

منذ العصور القديمة لعبت المدينة دورًا محوريًا في التاريخ الإنساني من خلال مينائها التجاري المهم في المنطقة، وبفضل خصوبة أراضيها وانفتاحها على العالم المتوسطي.

تقع مرسين ضمن منطقة "الهلال الخصيب" المتمثل بحوض نهرَي دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام، وهو مصطلح جغرافي أطلقه عالم الآثار الأمريكي جيمس هنري برستد على الموقع.

تتميّز المدينة بكونها مركزًا تجاريًا مهمًا في شرق المتوسط، وتحتضن إحدى أغنى المحميات بالتنوع البيولوجي في تركيا، وهي محمية الطيور.

تقدّم المدينة التركية لزوارها تجربة سياحية متكاملة، تجمع بين الغنى التاريخي، والطبيعة الخلّابة، والمطبخ المحلي المتنوع بالنكهات التقليدية.

ومن أبرز معالمها التي تستحق الزيارة: كنيسة القديس بولس وبئرها، ودير ألاهان، وقلعة معمورة، وقلعة الفتاة، والمدينة الأثرية كوركوس، وأنيموريوم، ومقام النبي دانيال، ودير القديسة تقلا، ومنازل طرسوس القديمة، وباب كليوباترا، وغيرها.

العديد من هذه المعالم، مثل دير ألاهان، وكنيسة القديس بولس وبئرها، وقلعة معمورة، وقلعة الفتاة، مدرجة ضمن قائمة التراث المؤقت لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

يُعتقد أن القديس بولس وُلد وعاش في مدينة طرسوس، ويقع بئر كنيسة القديس بولس في فناء منزل يُرجّح أنه كان مسكنًا له، وتُنسب إلى مياهه خصائص علاجية وروحية.

تم ترميم الكنيسة، التي يعود بناؤها إلى حقبة غير محددة بدقة، وأُعيد افتتاحها كمتحف تذكاري عام 2001.

يقع دير ألاهان في منطقة "موت" على أحد سفوح جبال طوروس، ويُعدّ من الأماكن التي يُعتقد أن القديس بولس ورفيقه برنابا مرّا بها خلال رحلات التبشير الأولى.

يتميّز الدير بهندسته المعمارية التي تعكس ملامح الحقبة البيزنطية المبكرة، ويتألف من أطلال كنيستين، إحداهما مدمّرة.

أما قلعة معمورة الواقعة في منطقة "أنامور"، فترتفع شاهقة كحصنٍ يعود إلى القرن الخامس عشر، وهي مدرجة ضمن قائمة التراث المؤقت لليونسكو وتستقبل الزوار على مدار العام.

تقع قلعة الفتاة على جزيرة صغيرة قبالة ساحل مرسين، وتُعدّ إحدى أبرز رموز المدينة. يُعتقد أنها بُنيت عام 1199 بأمر من الملك ليون الأول، وتحمل في طيّاتها حكايات من العصرين اليوناني والعثماني.

تبعد القلعة نحو 600 متر عن الساحل، وأُدرجت على قائمة التراث المؤقت لليونسكو في عام 2014.
** المدينة الأثرية أنيموريوم
تقع المدينة الأثرية "أنيموريوم" شمال منطقة "أنامور"، ويعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
يُعتقد أن اسمها يعني بالإغريقية "المكان العاصف"، وقد حُصنت بأسوار في القرن الأول الميلادي، وشهدت فترة حكم إمبراطورية "كوماغيني"، وتضمّ آثارًا لأسوار، وحمامات، ومسرح روماني.
وفي حديث للأناضول، قال البروفيسور محمد تك أوجاق، المتخصص في علم الآثار بجامعة "سلجوق" التركية، إنهم يواصلون منذ عام 2016 أعمال الحفريات والترميم في إطار مشروع "إرث للمستقبل".
وبحسب أوجاق فإنهم يخططون لاستخدام تقنيات الواقع الافتراضي لإعادة إحياء الحياة اليومية القديمة، على غرار ما تم في موقعي "أفسس" و"غوبكلي تبه".
** مواقع دينية وتراثية
يحتضن موقع دير القديسة تقلا في "سليفكه" كهفًا يُعتقد أن القديسة تقلا احتمت فيه بعد لقائها بالقديس بولس، ويُعد من أقدم مواقع الحج المسيحية.
كما يُعتقد أن مقام النبي دانيال – الذي يُعرف اليوم باسم مسجد "المقام" – يضم قبر النبي دانيال، ويُشكل أحد المعالم الدينية المهمة في المدينة.
أما مدينة طرسوس، التابعة لولاية مرسين، فتمثل متحفًا مفتوحًا بحدّ ذاتها، وتضم أكثر من 300 منزل تاريخي من أصل 600، يعود أغلبها إلى الحقبة العثمانية، وتتميز بطراز معماري تقليدي من الخشب والطين، كما يُعد باب كليوباترا أحد أبرز معالمها.
تكوينات طبيعية فريدة
يمتد مضيق "آدم قايالار" بين الجبال، ويضم نقوشًا صخرية ترجع للقرن الثاني الميلادي تُصوّر مشاهد لطقوس دينية، ويُعد من المسارات الشهيرة لهواة المشي في الطبيعة.
فيما تُعتبر قلعة "سليفكه" من بقايا العصر البرونزي، وقد أُضيفت إليها لاحقًا عناصر معمارية رومانية.
أما مغارات "الجنة والجحيم" فتتميز بعمقها وتشكيلاتها الجيولوجية الفريدة، حيث تبلغ عمق مغارة "الجنة" نحو 128 مترًا، ويسهل الوصول إليها عبر ممر من 450 درجة.
** مطبخ متجذر بخصوبة المتوسط
وبخصوص حياة شعبها، يتمازج مطبخ مرسين في عمقه مع التربة الخصبة لحوض المتوسط، ليشكّل لوحة من النكهات الغنيّة التي تجسد مزيجا فريدًا بين الموروث المحلي والتنوّع الثقافي للمدينة، ويترك بأطباقه المتنوّعة، بصمةً مميزة في ذاكرة كل من يتذوّقه.
ومن بين أبرز الأطباق التي تتألق على موائد مرسين، التانتوني، الذي بات رمزًا من رموز المدينة، وهو شطيرة لحم تُقدَّم مشوية بتوابل خاصة مع الخضروات الطازجة.
ومن الأطباق الأخرى الكربج، وهي حلوى تقليدية تُزيّن موائد رمضان وتُحضَّر بمكونات مميزة.
أما الجزرية، فهي حلوى مصنوعة من الجزر بطريقة فريدة تعبّر عن الابتكار المحلي في تقديم الطعم الحلو بأسلوب خاص.
هذه النكهات، التي تحمل في تفاصيلها الطابع المحلي الأصيل، تعكس الغنى الكبير الذي تتميز به مرسين على مستوى فنون الطهي، مما يجعلها وجهة لروّاد السياحة ومحبي تذوق الأطباق التقليدية ذات الجذور العميقة.