اختبار هارفارد أمام ترامب

01:081/06/2025, Pazar
تحديث: 30/06/2025, Pazartesi
قدير أوستون

تواصل إدارة ترامب حملتها ضد الجامعات الأمريكية النخبوية، متهمةً إياها بعدم مكافحة معاداة السامية بما يكفي، وممارسة التمييز تحت ستار برامج التنوع. فبعد أن ركّزت الإدارة سابقًا على جامعة كولومبيا وأعلنت عن إلغاء تمويل يقارب 400 مليون دولار، مع تعديل لوائح الاحتجاجات والسلامة داخل الحرم الجامعي، انتقلت الآن إلى جامعة هارفارد التي تواجه ضغوطًا أكبر؛ إذ أُعلن عن احتمال إلغاء منح أبحاث بقيمة 6 مليارات دولار، ثم مؤخرًا جرى الإعلان عن إلغاء عقود فيدرالية بقيمة 100 مليون دولار، وتعليق قدرة الجامعة على قبول

تواصل إدارة ترامب حملتها ضد الجامعات الأمريكية النخبوية، متهمةً إياها بعدم مكافحة معاداة السامية بما يكفي، وممارسة التمييز تحت ستار برامج التنوع. فبعد أن ركّزت الإدارة سابقًا على جامعة كولومبيا وأعلنت عن إلغاء تمويل يقارب 400 مليون دولار، مع تعديل لوائح الاحتجاجات والسلامة داخل الحرم الجامعي، انتقلت الآن إلى جامعة هارفارد التي تواجه ضغوطًا أكبر؛ إذ أُعلن عن احتمال إلغاء منح أبحاث بقيمة 6 مليارات دولار، ثم مؤخرًا جرى الإعلان عن إلغاء عقود فيدرالية بقيمة 100 مليون دولار، وتعليق قدرة الجامعة على قبول الطلاب الدوليين. هذا التصعيد ضد الجامعات التي يراها المحافظون معاقل لليبرالية يُظهر أنهم يسعون لفتح جبهة جديدة في حربهم الثقافية داخل الولايات المتحدة.


التعليم العالي كساحة جديدة للحروب الثقافية


في السياسة الأمريكية، تعد قضايا مثل الإجهاض وحق امتلاك السلاح والتنوع العرقي والجندري من أبرز عناوين «حروب الثقافة» التي تملك قدرة كبيرة على تعبئة الجماهير، وكانت دائمًا جزءًا محوريًا من استراتيجيات الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء.

وقد شكل قرار المحكمة الدستورية العليا في 2022 بإلغاء حكم «رو ضد ويد» المتعلق بالإجهاض نقطة تحول تاريخية في تلك الحروب، وهو إنجاز نُسب جزئيًا إلى ترامب بعد أن غيّر تركيبة المحكمة لصالح المحافظين. ومع ذلك، ولتجنب غضب الناخبات، لم يُرد ترامب التورط مجددًا في هذه القضية بشكل مباشر، فاتجه إلى ملفات أخرى، منها ملف التنوع في سياسات قبول الجامعات.


مع تزايد الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في الحرم الجامعي وما رافقها من ادعاءات بتعرض الطلاب اليهود للضغط والعنف، صوّرت جماعات مؤيدة لإسرائيل تلك الاحتجاجات على أنها أفعال معادية للسامية، ونجحت إلى حد كبير في كسب غطاء حكومي للتدخل.

ومع وعد ترامب أثناء حملته الانتخابية بترحيل بعض المتظاهرين، أصبحت الجامعات هدفًا مباشرًا، سواء عبر الضغط على برامج التنوع أو من خلال تشديد القوانين ضد الطلاب الأجانب. هكذا تحوّل التعليم العالي إلى ساحة جديدة لحروب الهوية والثقافة، يستهدف فيها المحافظون معاقل الفكر الليبرالي في أمريكا.


مقاومة هارفارد والطلاب الدوليون


حاولت جامعة كولومبيا الردّ على الضغوط التي مارستها إدارة ترامب بتهديدها بسحب التمويل الفيدرالي، من خلال التعهّد بمراجعة لوائحها الداخلية وسياساتها. وقد تعرّضت كولومبيا لانتقادات بأنها تحاول تلبية مطالب واشنطن، وأدّى ذلك خلال هذه العملية إلى استقالة أحد رؤسائها، لتُدار الجامعة الآن برئيس مؤقّت.

أما جامعة هارفارد، فقد أنشأت لجنة للتحقيق في مزاعم معاداة السامية وقدمت تقريرًا، لكنها فضّلت الرد على ضغوط إدارة ترامب عبر المسار القضائي، ما دفع الإدارة للرد بتعليق شهادتها الفيدرالية الخاصة بقبول الطلاب الدوليين كإجراء انتقامي. وقد حذّر رئيس جامعة هارفارد من أن سحب التمويل لا يضر الجامعة فحسب، بل يهدد أيضًا القدرات البحثية والابتكارية التي تُعد محرّكًا رئيسيًا للاقتصاد الأمريكي.


وبالنظر إلى الثقل المالي والبشري والقانوني الكبير لهارفارد، فمن غير المستبعد أن تحصل على حكم قضائي لصالحها، لكن التعليمات التي أصدرتها الحكومة الفيدرالية لجميع القنصليات بوقف مقابلات تأشيرات الطلاب الأجانب تشكل ضربة قوية لكثير من الجامعات الأمريكية، لا لهارفارد وحدها. فطلاب هارفارد الدوليون يشكلون حوالي 27% من إجمالي طلابها، وأغلبهم يدفعون الرسوم كاملة دون أي دعم، مما يعني أن فقدانهم سيؤثر بشكل حاسم على إيرادات الجامعة.

ولا تقتصر المخاطر على الجامعات الكبرى، بل تهدد أيضًا مئات الجامعات الصغيرة التي تعتمد بشدة على الرسوم الدراسية للطلاب الأجانب. لذا، قد تمارس تلك الجامعات ضغوطًا مكثفة على إدارة ترامب للتراجع عن هذا القرار أو تعديله جزئيًا، لكن من المرجح أن تواصل الإدارة استهداف الجامعات التي تعتبرها معاقل لليبراليين مثل هارفارد.


إن الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على الجامعات لحملها على التخلي عن سياسات التنوع وتقليص أعداد الطلاب الدوليين تكشف عن مساعٍ لإعادة صياغة التعليم العالي الأمريكي وفق رؤية قومية ومحافظة. فبعض الدوائر اليمينية ترى أن أمريكا «تسمر» ديموغرافيًا بسرعة مقلقة، ولذلك تسعى إلى التحكم في سياسات الهجرة والقبول الجامعي من أجل وقف هذا المسار.

وباستهداف الجامعات النخبوية التي تعتبر حصونًا للأفكار الليبرالية والتقدمية، فإن إدارة ترامب تُظهر استعدادها للتدخل في المناهج وسياسات القبول، بحجة أن سياسات التمييز الإيجابي تعني ظلم الطلاب البيض.


وبينما تملك جامعات كبرى مثل هارفارد الموارد والإمكانات لمقاومة هذه الضغوط قانونيًا وماليًا، فإن الجامعات الأصغر قد لا تدخل هذه المواجهة أصلًا. والنتيجة المرجّحة أن يصبح قطاع التعليم العالي في أمريكا أقل انفتاحًا وأقل تنوعًا، مما يضعف مكانة الجامعات الأمريكية في الريادة الأكاديمية عالميًا على المدى البعيد.

#احتجاجات الجامعات الأمريكية
#هافارد
#كولومبيا
#ترامب