
الخبير الفلسطيني نهاد أبو غوش في مقابلة مع الأناضول: - دول غربية تسببت في نكبة الشعب الفلسطيني هي التي تعترف بدولتنا اليوم - ثمة مخاوف من أن تبقى الاعترافات إعلانات لفظية دون الاقتران بخطوات عملية - يجب أن لا تقترن الاعترافات بالدولة بأي شروط على الجانب الفلسطيني - لابد أن تكون واشنطن مؤتمنة على تطبيق القانون الدولي لكن ترامب لا يفعل ذلك
يقول الكاتب السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش إن الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين خطوة مهمة تمنح الشعب حق تقرير المصير بعد تعرضه لأكبر ظلم تاريخي، ويطالب بخطوات عملية ترافق هذه الخطوة وأهمها محاسبة إسرائيل على جرائمها.
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع أبو غوش، للتعليق على اعتراف كل من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال الأحد، بدولة فلسطين.
والاثنين، شهد "مؤتمر حل الدولتين" بنيويورك اعتراف فرنسا ومالطا ولوكسمبرغ وبلجيكا وأندورا وموناكو بدولة فلسطين، ليرتفع عدد الدول المعترفة إلى 159 من أصل 193 عضو بالأمم المتحدة، وهو ما تراقبه إسرائيل باستياء وتطلق عليه اسم "تسونامي سياسي".
إسرائيل لوحت بعقاب الفلسطينيين الذين رحبوا بهذه الخطوة، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توعد بأن "دولة فلسطين لن تقوم"، بينما ذهب وزير ماليته بتسلئيل سموتريتش إلى القول إن "الرد الوحيد على الاعترافات بدولة فلسطين هو الضم الفوري" للضفة الغربية المحتلة.
** خطوة مهمة
ويرى أبو غوش أن "أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين خطوة مهمة لإنصاف الشعب المظلوم منذ قرن، الذي تعرض لأكبر ظلم تاريخي".
ويشير إلى أن "دولا غربية تسببت في الظلم والنكبة للشعب الفلسطيني هي التي تعترف بدولتنا اليوم، صحيح أن الخطوة تأخرت كثيرا لكنها مهمة".
وعن اعتراف لندن بدولة فلسطين، يشير الخبير إلى أن بريطانيا هي التي أنشأت إسرائيل، وأن فرنسا هي التي ضمنت لها التفوق العسكري ومكنتها من امتلاك تقنيات كبيرة.
ويرى فلسطينيون أن جذور مأساتهم تعود إلى وعد بلفور عام 1917، عندما أرسل وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور رسالة إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية، يعده فيها بتأسيس "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".
ومنذ ذلك الحين، يحمّل الفلسطينيون المملكة المتحدة مسؤولية معاناتهم إثر تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 والتنكر لحقوق الفلسطينيين على أرضهم التاريخية طوال عقود.
الخبير الفلسطيني يعتبر هذه الاعترافات "خطوة مهمة وتأتي في ظل حرب إبادة (إسرائيلية) وجرائم غير مسبوقة، كما أعقبها وعيد إسرائيلي بضم أجزاء من الضفة (الغربية المحتلة)، واستكمال حرب الإبادة".
ويعرب أبو غوش عن مخاوفه من أن تبقى اعترافات هذه الدول "مجرد إعلانات لفظية دون أن تقترن بخطوات عملية".
ولمواجهة ذلك، يطالب "بخطوات عملية، بينها مقاطعة إسرائيل، وفرض حظر تصدير السلاح لها، وحماية حل الدولتين".
ويتابع: "لا ينبغي فقط أن نعلن، بل يجب أيضا حماية الحق والشعب الفلسطيني، وعدم ترك المجال في الميدان لإسرائيل لكي تتصرف منفردة بدعم من الولايات المتحدة التي تؤيد رؤيتها للحل القائم على التهجير والإبادة والتطهير العرقي".
كما يدعو أبو غوش إلى "أن تقترن هذه الاعترافات بمحاسبة إسرائيل وفق القانون الدولي، ومنعها من استكمال الإبادة بحق الفلسطينيين في غزة".
