احتجاجات لوس أنجلوس.. الهجرة والعنف وصراع السلطة

11:0811/06/2025, الأربعاء
تحديث: 30/06/2025, الإثنين
قدير أوستون

أصبحت الاحتجاجات التي اندلعت في لوس أنجلوس ضد جهود إدارة ترامب لترحيل المهاجرين غير النظاميين بندًا رئيسيًا على جدول أعمال السياسة الأمريكية. فقد أدت المداهمات التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك في ولاية كاليفورنيا إلى إشعال شرارة أعمال عنف واحتجاجات واسعة، بعدما بدأت بتظاهرات محلية صغيرة. وتُعد كاليفورنيا ولاية ذات كثافة سكانية عالية من أصول لاتينية (هسبانيك)، كما تُعد معقلًا للديمقراطيين وتضم مدنًا كبرى مثل لوس أنجلوس التي تُعرف بأنها «مدن ملاذ» للمهاجرين غير النظاميين. وقد وُجهت انتقادات حادة

أصبحت الاحتجاجات التي اندلعت في لوس أنجلوس ضد جهود إدارة ترامب لترحيل المهاجرين غير النظاميين بندًا رئيسيًا على جدول أعمال السياسة الأمريكية. فقد أدت المداهمات التي نفذتها إدارة الهجرة والجمارك في ولاية كاليفورنيا إلى إشعال شرارة أعمال عنف واحتجاجات واسعة، بعدما بدأت بتظاهرات محلية صغيرة. وتُعد كاليفورنيا ولاية ذات كثافة سكانية عالية من أصول لاتينية (هسبانيك)، كما تُعد معقلًا للديمقراطيين وتضم مدنًا كبرى مثل لوس أنجلوس التي تُعرف بأنها «مدن ملاذ» للمهاجرين غير النظاميين.

وقد وُجهت انتقادات حادة لإرسال ترامب قوات الحرس الوطني ثم قوات المارينز بدعوى أن الشرطة المحلية عاجزة عن مواجهة الاحتجاجات، حيث اعتُبر ذلك «صبًا للزيت على النار». كما أن عجز ترامب عن تنفيذ وعده الانتخابي بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين بسرعة، بسبب نقص الموارد المالية والدعم السياسي، ساهم في تصعيد التوتر.


يحاول ترامب توسيع صلاحيات الحكومة الفيدرالية في ملف مكافحة الهجرة غير النظامية من خلال التلويح بتفعيل «قانون التمرد» زاعمًا أن الاحتجاجات ترقى إلى مستوى العصيان. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها رسالة تهديد للحكومات المحلية الديمقراطية، وقد تؤدي إلى أزمة دستورية بين الحكومة الفيدرالية والولايات فيما يتعلق بتوزيع الصلاحيات.

من الواضح أن ترامب يسعى إلى رفع وتيرة التوتر السياسي مستغلًا رواية أنه يحارب «الولايات الديمقراطية الخارجة عن القانون»، إلا أنه في الوقت نفسه لا يريد للوضع أن يخرج عن السيطرة بالكامل، ولهذا لم يُفعّل القانون حتى الآن. وبدلًا من ذلك، أرسل حوالي 700 من قوات المارينز لحماية المباني والمرافق الفيدرالية في كاليفورنيا، ليُظهر استعداده لاتخاذ الخطوة التالية إذا لزم الأمر.


إن رواية ترامب بأن الأزمة من صنع الديمقراطيين الذين يحمون المهاجرين غير النظاميين ويشعلون الفوضى في المدن الأمريكية تخدمه سياسيًا. فقد رأى ترامب خلال حملتيه الانتخابيتين أن خطابه المتشدد ضد المهاجرين يحقق مكاسب كبيرة. والآن، من خلال مشاهد العنف في الشوارع، يواصل الترويج لفكرة أن «البلاد تحت احتلال المهاجرين».

كما أن عجز إدارة بايدن عن تأمين الحدود وبلوغ عدد المهاجرين نحو 10 ملايين لاجئ تقريبًا، منح ترامب فرصة ثمينة ليقدّم نفسه على أنه المنقذ. ولهذا أدرج في مشروع موازنته الموارد اللازمة لترحيل الملايين الذين وعد بترحيلهم. وبعد اشتباكات لوس أنجلوس، باتت المخصصات المالية لهذه الجهود التي أُقرت في مجلس النواب، والتي يُتوقع أن تواجه صعوبة في المرور من مجلس الشيوخ، أقل عرضة للجدل بين الجمهوريين.


يستهدف ترامب أيضًا من هذه المواجهة ضرب أحد أبرز الأسماء الديمقراطية المحتمل ترشحها للرئاسة، وهو حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، الذي انتقد ترامب بشدة واتهم الحكومة الفيدرالية بأنها السبب في تصاعد الأزمة، بل وصل الأمر إلى حد رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية، محاولًا تقديم نفسه كبطل لليبراليين.

