
- نحو 80 عائلة فلسطينية هجرت قسرا في الأيام الأخيرة، جراء تصاعد اعتداءات المستوطنين على التجمعات البدوية في الأغوار الفلسطينية - رئيس مجلس المالح والأغوار الشمالية، مهدي دراغمة،: الأوضاع في المنطقة صعبة للغاية والمستوطنون أغلقوا عدة مناطق في الأغوار الشمالية خاصة المراعي - سلمان أبو عواد من تجمع خربة "السمرا" في الأغوار الشمالية: الرحيل أصبح خيارا إجباريا من أجل الحفاظ على العائلات والثروة الحيوانية
مع تصاعد الاعتداءات التي يشنها مستوطنون تحت حماية الجيش الإسرائيلي خلال الفترة الأخيرة، هُجرت عشرات العائلات الفلسطينية قسرا من تجمعات بدوية في مناطق مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، وسط مخاوف من سرقة الأراضي لصالح مشاريع استيطانية.
ووفق بيانات صادرة عن مؤسسات حقوقية فلسطينية، فقد أُجبرت نحو 80 عائلة على الأقل على الهجرة خلال الأيام القليلة الماضية، عقب سلسلة هجمات نفذها مستوطنون بحق التجمعين البدويين المليحات في الأغوار الشمالية (شمال شرق)، والخان الأحمر في بادية القدس الشرقية (وسط)، وسط مطالبات بوقف هذه الاعتداءات.
وأكد فلسطينيون هُجروا قسرا من تجمعاتهم البدوية إنهم يواجهون مصيرا مجهولا في ظل تزايد حدة الاعتداءات الإسرائيلية بحقهم في إطار مساعٍ لتفريغ الأغوار من الوجود الفلسطيني لصالح تنفيذ مشاريع استيطانية.
ولا تنفصل هذه الاعتداءات عن المشهد العام في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث صعدت إسرائيل منذ بداية حرب الإبادة الجماعية بغزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، هجماتها على الضفة الغربية، حيث تشير أرقام هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التابعة لمنظمة التحرير إلى أن 30 تجمعا بدويا هُجر قسرا منذ ذلك الوقت.
** سباق محموم
والاثنين، قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، إن إسرائيل "تسابق الزمن من أجل الانقضاض على الجغرافيا الفلسطينية، وليس فقط لإقامة البؤر الاستيطانية أو تسمين المستوطنات".
وأضاف في مؤتمر صحفي عقده آنذاك: "الجملة غير المسبوقة من التشريعات والقرارات الصادرة عن حكومة الاحتلال، تستهدف جوهر الجغرافيا الفلسطينية ومكانتها".
وأوضح أن تلك التشريعات ومحاولة سلب الأراضي الفلسطينية والضم وفرض السيادة، تأتي بالتزامن مع "أخطر مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية".
وخلال النصف الأول من العام 2025، نفذ المستوطنون نحو ألفين و153 اعتداء، ما أسفر عن مقتل 4 فلسطينيين، وفق شعبان.
وتراوحت تلك الاعتداءات بحسب شعبان، بين "الهجوم على القرى الفلسطينية والاعتداء على المدنيين، وإحراق المنازل وأصحابها بداخلها، فضلا عن إطلاق النيرات، وإقامة بؤر استيطانية، إلى جانب السيطرة على أراض والاعتداء على الشوارع والمركبات، وشن هجمات منظمة وخطيرة".
إلى جانب ذلك، فقد أشار شعبان إلى أن المستوطنين أنشأوا منذ بداية العام الجاري نحو 23 بؤرة استيطانية معظمها "رعوية".
وأكد أن تهجير العائلات الفلسطينية من الأغوار الشمالية ومناطق (ج) بالضفة تأتي "ضمن خطة استعمارية أوسع، تنفذها حكومة الاحتلال الإسرائيلي".
وصنفت "اتفاقية أوسلو 2" الموقعة عام 1995 بين منظمة التحرير وإسرائيل أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية، و"ب" لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتقدر الأخيرة بنحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
** صمود ومخاوف
بدوره، قال رئيس مجلس المالح والأغوار الشمالية، مهدي دراغمة، إن الأوضاع في المنطقة "صعبة للغاية".
وأضاف للأناضول: "السكان يصرون على البقاء والصمود ولكن لديهم مخاوف من استمرار وتصاعد اعتداءات المستوطنين، الأمر الذي يهدد حياة أسرهم، ومصدر رزقهم".
وأفاد بأن المستوطنين أغلقوا عدة مناطق في الأغوار الشمالية خاصة المراعي أمام سكانها الفلسطينيين رغم أنها "ملكية خاصة".
وأكد دراغمة أن تلك الانتهاكات قيدت حركة الفلسطينيين إلى جانب الاقتحامات المتكررة والاعتداء على المنازل.
