الطفل رامز.. المساعدات استدرجته والاحتلال الإسرائيلي أسكت جوعه برصاصتين

15:2011/07/2025, الجمعة
الأناضول
الطفل رامز.. المساعدات استدرجته والاحتلال الإسرائيلي أسكت جوعه برصاصتين
الطفل رامز.. المساعدات استدرجته والاحتلال الإسرائيلي أسكت جوعه برصاصتين

كان يحلم بتناول البسكويت، لكن الجيش الإسرائيلي قتله برصاصتين في بطنه الجائع..

في الأول من يوليو/ تموز انطلق الطفل رامز مقداد من خيمته وسط مدينة غزة يلاحق أحد أحلامه البسيطة أملا بالحصول على طرد غذائي من "المساعدات" الأمريكية-الإسرائيلية المزعومة، لعله يسد رمق العائلة أو يجد بداخله قطعا من الشوكلاتة والبسكويت.

مدفوعا بالجوع والحرمان الشديد جراء التجويع الإسرائيلي، توجه رامز (14 عاما) صباح ذلك اليوم إلى نقطة توزيع المساعدات قرب محور "نتساريم" وسط قطاع غزة بعد إصراره على والده بالخروج باكرا على أمل أن يكونا من أوائل الواصلين للمنطقة ويحظيا بطرد غذائي.

لكن الأمر تحول إلى مأساة ووجع بعد أن عاد رامز من رحلته الطويلة المليئة بالتعب والخوف إلى عائلته جثة هامدة، بعد ساعات من إصابته برصاصتين إسرائيليتين في بطنه اخترقتا ظهره، لتسكتا جوعه إلى الأبد.

"رامز" أمضى ساعات شهيدا مجهول الهوية في وداي غزة، وإلى جانبه حقيبته التي حلم أن يملأها بالمواد الغذائية وقطع الشوكلاتة، وقد تلطخت بدمائه.

وخلال الأسابيع الماضية، تحولت نقطة توزيع المساعدات في محور "نتساريم" إلى "مصائد للموت" بعد استدراج الفلسطينيين المجوعين إليها وإطلاق النار عليهم بشكل مباشر وقصفهم بالصواريخ.

وحتى الاثنين، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إن حصيلة الذين قتلوا أثناء محاولتهم الحصول على "المساعدات الأمريكية الإسرائيلية" قرب مراكز التوزيع منذ 27 مايو/ أيار بلغ نحو 758 قتيلا وأكثر من 5 آلاف و5 مصابين.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بدأت تل أبيب وواشنطن منذ ذلك الوقت، تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، بحيث تجبر الفلسطينيين المجوعين على المفاضلة بين الموت جوعا أو برصاص الجيش الإسرائيلي.

وكشف جنود إسرائيليون أنهم يطلقون النار عمدا ووفقا لتعليمات قادتهم على الفلسطينيين العزل منتظري المساعدات الإنسانية قرب مواقع التوزيع، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى، وفق صحيفة "هآرتس" العبرية.

** الساعات الأخيرة

يستعيد نضال مقداد (37 عاما)، تفاصيل الساعات الأخيرة التي جمعته مع رامز قبيل استشهاده، مبينا أن ابنه طلي منه بإلحاح أن يتوجها باكرا إلى نقطة توزيع المساعدات بداعي أن أوائل الواصلين يحصلون على مساعدات لأنهم يتمكنون من الدخول إلى نقطة التوزيع.

بصوت متألم يقول للأناضول إن رامز توجه وحيدا إلى نقطة توزيع المساعدات في وقت مبكر مصطحبا معه حقيبة الظهر وكيس من القماش، إضافة إلى مبلغ مالي بسيطة كان قد ادخره سابقا من أجل الحصول على وسيلة نقل تقله إلى وسط القطاع.

وأوضح أنه اتفق مع رامز على الالتقاء حيث معصرة "أبو عودة"، والتي مكثا فيها خلال رحلتهم السابقة في الحصول على المساعدات من ذات النقطة.

** وضع مخيف

وصل نضال إلى المكان عصر ذلك اليوم، فوجد المنطقة تشهد توترا غير مسبوق بسبب كثافة القصف الإسرائيلي الذي لم تشهده المرات السابقة.

وتابع: "وتيرة الاستهدافات كانت عالية جدا حيث إطلاق النار المتواصل والقصف، لم أر مثل هذا التوتر من قبل".

حينها انتاب مقداد حالة من القلق على ابنه رامز بشكل خاص، وعلى كافة الفلسطينيين المجوعين الذين تجمعوا في المنطقة بشكل عام.

ومع الوضع الصعب، كان نضال يدرك أن رامز تقدم في الصفوف الأمامية من التجمعات لرغبته بالحصول على طرد غذائي ضمن أوائل الناس.

