أوضاع سوريا الراهنة

08:4319/10/2025, الأحد
تحديث: 19/10/2025, الأحد
طه كلينتش

كانت زيارتي لسوريا الأسبوع الماضي هي الرابعة منذ سقوط نظام البعث. كانت الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2024، في أجواء من البهجة والحماس التي رافقت “التحرير”. ثم حضرت في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2025 الرحلة الأولى للخطوط الجوية التركية التي استأنفت رحلاتها إلى دمشق بعد انقطاع طويل. وفي المرة الثالثة، كنت في دمشق لتصوير بعض الحلقات خلال شهر رمضان. في الرحلة الأولى، دخلتُ من معبر جيلفي غوزو الحدودي بتصريح خاص، ثم تابعنا الطريق من إدلب نحو الجنوب. وفي زيارة رمضان، سافرت من إسطنبول إلى

كانت زيارتي لسوريا الأسبوع الماضي هي الرابعة منذ سقوط نظام البعث. كانت الأولى في كانون الأول/ديسمبر 2024، في أجواء من البهجة والحماس التي رافقت “التحرير”. ثم حضرت في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 2025 الرحلة الأولى للخطوط الجوية التركية التي استأنفت رحلاتها إلى دمشق بعد انقطاع طويل. وفي المرة الثالثة، كنت في دمشق لتصوير بعض الحلقات خلال شهر رمضان.

في الرحلة الأولى، دخلتُ من معبر جيلفي غوزو الحدودي بتصريح خاص، ثم تابعنا الطريق من إدلب نحو الجنوب. وفي زيارة رمضان، سافرت من إسطنبول إلى بيروت جوًا، ثم تابعت الطريق برًّا. أما في الرحلة الأخيرة الأسبوع الماضي، فقد قطعتُ الأراضي السورية من الشمال إلى الجنوب عبر غازي عنتاب وكلس وأونجوبينار. وبالتالي شهدت في أربع رحلات مختلفة، ومن زوايا متنوعة مراحل النهوض المتدرّجة لبلد خرج من حرب مروعة ومدمّرة ويحاول الوقوف على قدميه مجددا.

أود أن أشارككم بعض الملاحظات حول النقاط التي لفتت انتباهي خلال زيارتي الأخيرة إلى سوريا الأسبوع الماضي:

ـ عند الدخول من الحدود البرية، لا تزال المعاملات تُنجز بالطريقة القديمة، بالورقة والقلم، نظراً لعدم استقرار أنظمة الحاسوب والأتمتة بعد. ولا بد لي من القول إن الموظفين السوريين كانوا في غاية اللطف والمساعدة. وبما أنني أعرف جيداً أيضاً موظفي البعث في سوريا القديمة، فقد كان الفرق بينهما مدهشاً ومفرحاً.

ـ من معرة النعمان وحتى ضواحي دمشق الخارجية، كانت آثار الحرب ترافقنا من حين لآخر. وفي سوريا مساحات شاسعة من الركام والدمار، وإعادة إعمارها تتطلب وقتًا طويلًا ورأس مال ضخمًا للغاية.

ـ أثناء زيارتنا، كان يجري بناء مجمّع ديني بجانب ضريح عمر بن عبد العزيز، وقد تولّت مؤسسة تركية مقرّها أنقرة تنفيذ المشروع. دعونا الله أن يظهر البناء منسجمًا مع البصمة العمرانية والألوان السائدة في المنطقة، وكررنا أمنيتنا بأن يُحافظ على قبر عمر بن عبد العزيز المتواضع كما هو دون تغيير.

ـ في زياراتي السابقة، كانت العديد من المواقع التاريخية في دمشق والمدن الأخرى مغلقة أمام الزوار. أما الآن، فقد لاحظت أن الجميع عادوا إلى مواقع عملهم، وفتحت الأبواب مجددا، وبدأت الحياة العلمية والثقافية تنتعش. فعلى سبيل المثال أُعيد افتتاح مدرسة الأمير جقمق المجاورة للجامع الأموي، بجمالها الأخاذ.

ـ في دمشق، لاحظت هذه المرة حياة مدنية للغاية. لا تزال نقاط التفتيش الروتينية والتدابير الأمنية قائمة، لكن ما كان يلفت نظري في زياراتي السابقة من “الشبان الثوار” يتجولون في الشوارع بالزي العسكري ويحملون الأسلحة، بدا الآن أنهم أصبحوا ضمن نظام وضوابط محددة.

ـ بسبب التدمير الشامل لخطوط نقل الطاقة والبنية التحتية جراء الحرب، فإن انقطاع الكهرباء والمياه لا يزال مستمرا في جميع مدن سوريا. ورغم محاولة تلبية احتياجات الكهرباء عبر المولدات أو أنظمة الطاقة الشمسية، إلا أن الشوارع في دمشق تبقى مظلمة تماماً ليلاً. وهذا الوضع وحده كافٍ للتعبير عن العبء الثقيل الذي تتحمله الإدارة الجديدة في سوريا.

ـ كانت حلب، آخر محطة في رحلتنا، المدينة التي تجلّت فيها التحديات التي تواجهها سوريا بوضوح تام. فحيَّا الأشرفية والشيخ مقصود في شمال حلب، يقعان تحت سيطرة قسد فعليًا. وقبل وصولنا بفترة قصيرة، اندلعت اشتباكات في المنطقة، وأغلقت بعض الشوارع الرئيسية المؤدية إلى مركز المدينة. كما أن مصادر النفط ومحطات الكهرباء والمياه تقع في مناطق قسد، وما زال تزويد حلب بالكهرباء والماء يتم في أيام وساعات محددة من الأسبوع.

ـ رغم كل ذلك، وجدت حلب نابضة بالحياة ومفعمة بالحيوية بشكل لافت. وقبل وقت قصير من وصولنا فُتحت قلعة حلب التاريخية للزيارة، وكانت محاطة بالركام من جميع الجهات. كان صعودي إلى القلعة بعد سنوات تجربة مثيرة للغاية. ومن أعلى القلعة، أدركنا بوضوح حجم الدمار. فموقع جامع الخسروية أول عمل لمعماري سنان في العالم العربي، أصبح الآن حفرة ضخمة، لقد آلمني هذا المشهد كثيراً.

ـ تعد حلب إحدى محطات طريق الحرير التاريخي، ويميل أهلها إلى التجارة بالطرق التقليدية المتوارثة عبر الأجيال. وقد لمسنا تأثير ذلك في حيوية الشوارع. على سبيل المثال، زرنا ورش إنتاج صابون الغار الجبيلي الشهير خلف جامع السفاحية. ووفقاً للمعلومات التي قدمها العاملون في المكان، لم يتوقف الإنتاج حتى أثناء الحرب. والآن، بدؤوا حتى بالتصدير إلى أوروبا.

سوريا درّة بلاد الشام، ومهد الحضارة الإسلامية، وأحد أثمن كنوز ذاكرتنا الإسلامية. ستظلين بإذن الله شامخة أبية إلى يوم القيامة، نسأل الله أن نراك في كل زيارة أكثر ازدهارًا وسرورًا.


#سوريا
#دمشق
#حلب
#الكهرباء
#المياه
#العالم العربي
#الحرب
#الثورة