
شهادات إبراهيم أبو السعود ومحمد أبو زيد اللذين اعتقلتهما إسرائيل من مراكز توزيع المساعدات وأفرج عنهما الثلاثاء برفقة 8 آخرين..
كشف فلسطينيان أفرجت عنهما إسرائيل الثلاثاء، أنهما اعتُقلا من محيط إحدى مراكز توزيع المساعدات المزعومة بقطاع غزة، متهمين الجيش بتحويل تلك المواقع إلى مصائد لاعتقال المدنيين، رغم مزاعم الجيش الإسرائيلي بتصنيفها كـ"مناطق إنسانية".
جاء ذلك في مقابلتين أجرتهما الأناضول مع الفلسطينيين إبراهيم أبو السعود ومحمد أبو زيد، بعد ساعات من الإفراج عنهما عبر معبر "كيسوفيم" وسط القطاع، ووصولهما برفقة 8 آخرين إلى "مستشفى شهداء الأقصى" بمدينة دير البلح.
أبو السعود الذي أمضى أسابيع طويلة داخل السجون الإسرائيلية، يقول: "اعتُقلنا من منطقة توزيع المساعدات غرب مدينة رفح جنوب القطاع".
ويتابع في حديثه للأناضول، أن الجيش اعتقلهم من المناطق التي يزعم أنها "إنسانية مخصصة لتوزيع المساعدات"، دون أن يشكلوا خطرا عليهم أو أن يكونوا مسلحين.
ويصف أكذوبة المساعدات الأمريكية بـ"الفخ" الذي تنصبه إسرائيل من أجل اعتقال المدنيين.
ويعد الأسيران المحرران حالتين من الفلسطينيين الذين فقدت آثارهم بعدما توجهوا لاستلام مساعدات من مراكز التوزيع، ولم يتم إحصاءهم ضمن حصيلة القتلى والجرحى.
وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/ أيار الماضي تنفيذ خطة توزيع مساعدات عبر ما يعرف بـ"مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية"، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأمريكيا، لكنها مرفوضة أمميا.
ومنذ بدء هذه الآلية، وصل عدد الضحايا الفلسطينيين إلى ألف و807 قتلى و13 ألفا و21 مصابا، جراء إطلاق الجيش الإسرائيلي النار يوميا على منتظري المساعدات، بحسب معطيات وزارة الصحة بغزة الاثنين.
**"محاصرة فاعتقال"
وعن طريقة اعتقاله من محيط مركز التوزيع، يقول أبو السعود الذي بدا عليه النحول الشديد، إن الجيش الإسرائيلي حاصر مجموعة من منتظري المساعدات المدنيين كان من بينهم، بطائرات "كواد كابتر" مسيرة التي ألقت قنابلها صوبهم.
ويوضح أن هجمات المسيرة الإسرائيلية حالت دون إمكانية هروبهم من المكان ونجاتهم من الاعتقال.
وبعد فترة وجيزة من بدء الهجمات، تقدمت 3 مركبات عسكرية إسرائيلية تقل جنودا واعتقلوا تلك المجموعة بلا سابق إنذار وبدون أي تهمة، وفق قوله.
** تعذيب خلال التحقيق
يصف أبو السعود الفترة التي قضاها داخل السجون الإسرائيلية بـ"الصعبة جدا" بدءا من الاعتقال وحتى الإفراج.
ويذكر أن الجيش الإسرائيلي منذ لحظة اعتقالهم بدأ عمليات التحقيق معهم، التي تخللها الكثير من الضرب المبرح.
ويتابع: "خلال فترة التحقيق، أول ما يبدأ الأسير بالتحدث يبادر الجنود بضربه وإسقاطه أرضا".
كما يخضع المعتقلون لتحقيق آخر يتخلله الضرب، لكن الفارق بينهما أن الثاني يُمنع فيه الأسير من النوم منذ بداية النهار وحتى نهايته، وفق قوله.
وفي السياق، تمارس إسرائيل "أسلوب الديسكو" خلال التحقيق، إذ تُعرض فيه المعتقل لموسيقى صاخبة لفترة زمنية قد تمتد لأيام.
