حول رقصة الدب والتنين والفيل والذئب الرمادي

08:014/09/2025, Perşembe
تحديث: 28/09/2025, Pazar
سليمان سيفي أوغون

انهيار الاتحاد السوفييتي اعتُبر من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية انتصارًا مطلقًا. إذ لم يعد هناك أي عائق أمام هيمنتها العالمية. وبعد الحرب العالمية الثانية التي قامت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي بتأسيس توازن عالمي، لم يعد ثمة حاجة لاستمراره. لذلك أقدمت الولايات المتحدة، وبشكل منفرد، على هدم ذلك النظام الذي ساهمت هي نفسها في بنائه، ولكن بطريقة متوحشة. في الحقيقة، هذا التوحش لم يكن سوى تطبيق عملي للحلم القديم الذي راود النخبة الجديدة من المحافظين الجدد (النيوليبراليين الجدد)،

انهيار الاتحاد السوفييتي اعتُبر من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية انتصارًا مطلقًا. إذ لم يعد هناك أي عائق أمام هيمنتها العالمية. وبعد الحرب العالمية الثانية التي قامت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي بتأسيس توازن عالمي، لم يعد ثمة حاجة لاستمراره. لذلك أقدمت الولايات المتحدة، وبشكل منفرد، على هدم ذلك النظام الذي ساهمت هي نفسها في بنائه، ولكن بطريقة متوحشة.

في الحقيقة، هذا التوحش لم يكن سوى تطبيق عملي للحلم القديم الذي راود النخبة الجديدة من المحافظين الجدد (النيوليبراليين الجدد)، الذين بدأوا منذ أواخر السبعينيات يحلّون محل النخب التوازنية في أمريكا. فقد سعوا إلى تحقيق الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة. فالموارد المالية، والقوة العسكرية، والتفوق الثقافي والأيديولوجي كانت جميعها بيدها. فلماذا تتوقف إذًا؟ لقد سُحقت تحت أقدام الجنود الأمريكيين كل الأعراف الدولية التي كانت تعمل بشكل أو بآخر. وهكذا انزلق العالم بسرعة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها.


غير أن هذا كان منظورًا قصير النظر. لأن انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن فقط نتيجة التناقضات الداخلية للنموذج الشيوعي، بل كان، وربما بدرجة أكبر، ثمرة أزمة نظامية عالمية. فالنظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية كان يرتكز على قواسم مشتركة قوية. ولم يكن هناك في الجوهر صراع بين الرأسمالية والاشتراكية، بل كان الاتحاد السوفييتي يمثل الشكل الأكثر تصلبًا من الرأسمالية الموجَّهة بالدولة، وهو ما جعل الصراع يبدو وكأنه أيديولوجي. لكن جوهر النظام كان إعادة التوزيع. الفارق أن الكتلة الشيوعية جعلت إعادة التوزيع مرهونًا ببيروقراطية الدولة، بينما مثلت أوروبا الغربية في الستينيات نموذج "رأسمالية الرَّاين" (رأسمالية الدولة الاجتماعية) الأكثر مرونة، حيث كان التوزيع يُترك للتفاوض بين الطبقات. وهذا ما جعل الغرب أكثر ديمقراطية مقارنة بالشرق. أما في الولايات المتحدة نفسها، فقد كان "العهد الجديد – New Deal" يمثل نموذجًا آخر لرأسمالية الدولة.


النخب الأمريكية الجديدة رأت في انهيار السوفييت فرصة لتصفية أي نظام يقوم على الأولويات الاجتماعية والعامة. فارتبطت نزعة المحافظين الجدد المتطرفة بأطروحات النيوليبرالية، مما فاقم الفوضى أكثر. والنتيجة أن النخب الأمريكية تجاهلت حقيقة أن العملية التي أسقطت السوفييت لم تكن سوى أزمة نظامية ستضرب الولايات المتحدة نفسها عاجلًا أم آجلًا. وما نعيشه اليوم يكشف بمرارة ثمن هذا الإهمال.


