يوميات الأسطول.. نوبات الحراسة ضد أعمال التخريب

08:1718/09/2025, الخميس
تحديث: 18/09/2025, الخميس
أرسين جليك

آخر مرة قمت فيها بالحراسة كانت قبل 22 عامًا، وعندما كنت في الخدمة العسكرية. كان أول ما تعلمناه هو أن "الحراسة مقدسة". في البداية، تساءلت: ما القداسة في حراسة بضع أزواج من الأحذية العسكرية أو أسِرّة النوم في الثكنة؟ لكنني أدركت لاحقًا معنى هذه الكلمات. فالحراسة هي انضباط مختلف، ومسؤوليتها جسيمة. وحتى لو كنت تحرس زوجًا من الأحذية، فهي حاجة أساسية لجندي من أبناء الوطن. قمنا بالحراسة وأتممناها، ثم سلمنا لمن بعدنا ومضينا. المهم: لم تُترك مواقع الحراسة خالية أبدًا. والآن أقف على سطح قارب شراعي، في خليج

آخر مرة قمت فيها بالحراسة كانت قبل 22 عامًا، وعندما كنت في الخدمة العسكرية. كان أول ما تعلمناه هو أن "الحراسة مقدسة". في البداية، تساءلت: ما القداسة في حراسة بضع أزواج من الأحذية العسكرية أو أسِرّة النوم في الثكنة؟ لكنني أدركت لاحقًا معنى هذه الكلمات. فالحراسة هي انضباط مختلف، ومسؤوليتها جسيمة. وحتى لو كنت تحرس زوجًا من الأحذية، فهي حاجة أساسية لجندي من أبناء الوطن. قمنا بالحراسة وأتممناها، ثم سلمنا لمن بعدنا ومضينا. المهم: لم تُترك مواقع الحراسة خالية أبدًا.

والآن أقف على سطح قارب شراعي، في خليج طبيعي عند أقصى نقطة من جزيرة صقلية، نقوم بالحراسة من الساعة الثالثة إلى الخامسة فجرًا أنا وشريكي، الأستاذ الدكتور حشمت يازيجي، الذي أصبح بمثابة أخٍ لي في وقت قصير. فما نوع هذه الحراسة؟ إنها لحماية "أسطول الصمود" الذي أبحر رغم التهديدات المستمرة بالعمل التخريبي. ففي وقت سابق، تعرضت سفينتان من الأسطول لهجوم في الموانئ التونسية، بقصد الترهيب.

نحن الآن في المياه الإقليمية الإيطالية، ولكن يحرص قادتنا على اتخاذ أقصى درجات الحيطة. تُعقد الحراسات للحفاظ على الانضباط والالتزام بالقواعد على القارب، وأيضًا كإجراء وقائي لدرء أي عمل تخريبي محتمل. فالمتطوعون والنشطاء على السفينة يشاركون الطاقم البحري في مهامه: من أعمال التنظيف إلى حراسة السطح. وعلى متن هذا اليخت البالغ طوله 14 مترًا، تتجسد ثلاثة أهداف رئيسة لهذه النوبة:

أولًا: رصد أي هجوم محتمل أو تسجيل عبر طائرات مسيّرة أو أي وسيلة جوية، فهذه الأجهزة قادرة على الاقتراب بهدوء شديد، ولا يلاحظ وجودها إلا من يكون على سطح السفينة، لذلك علينا أن نبقى يقظين دائمًا.

ثانيًا: والأهم من ذلك، حماية مراوح القارب. إذ قد يتسلل غواص ليلًا ويعمد إلى لف شيء حولها، مما قد يُلحق أضرارًا جسيمة بالمحرك.

ثالثًا: مراقبة سلاسل المرساة. فإذا قُطعت عمدًا، قد ينجرف القارب إلى عرض البحر. ولمواجهة هذه المخاطر الحيوية الثلاثة، نتجول على السطح حاملين مصابيح يدوية ورأسية. عند سماع أدنى صوت أو حركة، نبلغ القبطان وطاقمه.