وعندما هدد ترامب باعتقاله ردّ عليه نيوسوم متحديًا: «فليأتوا لاعتقالي إذًا». تُظهر هذه المواجهة أن نيوسوم يسعى ليكون زعيمًا للمعارضة ضد ترامب، غير أن صور الفوضى تمنح ترامب فرصة سهلة لوصمه بأنه سياسي ليبرالي متطرف يحمي «المهاجرين غير الشرعيين» وعاجز عن فرض الأمن في ولايته.


يرى ترامب نيوسوم خصمًا «سهل المنال»، ويستخدم تصعيد الأزمة وسيلةً لإحراج الديمقراطيين وإضعاف مقاومتهم المحتملة لجهود الحكومة الفيدرالية في ترحيل المهاجرين.



إذا لجأ ترامب إلى تفعيل «قانون التمرد»، فإن خطر فقدان السيطرة على الأزمة سيكون كبيرًا جدًا، إذ إن قوانين مثل «قانون بوسي كوميتاتوس» التي وُضعت لحماية الدستور، تمنع صراحة استخدام القوات العسكرية في فرض الأمن الداخلي إلا في حالات استثنائية للغاية.

وقد سبق أن أبطلت المحاكم بعض إجراءات ترامب التي برّرها بالقول إن البلاد «تحت احتلال المهاجرين غير النظاميين». وإذا فُعل القانون، فقد يجد العسكريون أنفسهم أمام مأزق دستوري إذا طُلب منهم استخدام القوة ضد المدنيين، ما يثير تساؤلات حول قانونية الأوامر التي يتلقونها.

وفي هذه الحالة، قد يتدخل كلٌ من القضاء الفيدرالي والمحكمة الدستورية العليا بسبب أزمة محتملة بين الحكومة الفيدرالية والولايات حول حدود الصلاحيات والسيادة. ومن اللافت أن ترامب، رغم تهديده، لم يُقدم حتى الآن على تفعيل هذا القانون، في إشارة إلى أنه يعطي الأولوية حاليًا لحساباته السياسية.


تسعى إدارة ترامب، ضمن استراتيجيتها لمكافحة الهجرة غير الشرعية، إلى تأمين الميزانيات اللازمة لترحيل المهاجرين، وفي الوقت نفسه تتخذ خطوات لتقييد دخول الأجانب بطرق قانونية. فعلى سبيل المثال، صعّبت الإدارة إجراءات منح التأشيرات للطلاب الدوليين، مستهدفةً بشكل خاص الطلاب الصينيين.

كما نشرت الإدارة قائمة حظر سفر جديدة تطال غالبية الدول ذات الأغلبية المسلمة، وسعت للحد من قبول الأجانب في الجامعات المرموقة، لتؤكد رسالتها بأن أمريكا لن تفتح ذراعيها بعد الآن للأجانب. ولعل إخفاق الديمقراطيين في عهد بايدن في تأمين الحدود كان أحد أكبر أخطائهم، بل وربما السبب الرئيسي الذي أعاد ترامب إلى السلطة.

وقد نجح ترامب في تحويل هذا الفشل إلى أداة سياسية قوية؛ فهو لا يكتفي بالتركيز على «الهجرة غير الشرعية» بل يسعى أيضًا لتقييد الهجرة القانونية، ليبعث برسالة مفادها أنه حريص على حماية الأغلبية البيضاء في البلاد.

قد يكسب نهج ترامب الشعبوي والمتشدد في ملف الهجرة مزيدًا من المؤيدين، لا سيما في ضوء أعمال العنف التي شهدتها لوس أنجلوس، لكنه في الوقت ذاته قد يدفع ثمنًا باهظًا إذا خرجت الأمور عن السيطرة. كما أن تعمق الأزمة بين الحكومة الفيدرالية وولاية كاليفورنيا قد يثير استياء الجمهوريين أنفسهم، الذين يُعرف عنهم حرصهم على الحفاظ على حقوق الولايات.

وإذا تمكن ترامب من الحصول على ميزانية الترحيل التي يطلبها من الكونغرس، فقد يُخفّض منسوب التوتر لاحقًا ويتعاون مع الحكومات المحلية الأكثر استعدادًا للتنسيق، لكنه سيواصل بلا شك تصوير الديمقراطيين على أنهم يقفون في صف «الفوضى والهجرة غير الشرعية».

وفي المقابل، يحتاج الديمقراطيون إلى تجاوز مجرد تحدي ترامب بأسلوب نيوسوم، وأن يُقنعوا الشعب الأمريكي بأنهم ليسوا مع الفوضى ولا مع انهيار القانون والنظام، وإلا فإن ترامب سيواصل اللعب بورقة الهجرة التي يجيد توظيفها بمهارة.

#ترامب الشعبوي
#الشعبوية
#نيوسوم
#احتجاجات لوس أنجلوس
#الهجرة والعنف
#قوانين الهجرة الأمريكية
#ترامب