ولأنني كتبتُ كثيرًا عن مسار الأحداث، فلن أعيد التفاصيل. لكن يكفي القول إن صعود الصين منذ السبعينيات وبروزها بنمو لا يمكن كبحه، نسف حسابات الولايات المتحدة. صحيح أن واشنطن لا تزال تمتلك قوة عسكرية هائلة، لكنها لم تعد قادرة على فرضها على العالم كهيمنة مطلقة. فروسيا، التي ورثت مكانة الاتحاد السوفييتي، أعادت التوازن النووي، بل وتجاوزت الولايات المتحدة بقدراتها الصاروخية الباليستية. أما الصين فتقترب يومًا بعد يوم من مستوى القدرات العسكرية الأمريكية. وهناك أيضًا واقع كوريا الشمالية. وبالنظر إلى كل هذا، فإن التفوق العسكري الذي كان أحد ركيزتي قوة الولايات المتحدة بدأ يتآكل إلى حدٍّ كبير. أما الركيزة الثانية، وهي التفوق المالي، فقد باتت موضع تساؤل شديد، خصوصًا مع صعود القوى الصاعدة في "شبه المركز العالمي". صحيح أن الهيمنة على الدولار لم تنهَر بعد، لكن محاولات الفكاك منها تزداد حدة، وتجد تشجيعًا في أطر مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، باعتبارها بدائل تاريخية.


الواقع أن الهيمنة الأمريكية تقترب تدريجيًا من نهايتها. فالولايات المتحدة عاجزة عن الرد اقتصاديًا وسياسيًا على صعود الصين. وإجراءات ترامب الجمركية لم تكن سوى محاولات عبثية زادت من أزمات واشنطن. وآخر مثال هو الرسوم الجمركية المفروضة على الهند، التي ارتدت بنتائج عكسية وأضرت بأمريكا أكثر مما أفادتها. لكن، هل من السهل على واشنطن تقبّل هذا التراجع؟ بالطبع لا. إذ لم يتبقَّ أمامها سوى خيار "إما كل شيء أو لا شيء": مواجهة الصين عسكريًا. أي أن العالم يسير بسرعة نحو حرب عالمية ثالثة.


أما الوجه الآخر للعملة، فهو أنني ألاحظ بروز رؤية تعتبر منظمة شنغهاي للتعاون أملًا للخلاص من هيمنة الولايات المتحدة التي أرهقت العالم. وهنا يطرح السؤال: هل يمكن أن يصنع "الدب" (روسيا)، و"الفيل" (الهند)، و"التنين" (الصين) عالمًا أكثر عدلًا؟ من الناحية العملية، تبدو العلاقة الأقوى بين "الدب" و"الفيل". أما بينهما وبين "التنين" فهناك تناقضات عميقة يصعب تجاوزها لبناء تحالف متماسك ضد "النسر" (الولايات المتحدة). ولا ينبغي أن ننسى أن لا "الدب" ولا "الفيل" ينويان الانفصال عن الغرب كليًا. وهناك أيضًا "الذئب الرمادي" (تركيا) الذي تربطه بالدب الروسي روابط تاريخية عميقة، لكنه في الوقت ذاته يرقص مع "التنين" و"النسر" معًا، وهو ما يجعله عاملًا مهمًا في إبقائه قريبًا من هذا المسار. كما أن هناك أذربيجان، التي تميل إلى "الفيل" بحذر، لكنها تقف إلى جانبه في ملفات مثل إسرائيل. والنتيجة أننا أمام شبكة معقدة ومتشابكة من العلاقات لا يمكن للروابط المرحلية أن تضمن مستقبلها.


الأخطر هو أن نتذكر أن القوة المحورية في منظمة شنغهاي هي "التنين" الصيني. فبينما يرفع خطاب المنظمة شعارات التعددية القطبية والتعاون المتبادل والعدالة والمساواة، فإن التجربة التاريخية للصين تظهر عكس ذلك تمامًا. فالصين لم تؤمن يومًا بعالم خارجها، وأينما دخلت لم تترك وراءها سوى استغلال ونهب بلا رحمة. أذكر أن اقتصاديًا بارزًا وصف أي علاقة اقتصادية مع الصين بأنها "إبادة اقتصادية".


اليوم، تحاول الصين الاقتراب من تركيا أيضًا. وهنا يجب أن نكون حذرين للغاية… حتى لا نهرب من المطر فنقع تحت البرد.

#الصين
#روسيا
#تركيا
#أمريكا
#الدب والتنين والفيل