ويردف أبو السعود بهذا الصدد: "في تحقيق الديسكو الذي يجريه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، نكون مكبلي الأيدي والأرجل".
** "العقاب للجميع"
وداخل السجون وبعد الاعتقال، يعيش الأسرى الفلسطينيون نوعا آخرا من سياسات التعذيب الإسرائيلية يبدأ مع حلول ساعات المغرب من كل يوم، بحسب الأسير.
ويقول المفرج عنه إن الجيش الإسرائيلي يبدأ بشكل دوري بعد حلول المغرب برمي القنابل صوب غرف المعتقلين الفلسطينيين ومن ثم يختار غرفتين لاقتحامها والتنكيل بمن فيها.
ويتابع: "يتم اقتحام الغرفتين وتفتيشهما وتفتيش كل من يتواجد فيها، وضربنا (..) وكنا نعيش - يوميا - على هذا المنوال".
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تتبع قاعدة "الحسنة تخص، والسيئة تعم"، في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين داخل سجونها.
وفي حال ارتكاب أي أسير لأي سلوك تعتبره إسرائيل "خاطئا"، يتخذ الجيش إجراءات عقابية بكافة الأسرى، وفق قوله.
وتطبيقا لهذه القاعدة الظالمة، يقول أبو السعود إن الجيش الإسرائيلي كبل في إحدى المرات كافة الأسرى الذين تواجدوا في غرفة واحدة من أيديهم وأرجلهم لمدة يوم كامل في جو شديد الحرارة.
ويتابع واصفا مرارة ذلك الحدث "كان الجو شديد الحرارة لدرجة أن قميصي الذي كنت أرتديه ابتل كاملا من شدة التعرق".
وضمن الإجراءات العقابية العامة، سحبت إسرائيل في الفترة التي سبقت الإفراج عن هذا الأسير كافة البطانيات من السجون، والتي كان يضعها الأسرى على الأسرة الحديدية، بحسب أبو السعود.
ويزيد: "السجون كانت عبارة عن بركسات (غرف حديدية) مصنوعة من صفائح الزينكو، شديدة الحرارة في الصيف".
** "سدي تيمان"
بدوره، يقول أبو زيد الذي أفرجت عنه إسرائيل مؤخرا، إن الجيش اعتقله من محيط مركز توزيع المساعدات بمحور نتساريم وسط القطاع.
ويوضح أبو زيد - من مخيم المغازي - أنه أمضى 38 يوما من الاعتقال داخل معتقل "سدي تيمان" سيء الصيت.
و"سدي تيمان" قاعدة عسكرية إسرائيلية بصحراء النقب جنوب إسرائيل، تأسست إثر عملية "جناح النسر" التي قامت خلالها الوكالة اليهودية بترحيل نحو 49 ألف يهودي من اليمن إلى إسرائيل في الفترة بين 1949 و1950.
وفي حرب إسرائيل على غزة عامي 2008 و2014، أقام الجيش الإسرائيلي معسكرات اعتقال في القاعدة لمئات المعتقلين الفلسطينيين من القطاع.
ومنذ بدء الإبادة الجماعية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، اعتقل الجيش الإسرائيلي فيها مئات الفلسطينيين من قطاع غزة وأطلق عليهم صفة "مقاتلين غير شرعيين"، حيث نددت مراكز حقوقية فلسطينية بالتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون هناك.
ويقول إن الأيام التي أمضاها داخل المعتقل كانت "صعبة جدا"، موضحا أن الأسرى الذين ما زالوا متواجدين داخل "سدي تيمان"، يواجهون معاناة كبيرة.
وتابع: "الأسرى أبرقوا برسالة للجهات المعنية بضرورة النظر في ملفهم بسبب صعوبة أوضاعهم داخل المعتقل".
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي منذ ذلك الوقت إبادة جماعية في غزة خلفت 61 ألفا و499 قتيلا و153 ألفا و575 مصابا من الفلسطينيين، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم عشرات الأطفال.