الحراسة تجربة فريدة، فهي تتركك وحيدًا مع نفسك. لقد عشت هذا الشعور كثيرًا في الجيش. فأنت تركز على مسؤوليتك وتراجع في ذهنك عددًا لا يحصى من التساؤلات. في البداية، اعتقدت أن "إسرائيل لا تستطيع استهداف القوارب هنا"، لكنني أدركت أن الأمر ليس كذلك. فإسرائيل لا ترغب في أن يجتمع الأسطول ويبحر نحو غزة بأي شكل من الأشكال. ومن المؤكد أن لديها عملاء في هذه المناطق، وأي عمل تخريبي لأي قارب قد يؤدي إلى إبطاء حركة الأسطول وتأخيره. وهذا قد يخلق شعورًا بعدم الأمان. لذلك، فإن وجودنا في أوروبا لا يضمن سلامتنا تمامًا. على سبيل المثال، لا نعلم ما الذي قد يواجهنا في المياه الإقليمية اليونانية.

في الخليج، ترسو 17 سفينة تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة 100 متر تقريبًا، وكل واحدة منها تُحرس بنوبة مستمرة. فأمن كل سفينة يعني أمن الأسطول بأكمله. لذلك يلتزم كل ناشط يبحر بالمشاركة في هذه المهمة. وبصراحة، هذه المسؤولية حفزتني. فنوبات الحراسة التي تتراوح بين الثالثة والخامسة فجرًا، تُعد من أصعب النوبات في الخدمة العسكرية، فهي تقطع النوم، ويقوم الشخص بالحراسة ثم يعود فيجد الصباح قد حل. وإذا لم ينم المرء مبكرا، يُحسب كمن سهر طوال الليل. أما أنا فقد نمت ليلة البارحة عند الساعة 23:30، لذلك لم يكن الاستيقاظ عند الثالثة مشكلة. وعند انتهاء نوبة الحراسة، كان وقت الفجر على وشك الدخول، فصلينا أنا والبروفيسور حشمت ثم نمنا ساعتين إضافيتين.

بالطبع، نحن ملزمون بقواعد السفينة ولا يمكننا النوم في أي وقت نريده. لكل منا مهامه المحددة. ولدي أيضًا التزامات يومية تشمل ثلاثة أو أربعة برامج تلفزيونية يوميًا، بالإضافة إلى أعباء كتابة هذه السطور. وفي المساء، وفي المساء، نجتمع مع جميع أفراد الطاقم والنشطاء لتقييم يومنا وخطة تحركنا. الانتظار مرهق، لكننا لا نشعر بالملل. فكيف لنا أن نشعر بالملل وأطفال غزة على الشواطئ ينتظرون هذا الأسطول؟ هناك حركة مستمرة على متن القارب. في الواقع، يمكننا أن نقطع 3-4 آلاف خطوة يوميًا داخل هذا القارب الصغير صعودًا ونزولًا على الدرج، وهذا يساعدنا على الحفاظ على لياقتنا.

مع تقدم الساعات في الليل، كل خطوة أخطوها على سطح السفينة لا تذكرني بصرير القارب فحسب، بل أيضًا بالصمت العميق للقوى المهيمنة تجاه مأساة غزة. إن نوبات الحراسة ليست ضد الطائرات المسيّرة والغواصين فقط، بل أيضا ضد اللامبالاة والظلم. لقد تبنّى هذا الأسطول والمشاركون فيه مسؤولية حراسة الضمير التي تخلّت عنها الدول العظمى، العاجزة عن وقف الإبادة الجماعية في غزة. فهناك أناس طيبون في العالم، وإخوان لنا في الإنسانية، ونحن على يقين بأن حراسة الأمل في غزة لن تُترك أبدًا خالية.


#يوميات الأسطول
#الحراسة
#أعمال التخريب
#غزة
#الاحتلال الإسرائيلي
#أسطول الصمود