الاتحاد الإسلامي والخلافة.. عودة النقاش في ظل مأساة غزة

08:2716/11/2025, الأحد
تحديث: 16/11/2025, الأحد
ياسين اكتاي

أثار عجزُ ملياري مسلم أمام الإبادة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزّة طوال عامين شكوكا وتساؤلاتٍ حول حقيقة وجود "العالم الإسلامي". فإذا كان مليارا إنسان غير قادرين على ردع العدوان الإسرائيلي المتغطرس والمتجاوز لكل الحدود، فكم يجب أن يكون عددهم؟ لا شك أن وجود ملياري إنسان بحد ذاته دليل واضح على أن الضعف أمام إسرائيل لا يعود إلى نقص في العدد. لقد أثبتت لنا غزة أن ما عجز عنه مليارا إنسان، قد فعله أربعون ألف مقاتل شجاع بسهولة أكبر. فقد استطاع هؤلاء المقاتلون ـ بعقولهم وصمودهم وشجاعتهم ومقاومتهم وبـ

أثار عجزُ ملياري مسلم أمام الإبادة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في غزّة طوال عامين شكوكا وتساؤلاتٍ حول حقيقة وجود "العالم الإسلامي". فإذا كان مليارا إنسان غير قادرين على ردع العدوان الإسرائيلي المتغطرس والمتجاوز لكل الحدود، فكم يجب أن يكون عددهم؟ لا شك أن وجود ملياري إنسان بحد ذاته دليل واضح على أن الضعف أمام إسرائيل لا يعود إلى نقص في العدد.

لقد أثبتت لنا غزة أن ما عجز عنه مليارا إنسان، قد فعله أربعون ألف مقاتل شجاع بسهولة أكبر. فقد استطاع هؤلاء المقاتلون ـ بعقولهم وصمودهم وشجاعتهم ومقاومتهم وبـ "صواريخ يس 105ـ أن يواجهوا قوة دولية كبرى شلّت ملياري مسلم ويذيقوها مر الهزيمة على مدى عامين كاملين من الصمود المسلّح. لقد أسقطوا أسطورة إسرائيل. ورغم حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل بكل غطرستها ووقاحتها لمدة عامين، فشلت في تحقيق أهم هدفين أعلنتهما منذ البداية: فلم تستطع استعادة الأسرى بالقوة، ولم تتمكن من القضاء على حركة حماس. إذ أُفرج عن الأسرى عبر اتفاق كانت حماس أحد طرافه، بينما استطاعت الحركة تعويض خسائرها بل استقطبت مقاتلين جدداً يفوق عدد من فقدتهم.

في المقابل، تحولت القضية الفلسطينية الآن إلى قضية عالمية وإنسانية. بينما غدت إسرائيل ذليلة ومنبوذة ومعزولة على مستوى العالم


بالطبع، الفضل في ذلك يعود إلى حماس

إلى حماس بمقاتليها الأربعين ألفًا، وإلى كتائب القسّام. فقد خضع الجميع خلال هذه المرحلة لاختبار حقيقي. كما أن العالم الإسلامي، الذي لم يفعل شيئًا وعجز عن فعل أي شيء أمام هذا العدوان الذي استهدف كرامته مباشرة، خضع أيضا لهذا الامتحان. ومن الطبيعي أن يكون أحد أهم التداعيات اللاحقة لـ "طوفان الأقصى" هو إثارة نقاش عميق ووعي حقيقي وتساؤلات حول ماهية العالم الإسلامي. فلو كان المسلمون متحدين هل كان من الممكن أن يحدث شيء كهذا في غزة، أو في أي مكان آخر يتعرض فيه المسلمون للظلم، بهذه السهولة؟ وهل كان العالم سيكتفي بالمشاهدة والصمت بهذه الراحة؟

ما لم يتوحّد المسلمون، فلن يكون لعددهم أي قيمة، سواء كانوا مليارين أو عشرين ملياراً.

إن الوعي السياسي في العالم الإسلامي كله بات اليوم يدور حول هذا السؤال وهذه الحقيقة. وهذا من شأنه أن يطلق بحثاً جاداً عن مخرج، وهو ما يحدث فعلاً. ففي قونيا، وفي أيام 28 شباط، حين شعرَت مؤسسات المجتمع المدني الإسلامية بأنّها مستهدفة في سياق عملية الانقلاب، اتخذت من تلك المحنة فرصةً لتوحيد الموقف والتكاتف معا ضد هذه الفتنة.


جولات الرؤية لدى مؤسسات قونيا

منذ ذلك اليوم وحتى الآن، تنظم هذه المنظمات في قونيا "جولات الرؤية" لمناقشة كل حدث يطال المسلمين. وتقوم بذلك شهرياً، كما تنظمه في شكل مؤتمر سنوي جامع. وفي الجولات الأولى حاولتُ قدر المستطاع تقديم بعض المساهمات المتواضعة. ومع مرور الوقت، لم تعد هذه الجولات محصورة في قونية، بل امتدت لتشمل كل تركيا، بل ونُظمت خارج البلاد أيضاً. وفي هذه الأيام، تُعقد "جولة لرؤية" في قزلجي حمام، تحت عنوان: "الاتحاد الإسلامي ومستقبل تركيا" تهدف إلى مناقشة حال العالم الإسلامي المتردي تجاه غزة، ومناقشة السياسات والحلول التي يجب طرحها إزاء ذلك.