واستكمل قائلا: "بات المواطن لا يعرف النوم خشية من تنفيذ هجمات المستوطنين، وخشية من فقدان حياته أو حياة أفراد أسرته أو خسارة مصدر رزقه (تربية المواشي والزراعة)".
وأشار إلى وجود تبادل أدوار بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، حيث يمنع الفلسطيني من دخول المراعي بحجة أنها "مناطق عسكرية بينما يسمح للمستوطن باستثمارها".
ولفت إلى أن الفلسطيني يجبر على تقبل الاعتداءات الإسرائيلية وانتهاكات المستوطنين، لأنه إذا دافع عن نفسه وبيته يتعرض للاعتقال.
وقال دراغمة إن 50 عائلة فلسطينية رحلت من تجمعات الأغوار الشمالية جراء اعتداءات المستوطنين منذ 7 أكتوبر/ 2023.
** خيار إجباري
الفلسطيني سلمان أبو عواد من تجمع خربة "السمرا" في الأغوار الشمالية (شمال شرق)، قال إن المواطنين "باتوا بلا حيلة أمام تصاعد هجمات المستوطنين".
وبينما كان يحزم أمتعته للرحيل عن التجمع، مع عدد من العائلات أضاف في حديث للأناضول: "نعيش هنا معاناة يومية، قبل أيام حضر المستوطنون وأمهلونا 8 أيام للرحيل تحت تهديد السلاح وبحماية من الجيش".
وأكد أن الرحيل أصبح "خيارا إجباريا" من أجل الحفاظ على عائلاتهم وثروتهم الحيوانية التي يعتمدون عليها مصدرا للرزق، لافتا إلى أن الجيش سبق أن هددهم بمصادرة المراعي بعد تعرضها لسرقات من المستوطنين.
وعن الاعتداءات التي تعرض لها سكان التجمع، قال أبو عواد إن المستوطنين اعتدوا عليهم بالضرب في أحد الأيام، مؤكدا أن معاناتهم جراء ذلك "لا توصف".
وأشار إلى أن محاولة الفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم ضد اعتداءات المستوطنين، يقابلها الجيش بالاعتقال أو "بما هو أبشع من ذلك"، على حد قوله دون تفاصيل.
وشدد على أن حدة تلك الاعتداءات زادت منذ 7 أكتوبر 2023، سواء على صعيد اقتحامات المستوطنين للتجمعات، أو بمحاصرة منازلهم ومنعهم من الوصول للمراعي.
**"الحياة جحيم"
حال سكان تجمع خربة سمرا في الأغوار الشمالية لا يختلف كثيرا عن حال سكان المعرجات غربي مدينة أريحا شرقي الضفة الغربية، حيث أُجبرت 50 عائلة فلسطينية، الأسبوع الماضي، على الرحيل من مناطق سكنها.
والجمعة، قال المشرف العام لمنظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو (غير حكومية) حسن مليحات، في بيان، إن "50 عائلة من (تجمع) عرب المليحات، غادرت مضاربها قسرا جراء اعتداءات المستوطنين".
وبين أن التهجير جاء "بعدما نصب مستوطنون عددا من البؤر الاستيطانية، إحداها نُصبت بشكل مباشر أمام التجمع (في إشارة لتواجد البدو الفلسطينيين من عرب المليحات في مكان واحد)".
من جانبه، قال أحد سكان عرب المليحات في المعرجات، يدعى سليمان مليحات، للأناضول: "على مدار سنوات كنا خط الدفاع الأول عن الأغوار بصمود التجمعات البدوية في المناطق (ج)، وحمايتها من المستوطنين والتوسع الاستيطاني".
وأضاف: "منذ بدء حرب الإبادة أصبحت الحياة جحيما، تصاعدت اعتداءات المستوطنين، ووصلت إلى حد نصب خيام أمام المنازل، وسرقة الأغنام، فلم نعد آمنين في منازلنا، وكل ذلك يحدث تحت أعين الجيش الإسرائيلي وشرطته".
ويشكو مليحات الذي رحل إلى أرض وقفية قرب مدينة أريحا، من أن "البدو تُركوا دون مساندة في مواجهة عصابات المستوطنين المسلحين المدعومين من قبل قادة حكومتهم".
وأشار إلى أن 50 من أصل 85 عائلة من عرب المليحات رحلت من منطقة المعرجات غربي أريحا.
والاثنين الماضي، قالت منظمة "البيدر" إن 25 عائلة من تجمع "الخان الأحمر" غادرت قسرا جراء اعتداءات المستوطنين دون تحديد الوجهة، فيما أفادت مصادر حقوقية بأن عدد العائلات المُهجرة ارتفع إلى 30.
يأتي ذلك بينما ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق إبادة جماعية في غزة منذ أكثر من 21 شهرا، خلفت أكثر من 195 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.
وبالتوازي مع الإبادة بقطاع غزة، صعد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس، ما أدى إلى مقتل 994 فلسطينيا على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية