سدّ النهضة وتداعياته

08:4414/09/2025, الأحد
تحديث: 14/09/2025, الأحد
طه كلينتش

افتتحت إثيوبيا يوم الثلاثاء الماضي سدّ النهضة الكبير، الذي بلغت تكلفة إنشائه ما يقارب خمسة مليارات دولار، بعد مسار طويل من البناء بدأ عام 2011 على النيل الأزرق، أحد الرافدين الرئيسيين لنهر النيل. ويُعدّ السد من أضخم محطات الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، كما يمثل باكورة سلسلة من المشاريع الضخمة التي تخطط الحكومة الإثيوبية لتنفيذها في السنوات المقبلة. وفي كلمة الافتتاح، صرح رئيس الوزراء آبي أحمد قائلا: «باكتمال السد، دخلنا مرحلة جديدة في تاريخ بلادنا. والآن نستعد لبناء محطة نووية ستُستخدم لأغراض سلمية

افتتحت إثيوبيا يوم الثلاثاء الماضي سدّ النهضة الكبير، الذي بلغت تكلفة إنشائه ما يقارب خمسة مليارات دولار، بعد مسار طويل من البناء بدأ عام 2011 على النيل الأزرق، أحد الرافدين الرئيسيين لنهر النيل. ويُعدّ السد من أضخم محطات الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، كما يمثل باكورة سلسلة من المشاريع الضخمة التي تخطط الحكومة الإثيوبية لتنفيذها في السنوات المقبلة. وفي كلمة الافتتاح، صرح رئيس الوزراء آبي أحمد قائلا: «باكتمال السد، دخلنا مرحلة جديدة في تاريخ بلادنا. والآن نستعد لبناء محطة نووية ستُستخدم لأغراض سلمية بحتة. هذا السد سيوفر لنا ثروة هائلة، لقد انتهى عهد الاستجداء». وأضاف أن إثيوبيا تعتزم إنشاء مطار جديد في أديس أبابا بطاقة استيعابية تصل إلى ستين مليون مسافر سنوياً، إلى جانب إطلاق مبادرات للتنقيب عن النفط والغاز.

وقد لقي السد ترحيباً حاراً من قبل دول الجوار. إذ اعتبر الرئيس الكيني ويليام روتو أن السد يمثل «دليلاً ملموساً على قدرة شعوب إفريقيا على تقرير مصيرها بنفسها». فيما وصفه رئيس جنوب السودان سلفا كير بأنه «رمز للوحدة والتفاني والإصرار». أما رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله فقد قال عنه إنه «يوم نصر عظيم».

ولكن بعيدا عن هذه التصريحات الوردية للقادة السياسيين، هناك دولتان ستتأثران بشكل مباشر من تشغيل سد النهضة، وهما مصر والسودان، اللتان تبديان معارضة شديدة للمشروع. ففي بيان مشترك الأسبوع الماضي، أدانت الحكومتان في القاهرة والخرطوم "الإجراءات الأحادية" لإثيوبيا، وشددتا على أن سد النهضة يشكل تهديدًا للسلام والاستقرار الإقليميين.

وإذا كانت الخرطوم، التي تقع عند ملتقى نهري النيل الأبيض والأزرق وتعاني من ظروف حرب استثنائية حاليًا، لا تستطيع ممارسة أي ضغط على إثيوبيا، فإن الحكومة المصرية، تسعى بكل إمكانياتها إلى تقويض التفوق الذي حصلت عليه إثيوبيا من خلال مشروع السد. فمصر، التي يعتمد 90% من سكانها بشكل مباشر على مياه نهر النيل، تعتبر سد النهضة "مسألة حياة أو موت".

وتعود جذور هذه الأزمة إلى فترة النفوذ البريطاني في شرق إفريقيا، حين أُبرمت اتفاقية إقليمية عام 1929 منحت مصر حصة الأسد من مياه النيل. وبعد الإطاحة بالملك فاروق بنت مصر سد أسوان في عهد جمال عبد الناصر، وسيطرت بذلك على مياه النيل، ثم سعت لاحقاً للحفاظ على نصيبها التاريخي الذي وفره الاحتلال البريطاني حتى أن الرئيس الراحل أنور السادات ذهب في سبعينيات القرن الماضي إلى حد التهديد بأن أي خرق لاتفاق 1929 سيعتبر "سببًا للحرب".

مع مرور الوقت، شهدت موازين القوى في كلٍّ من حوض النيل والقارة الإفريقية تحولات كبيرة. فقد انسحبت بريطانيا عمليًا من الساحة، وأصبحت الصين في السنوات الأخيرة أحد الفاعلين الرئيسيين في مجال البنية التحتية، فيما شرعت إثيوبيا، لا سيما من خلال تعميق علاقاتها بإسرائيل، في التواصل مباشرة مع محافل دولية لم تكن تصل إليها سابقا. وبالتالي، وقفت إسرائيل أيضاً في مواجهة مصر في سياق سد النهضة. ومن المعروف بالفعل أن إسرائيل لعبت دوراً محورياً في عملية تمويل السد وتأمينه.

وفي الوقت الذي تحاول فيه مصر الحفاظ على علاقات متوازنة مع إسرائيل بموجب اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979، يبدو أن الجانب الإسرائيلي لا يشعر بأي مسؤولية تجاه مصر. فإسرائيل تقيد يد مصر في غزة وفلسطين، وتواصل تقويض نفوذها في حوض النيل. وفي مثل هذه الظروف، فإن إدعاء مصر السيطرة على النيل بناءً على اتفاقيات تعود إلى الحقبة الاستعمارية في عشرينيات القرن الماضي، هو أمر بعيد عن الواقع تمامًا. وإدراك إسرائيل لهذا الواقع يجعلها تتخذ أي خطوة من شأنها إضعاف مصر دون تردد.

لقد أثبتت العقود الماضية أن التعاون مع إسرائيل لم يحقق أي فائدة لمصر، بل على العكس كلفها الكثير من الطاقة والدماء. ويبدو جليا أن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لمنع مصر من أن تصبح قوية. إن سد النهضة هو في الواقع إنذار لمصر لكي تعيد تحديد مسارها في الاتجاه الصحيح مزيد من التأخير. إن استجابة صناع القرار في القاهرة لهذا الإنذار بوعي ومسؤولية تمثل، في النهاية مطلباً وجدانياً جماعيًا للضمير الإسلامي.


#سدّ النهضة
#أثيوبيا
#مصر
#السودان
#النيل
#الاحتلال الإسرائيلي