وتابع: "رامز طفل صغير بجسد ضعيف، غير قادر على مزاحمة التجمعات والشبان، لذلك قرر أيضا يومها التقدم لتجنب المزاحمة".

ودون سابق إنذار، بدأ الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار بكثافة تجاه جموع المجوعين، ما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات منهم.

وبعد فترة قصيرة، افتتح الجيش الإسرائيلي بوابة نقطة المساعدات فاندفع المجوعين نحوها بمن فيهم نضال وابنه الثاني، لكنهما لم ينجحا بالحصول على ما يسد رمق العائلة.

** "رامز شهيدا"

بعد ساعات من الانتظار والإنهاك والخوف، بدأ الأب رحلة البحث عن ابنه الذي اختفت آثاره ولم يتوجه إلى المكان المتفق على الالتقاء فيه.

حالة من القلق انتابت الوالد وهو يبحث في كل الأماكن المتوقعة ولم يجد فيها رامز، لكنه لم يتخيل أن الجيش الإسرائيلي استهدفه وقتله.

استبعد نضال ذلك الاحتمال رغم الوحشية التي أظهرها الجيش الإسرائيلي منذ بداية الإبادة، وذلك لأنه طفل وغير مسلح ولم يذهب للقتال إنما ذهب طلبا للطعام.

وأشار مقداد إلى أنه تلقى مكالمة هاتفية من شخص مجهول كان برفقة رامز، سبق أن أعطاه رقم هاتفه للتواصل معه.

وبحسب الوالد، فإن المتحدث قال في المكالمة: "للأسف رامز استشهد، وللأسف لم أستطع انتشاله، وبقي جثمانه تحت الوادي".

بداية، استنكر نضال مضمون الاتصال الذي صدمه، وسرعان ما انطلق بلا وعي يعتريه خوف وبكاء نحو وادي غزة لانتشال جثمان ابنه.

وتابع: "واصلت السير نحو الوادي رغم اعتراض المواطنين بسبب خطورة الميدان، كان الجيش الإسرائيلي يطلق النار على كل جسم متحرك".

ولدى وصوله عثر على 3 شبان يحملون جثمان طفل تأكد أنه رامز من الحذاء الذي كان يرتديه، وفق قوله.

وتابع بصوت مكلوم: "قبل وصولنا كان مكتوب عليه شهيد مجهول الهوية".

تساءل مستهجنا: "كيف يُقتل طفل بريء بعمر 14 عاما، بدم بارد؟" فهو لا يحمل سلاح إنما ذهب لجلب الطعام لعائلته مدفوعا بالجوع.

وذكر أن الأوضاع الصعبة أجبرتهم على الذهاب إلى مراكز توزيع المساعدات وسط انعدام أي مصدر دخل للعائلة والجوع الذي تعانيه.

وختم الوالد حديثه وهو يسقي نبتة نعناع كان رامز يعتني بها ويسقيها يوميا، وأوصى والدته قبل مغادرته بريّها.

** الحرمان سبب

بدورها، تقول والدة "أم نعيم"، إن رامز ذهب إلى نقطة توزيع المساعدات أملا بالحصول على قطعة شوكلاتة وبسكويت كأي طفل.

وذكرت أنه حينما سمع بوجود حصص من الحلوى بطرود المساعدات قرر الذهاب، مدفوعا بالحرمان الشديد بعدما تاقت نفسه لتذوقها.

وبيّنت أن قرار التوجه إلى تلك المناطق الخطيرة جاء بعدما ذاق رامز الجوع الشديد، حيث سألها في ذات المرات: "كم حجرا كان الرسول يربط على بطنه من الجوع؟".

وأضافت: "من الجوع، كان رامز يأكل الخبز المتعفن الذي كان الجيران يلقونه أو يستخدموه لإشعال النيران".

وذكرت أن رامز خاطر بنفسه من أجل جلب الطعام لكنه عاد جثة هامدة، ودون أن يحصل على شيء.

وأشارت إلى أنه أصيب برصاصتين دخلتا من بطنه وخرجتا من ظهره وأسفرتا عن مقتله، مؤكدة أن إطلاق النار صوبه كان بهدف القتل.

وأكملت الوالدة: "هذا الشعور (استشهاد ابنها) صعب، لكن عند الله يجد رامز الطعام الذي حرم منه، ويجد كل شيء جميل".

وهي تحمل حقيبته الملطخة بدمائه، قالت والدته إنه أخذها معه في رحلته قائلا: "أريد أن أملأها بالبسكويت والأكل والطحين".

ومنذ 2 مارس/ آذار تغلق إسرائيل معابر قطاع غزة بوجه جميع الإمدادات والمساعدات الإغاثية، ما أدخل نحو 2.4 مليون فلسطيني في حالة مجاعة.

وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 195 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين.

#إسرائيل
#تجويع
#غزة
#فلسطين
#قتل
#مساعدات أمريكية