
- التمويل ولاسيما الخارجي يعد الأداة الرئيسية لاستمرار جرائم تكريس وتوسيع الاستيطان وتوطين المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية - بينما لا يذكر أغلب الحركات والجمعيات الاستيطانية ميزانيتها ولا مصادر تمويلها الخارجية فإن معظم التمويل يأتي من اليهود في الولايات المتحدة - التمويل الخارجي لا يقتصر على البناء الاستيطاني فحسب بل يُستخدم في دعم التعليم الديني اليهودي المتطرف ومساعدة عائلات مستوطنين مدانين بارتكاب جرائم إرهابية بحق فلسطينيين - مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أدرجت 158 شركة جديدة (138 شركة إسرائيلية و20 شركة من 10 دول أخرى) ضمن قاعدة بياناتها للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية والقدس - الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: 4 بنوك وشركة تأمين فرنسية تساهم بطريقة غير مباشرة في الاستيطان بالأراضي الفلسطينية عبر شراكة مع البنوك والمؤسسات المالية الإسرائيلية العاملة في المستوطنات
يعد التمويل الأداة الرئيسية لاستمرار جريمة البناء الاستيطاني وتثبيت أقدام المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاسيما الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وبوتيرة مكثفة، بدأ الاستيطان بعد احتلال إسرائيل الضفة الغربية في حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، لكن الحديث عن طرق تمويله نادر على المستوى الإعلامي الرسمي والخاص.
يستثنى من ذلك توفير الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ميزانيات معلنة لبناء وحدات استيطانية جديدة، بهدف تهويد الضفة الغربية وطمس هويتها الفلسطينية.
وأغلب الحركات والجمعيات الاستيطانية لا تذكر ميزانيتها ولا مصادر تمويلها الخارجية، لكن أحيانا تنشر وسائل إعلام إسرائيلية، خاصة اليسارية ومنها "هآرتس"، ومنظمات حقوقية دولية، تقارير للتعريف ببعض عمليات تمويل الحركات الاستيطانية.
ومنذ عقود، تواصل إسرائيل البناء الاستيطاني، رغم دعوات الأمم المتحدة إلى وقفه، لكونه "غير قانوني"، ويقوض فرص تنفيذ مبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) المنصوص عليه في قرارات دولية.
وفي ظل عدوان عسكري إسرائيلي متواصل بالضفة الغربية يهدف بالأساس إلى تكريس وتوسيع الاستيطان، تركز الأناضول في هذا الإطار على التمويل الخارجي لحركات الاستيطان.
** شركات
حدّثت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في 26 سبتمبر/ أيلول 2025، قاعدة بياناتها للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية والقدس الشرقية.
وأدرجت المفوضية 158 شركة، هي 138 شركة إسرائيلية و20 شركة من 10 دول أخرى، هي كندا والصين وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وتنشط معظم الشركات الأجنبية في قطاعات البناء والعقارات والسياحة والسفر والتعدين.
وجاءت الولايات المتحدة في صدارة الدول الأجنبية التي تظهر شركاتها في القائمة، بوجود ست شركات كبرى.
وهذه الشركات هي: Airbnb، وBooking Holdings، وExpedia Group، وMotorola Solutions، وRe/Max Holdings، وTripAdvisor.
وتوفر تلك الشركات خدمات تتراوح بين السياحة والحجز الإلكتروني والاتصالات والعقارات.
كما تضم القائمة أربع شركات إسبانية مرتبطة بمجالات البناء والبنية التحتية والسكك الحديدية هي: ACS، وCAF، وIneco، وSEMI.
وفي القائمة شركتان هندسيتان من فرنسا هما Egis وEgis Rail، إضافة إلى شركتين بريطانيتين هما Greenkote P.L.C وJCB، التي تُعرف بمعدّاتها الثقيلة المستخدمة في مشاريع البناء.
ووردت في القائمة أيضا شركة واحدة من كل من لوكسمبورغ (Altice International)، وهولندا (Booking.com B.V)، وألمانيا (Heidelberg Materials AG)، والبرتغال (Steconfer S.A)، والصين (Fosun International Ltd) وكندا (Metrontario Investments Ltd).
** بنوك
كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، عبر تقرير أصدرته في 28 مايو/ أيار 2018، أن معظم المصارف الكبيرة في إسرائيل تُوفر خدمات تُساعد على دعم وإدامة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
وأوضحت أن أكبر 7 مصارف إسرائيلية توفر خدمات للمستوطنات وتشارك في بناء وحدات سكنية استيطانية، وتعمل على توسيع المستوطنات بالحصول على حقوق الملكية في مشاريع البناء الجديدة، ورعاية المشاريع حتى اكتمالها.