ويشدد على أن "الاعترافات يجعل لدولة فلسطين حقا مطلقا بتقرير المصير، وهذا ليس منحة من أحد، بل من حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره".
** الاعترافات مرجعية قانونية
ووفق الخبير الفلسطيني، "يجب أن لا يقترن هذا الحق بأي شروط تفرضها تلك الدول على الجانب الفلسطيني، لأن تلك الدول اعترفت بإسرائيل دون أي شرط رغم ارتكابها مجازر دموية خلال النكبة (مايو/ أيار 1948)، وهذا دليل على أننا كنا وما زلنا الضحية".
وفيما يتعلق بقانونية تلك الاعترافات، يلفت أبو غوش إلى أنها "مرجعية قانونية وسياسية، يمكن أن تعطي شرعية لنضالنا المستمر الذي لن يتوقف حتى إنجاز الحقوق الفلسطينية".
ويرى أن "استثمار هذه الاعترافات يجب أن يكون من خلال أداء فلسطيني سياسي ودبلوماسي وكفاحي، ولا بد أن يكون هذا الأداء موحدا"، محذرا من أن "الانقسام يعرقل استثمار هذه الإنجازات، وللأسف نحن في حالة انقسام".
ويشدد على ضرورة أن يبادر قادة الفصائل الفلسطينية "فورا لتجاوز خلافاتها، وتعمل على صياغة رؤية وخطة وطنية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار الاعترافات الدولية وكل أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والجماهيري".
ويتابع: "نواجه تهجيرا يوميا وإبادة (ترتكبها إسرائيل) في غزة، وكل هذا يجب أن يكون ضمن برنامج نضالي موحد".
وتعاني الحالة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا منذ عام 2007، حيث تسيطر حركة "حماس" على قطاع غزة، في حين تدير حكومة شكلتها حركة "فتح"، بزعامة الرئيس محمود عباس، الضفة الغربية المحتلة.
** مكانة إسرائيل "بالحضيض"
وعن موقف واشنطن، يقول أبو غوش إن الاعترافات تأتي خلافا لموقف الولايات المتحدة التي يرمي رئيسها دونالد ترامب كل ثقله وراء نتنياهو، وينحاز للجناح الأكثر تطرفا وفاشية في إسرائيل".
ويؤكد أن "هذا الانحياز ليس في صالح الولايات المتحدة ولا ينسجم مع مسؤوليات دولة عظمى".
ويطالب الخبير الفلسطيني واشنطن أن تكون "مؤتمنة على تطبيق القانون الدولي وإحلال السلام في العالم"، ويستدرك بالقول: "لكن ترامب لا يفعل ذلك".
كما يعتبر أن "اعتماد إسرائيل على ترامب لا يمكن أن يدوم، وهناك استطلاعات رأي تؤشر إلى تغيرات جدية في المجتمع الأمريكي لصالح فلسطين، ونسبة متنامية في الحزب الجمهوري ترى أن إسرائيل أصبحت عبئا".
وعن إمكانية ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، يقول أبو غوش إن "السلوك الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة لم يعد يخضع لخطوات منطقية، بل يقوم تحت مسمى جنون العظمة، مثل العدوان على الدوحة (قبل أسبوعين)، واستمرار الإبادة الجماعية في غزة".
ويختم الخبير حديثه بالقول إن "نتنياهو يخوض حربه الخاصة التي يريد من خلالها البقاء في الحكم مهما بلغ الثمن، حتى لو كان ذلك على حساب حياة الأسرى ومكانة إسرائيل التي هي في الحضيض".
جدير بالذكر أن الاعترافات بدولة فلسطين تزامنت مع استمرار الإبادة الإسرائيلية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي خلفت 65 ألفا و344 قتيلا و166 ألفا و795 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 442 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.
فيما قتل الجيش والمستوطنون الإسرائيليون بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما لا يقل عن 1042 فلسطينيا، وأصابوا نحو 10 آلاف و160، إضافة لاعتقال أكثر من 19 ألفا، بحسب معطيات فلسطينية رسمية.