تتحمل نتنياهو أكثر؟


الحقيقة أن العالم لم يعد قادرًا على تحمل جنون الولايات المتحدة وإسرائيل معًا. لكن المأساة أن القدرة على إيقافهما محدودة للغاية. وبالتالي، إذا كان هناك ما يمكن أن يوقف هذه الظواهر المتطرفة، فلن يأتي إلا من الداخل، أي من قلب أمريكا وإسرائيل نفسيهما. ولعل ما حدث في قطر قد يكون الشرارة الأولى لذلك. صحيح أنني أجد صعوبة في بناء أساس قوي لهذا الاستنتاج، لكن يغلب على ظني أن شيئًا ما يطبخ في الداخل…

#ترامب
#أمريكا
#هجوم الدوحة
#قطر
#إسرائيل