وتُسهّل هذه الأنشطة المصرفية نقل اليهود إلى هذه الوحدات الاستيطانية.
وهذه البنوك السبعة، بحسب المنظمة، هي "هبوعليم"، "لئومي"، "ديسكونت"، "مزراحي تفحوت"، "البنك الدولي الأول لإسرائيل"، "الاتحاد الإسرائيلي"، و"القدس".
كما كشفت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان (مقرها فرنسا) أن 4 بنوك وشركة تأمين فرنسية تساهم بطريقة غير مباشرة في إنشاء المستوطنات، عبر شراكة مع البنوك والمؤسسات المالية الإسرائيلية العاملة في المستوطنات.
وأوضحت الفدرالية (FIDH) عبر تقرير نشرته في مارس/ آذار 2017، أن هذه البنوك هي BNP Paribas، Société Générale، Crédit Agricole، BPCE، بينما تتولى AXA قطاع التأمين.
وأفادت الفدرالية يأن هذه المعاملات تُمكّن من توسيع المستوطنات، وبناء وحدات سكنية مخصصة للإسرائيليين، مع الإضرار بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين.
** تبرعات ضخمة
وتتلقى المنظمات اليمينية في إسرائيل، ولاسيما المستوطنين، تبرعات ضخمة من حكومات ومؤسسات أجنبية، بحسب "هآرتس" في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
الصحيفة أفادت بأن أكثر من 50 منظمة يهودية أمريكية حوَّلت إلى المستوطنين بالضفة الغربية ما يزيد على مليار شيكل (نحو 220 مليون دولار) بين 2009 و2013.
وهذه الأموال معفاة من الضرائب، ما يؤكد أن الولايات المتحدة تدعم بناء المستوطنات والإرهاب الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقا لصحيفة "غلوبس" العبرية في 2 فبراير/ شباط 2015.
ولا يقتصر التمويل على البناء الاستيطاني فحسب، بل يُستخدم جزء كبير منه في التعليم الديني اليهودي المتطرف، بحسب "هآرتس"، مثل تمويل مدرسة "نافيه شموئيل" بمستوطنة "إفرات".
وكذلك مساعدة عائلات مستوطنين مدانين بارتكاب عمليات إرهابية بحق مواطنين فلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس.
** كيانات وشخصيات
من بين المصادر الرئيسة للتبرعات الخارجية للمستوطنات "صندوق إسرائيل المركزي"، وهي منظمة تعمل من حي مانهاتن (المركز المالي لمدينة نيويورك الأمريكية)، وفقا لـ"هآرتس" في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
وكذلك "صندوق الخليل"، وهي منظمة تعمل من مدينة بروكلين الأمريكية، وحولت بين 2009 و2013 نحو 4.5 ملايين دولار إلى مستوطنات مدينة الخليل (جنوب)، عبر جمعية تجديد المستوطنات اليهودية بالخليل.
وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020، حددت صحيفة "يسرائيل هيوم" كيانات أخرى تمول الحركة الاستيطانية، منها صندوق "كيرن هايسود" وهي مؤسسة منتشرة بـ45 دولة.
وهذه المؤسسة أنشأتها المنظمة الصهيونية العالمية، وتجمع الأموال لدعم أنشطة المشروع الصهيوني، مثل الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة، وإقامة المستوطنات.
كما توجد الوكالة اليهودية ومنظمة أصدقاء الجيش الإسرائيلي بمدينة ميامي الأمريكية، وصندوق التنمية اليهودي الأوروبي، ومؤسسة "روث بات سارة" المدعومة من الملياردير اليهودي الأمريكي إيرا رينيرت.
وبين 2006 و2013، تبرعت جمعية "أصدقاء مدينة ديفيد" الأمريكية وحدها بنحو 122 مليون شيكل (نحو 31.6 مليون دولار)، وفقا لـ"هآرتس" في 6 مارس/ آذار 2016.
ولا يتوقف تمويل الاستيطان على يهود الولايات المتحدة وحدهم، ففي دول عديدة ترسل شخصيات أموالا لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية.
وعلى رأس هؤلاء رومان إبراموفيتش المالك السابق لنادي تشيلسي الإنجليزي، والمرتبط بعلاقات وثيقة بجمعية "يشع" (المجلس الإقليمي لمستوطنات الضفة الغربية) وجمعية "إلعاد" اليمينية المتطرفة.
** جمعيات إسرائيلية
من أشهر الجمعيات الاستيطانية التي تتلقى تبرعات من الخارج، جمعية "إلعاد"، التي أسسها ديفيد باري في سبتمبر/ أيلول 1986.
وهذا التمويل مّكن باري من إحداث تغيير كبير في المدينة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
ويتسمك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل المدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1980.