وفي الحقيقة، فإن إلغاء الخلافة أطلق أدّى إلى سلسلة من الإجراءات والتدابير للسعي إلى ملء الفراغ الذي تركته عبر التاريخ. ورغم أن المسلمين أصبحوا بلا قائد يجمعهم بعد إلغاء الخلافة، إلا أن البحث عن كيان، أو جسد، أو هيئة تمثل الوحدة السياسية لجميع المسلمين أصبح أشد إلحاحا في هذا الوضع. وفي هذا الإطار، تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، أي بعد أربع سنوات بالضبط من إلغاء الخلافة، على يد حسن البنا وستة من رفاقه، وكان عمره آنذاك 22 عاماً. وسرعان ما اكتسبت هذه المنظمة طابعاً دولياً، ورغم أنها لم تتمكن من ضمان وحدة الدول الإسلامية، إلا أنها نجحت في تفعيل قناة دينية وعاطفية بين الشعوب المسلمة.

إن الزخم الذي حققته الحركة في وقت قصير نابع إلى حد كبير من قدرتها على الاستجابة للطلب الناشئ عن الفراغ الذي خلفه غياب الخلافة. وكذلك حققت "الجماعة الإسلامية" في شبه القارة الهندية قدرة مماثلة بنفس الرسالة.

ومن أهم القضايا التي عادةً ما تطرح في نقاشات الوحدة الإسلامية أو الخلافة هو أن الخلافة كانت مؤسسة سياسية أكثر من كونها دينية، وأنها تعرضت عبر التاريخ تحريفات سياسية. ومن هذا المنطلق، فإن الذين يصلون بسرعة إلى استنتاج أن الخلافة ليست ضرورية للمسلمين غالبًا ما يكونون بعيدين كل البعدعن قيم المسلمين ومعتقداتهم ومناخهم العاطفي. فالمسلم لا يمكن أن يتوصل أبدا إلى نتيجة تفيد بعدم لزوم الخلافة أو وجود كيان سياسي يمثل وحدة المسلمين بناءً على مثل هذه الاعتبارات. فحتى عندما نقرأ سورة الفاتحة وحدنا في صلواتنا، فإننا نخاطب الله بصيغة "نحن" وليس "أنا". وهذا الضمير "نحن" يشير إلى ضرورة الوحدة الإسلامية حتى على مستوى العقيدة والعبادة.

أما الأطروحة الثانية فتقدم أمثلة كثيرة تُفيد أن الخلافة لم يكن لها أي تأثير قبل إلغائها. ومثال ذلك الجنود الهنود المسلمون الذين أُحضِروا من الهند، التي كان من المفترض أن تكون موالية للخلافة، للقتال ضد الدولة العثمانية، أو بعض العرب الذين أصدروا فتاوى للجهاد لكنهم آثروا الانصياع للزعماء العرب الخونة بدلاً من الخلافة.

وبالطبع، هذه الأمثلة تصرف الانتباه ببراعة عن الأمثلة المعاكسة الأكثر وفرة. كالجنود الهنود في الجيش البريطاني الذين جُرّوا إلى الجبهات كجماعات عبيد مسخّرة لا خيار لها، وعند إدراكهم للأمر، أظهروا ولاءً للعثمانيين. كما أن تأثير خيانة بعض القادة العرب على سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها، لا يكاد يُذكر مقارنة بأخطاء وخيانات بعض الضباط العثمانيين. وفي الواقع، خطاب "الخيانة العربية" ليس أكثر من ذريعة تُستخدم باستمرار لإخفاء الخيانة الحقيقية أو الفضيحة أو الهزيمة، لدرجة أنك إذا بدأت في تقصي حقيقة هذا الأمر، ستجد نفسك مضطراً إلى إعادة كتابة التاريخ بأكمله.

استمرت "جولة لرؤية" في قزلجي حمام لأربعة أيام. وفي الجلسة الافتتاحية لليوم الأول أقمنا حلقة نقاش بعنوان "غياب الخليفة: أطول قرن على المسلمين"، وقد أجرينا خلالها محاولة لتأريخ هذا الوضع. فغياب الخليفة يُعد نقصًا بالطبع، وحالة غير طبيعية، ويشير إلى ظروف محددة جدًا تميز أسلوب وجود المسلمين اليوم عن تلك التي استمرت خلال 1300 عام من التاريخ الإسلامي.


ما هو تعويض غياب الخليفة؟

هل يتمثل هذا التعويض في تعيين خليفة جديد؟ خلال الجلسة التي أدارها فاروق قرا أصلان، ناقشنا مع المتحدثين الآخرين قدرت بلبل ووحيد الدين إيشيك، إمكانيات وشرائط إقامة اتحاد إسلامي في الظروف الراهنة. لقد مرت الكثير من الأحداث، وتغيرت الظروف بشكل جذري، وربما لم يعد تعيين خليفة في هذا الوقت ممكنا، لكن الوحدة الدينية والعاطفية القائمة بالفعل بين المسلمين، والراسخة في شعائر الله (كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والتوحيد، والقرآن، والقدس، وفلسطين، وغزة) يمكن تطويرها نحو وحدة سياسية عبر استكشاف إمكانيات اجتماعية وسياسية مختلفة. وقد فتحت أحداث السابع من أكتوبر آفاقًا جديدة لهذه الإمكانيات، وخلقت دافعًا، وأشعرتنا بالضرورة الملحة لذلك.

وبينما كنا نُلقي خطاباتنا وندرس هذه الإمكانيات على مقاعد المنصة، كانت أعيننا تقع باستمرار على لافتة تمتد على طول شرفة القاعة المقابلة، كُتب عليها:

"الوحدة الإسلامية.. مجد في الماضي وضرورة للمستقبل".


#الاتحاد الإسلامي
#الخلافة
#الدولة العثمانية
#تركيا
#غزة
#قونيا
#حماس