وباري أحد المتطرفين الذين تلقوا تعليمهم في جمعيات دينية واستيطانية، مثل "بني عكيفا" و"عطيرت كوهنيم"، وهي تشجع الهجرة إلى القدس والاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبين 2006 و2013 تلقت "إلغاد" نحو 450 مليون شيكل (125 مليون دولار)، بحسب "هآرتس" في 6 مارس/ آذار 2016.
الصحيفة أفادت بأن الجهات الضريبية الإسرائيلية تغض الطرف عن ميزانيات "إلعاد" ومصادر تمويلها، وتقدم الجمعية تقارير تحوي مصادر تمويل مجهولة خلافا لما يفرضه القانون.
وجاء أكثر من نصف الـ125 مليون دولار من أماكن مثل جزر البهاما وفيرجن وسيشل، و"ليس واضحا مَن يقف وراءها"، بحسب "هآرتس".
كما ذكرت صحيفة "غلوبس" في 2 فبراير/ شباط 2015 أن "إلعاد" تلقت 6.9 ملايين دولار عام 2011، و5.6 ملايين دولار في 2012.
وإجمالا، أفادت أيضا بأن نحو 40 منظمة تبرعت بحوالي 200 مليون دولار للمستوطنات بين 2000 و2010.
وحول أحدث تمويل تلقته "إلعاد"، قالت "هآرتس" في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 إن الجمعية تلقت من الحكومة في ذلك العام 28 مليون شيكل (نحو 8.3 ملايين دولار).
وأوضحت أنها تلقت هذه الأموال لدعم مشاريعها الاستيطانية والتهويدية في حي وادي الربابة ببلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، لتغيير طابع الأرض والاستيلاء عليها.
وتمثلت الجهات الإسرائيلية التي منحت الأموال للجمعية في وزارة تنمية القدس والتراث، وبلدية القدس، وهيئة تنمية القدس.
** اليهود الأمريكيون
في 2 مارس/ آذار 2016، دعت القناة "العاشرة" العبرية الحركات اليمينية المتشددة في إسرائيل إلى مساعدة "الإصلاحيين" من اليهود الأمريكيين وعدم قمعهم، حتى لا يتوقف إرسالهم للأموال.
كما عزت ذلك إلى الرغبة في عدم دفعهم في الولايات المتحدة إلى أحضان حركات المقاطعة لإسرائيل، ومن ثم خسارة تمويل اليهود الأمريكيين.
وأكدت ضرورة تلقي تبرعات كل اليهود الأمريكيين، بمَن فيهم "الإصلاحيين"، فـ"كثير من الأموال التي يتلقاها اليهود في إسرائيل تأتي من يهود الولايات المتحدة".
ولا تقتصر التبرعات الأمريكية على البناء الاستيطاني، بل تمول أيضا شخصيات ومنظمات إسرائيلية مدانة بارتكاب عمليات إرهابية بحق فلسطينيين، بحسب "هآرتس" في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2015.
ومن بين هؤلاء عامي بوبر، الذي قتل 7 عمال فلسطينيين في 1990، ومنظمة "بات عاين" السرية التي حاول أعضاؤها تفجير مدرسة فلسطينية للبنات بالقدس الشرقية عام 2002.
** جرائم متصاعدة
وبالضفة الغربية تجاوز عدد المستوطنين 730 ألفا، بزيادة 8 بالمئة عن العام الماضي، وفقا لمنظمة "بتسيلم" في تقرير صادر في مايو/ أيار 2025.
وعلى مدار عامين، بموازاة حرب الإبادة بقطاع غزة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كثفت إسرائيل عبر الجيش والمستوطنين من ارتكاب جرائمها في الضفة الغربية، لاسيما تهجير الفلسطينيين وتوسيع الاستيطان.
وتمهد هذه الجرائم، وفقا لتحذير الفلسطينيين، لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، ما يعني نهاية إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين، المنصوص عليه في قرارات صدرت عن الأمم المتحدة.
وخلال عامي الإبادة بغزة، قتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون في الضفة الغربية، بما فيها القدس، ما لا يقل عن 1076 فلسطينيا، وأصابوا نحو 10 آلاف و700، إضافة لاعتقال أكثر من 20 ألفا و500 آخرين.
وتحديدا، ارتكب المستوطنون 7 آلاف و154 اعتداء بالضفة خلال عامي الإبادة، فقتلوا 33 فلسطينيا وهجرّوا 33 تجمعا سكانيا، وفقا لمعطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومية) حتى 5 أكتوبر الماضي.
بينما خلّفت الإبادة الإسرائيلية في غزة أكثر من 69 ألف قتيل و170 ألف جريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، إضافة إلى دمار هائل مع كلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل فلسطين وأراضي في سوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.









