"مسيرة المليون".. تجنيد الحريديم يكشف عمق انقسام المجتمع الإسرائيلي

08:5431/10/2025, Cuma
الأناضول
"مسيرة المليون".. تجنيد الحريديم يكشف عمق انقسام المجتمع الإسرائيلي
"مسيرة المليون".. تجنيد الحريديم يكشف عمق انقسام المجتمع الإسرائيلي

بحسب إعلام عبري ورؤى لكتاب إسرائيليين فإن الحدث كشف أيضا عن الانشغال بالمطلب الفئوي والانصراف عن فكرة الدولة والمصلحة الجمعية، إذ لم تخرج مظاهرة بهذا الحجم للمطالبة بإعادة الأسرى في قطاع غزة

شهدت مدينة القدس، الخميس، واحدة من أكبر المظاهرات التي نظمها مجتمع اليهود المتدينين المتشددين "الحريديم" منذ سنوات، احتجاجا على قانون التجنيد الإجباري، في حدث خلّف قتيلا وإصابات وتوترات إعلامية وسياسية.

وبحسب إعلام عبري ورؤى لكتاب محليين، فإن الحدث كشف عمق الانقسام بالمجتمع الإسرائيلي والانشغال بالمطلب الفئوي، والانصراف عن فكرة الدولة والمصلحة الجمعية، إذ لم تخرج مظاهرة بهذا الحجم للمطالبة بإعادة الأسرى من قطاع غزة.

ويواصل "الحريديم" احتجاجاتهم ضد الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي عقب قرار المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية) في 25 يونيو/ حزيران 2024، إلزامهم بالتجنيد ومنع تقديم مساعدات مالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها ذلك.

ووفقًا لقناة "12" العبرية، فقد قُتل فتى يبلغ من العمر 15 عاما إثر سقوطه من مبنى قيد الإنشاء خلال المظاهرة، ما أدى إلى وقف التجمع فورًا بأمر من المنظمين.

وأوضحت القناة أن آلاف المتظاهرين تسلقوا الرافعات والمباني المجاورة، فيما أعلنت الشرطة الإسرائيلية فتح تحقيق في الحادث.

وأضاف التقرير أن المظاهرة التي عُرفت باسم "تجمّع المليون ضد التجنيد" شارك فيها مئات الآلاف، وتسببت بإغلاق مؤقت للطريق رقم "1" الواصل بين تل أبيب والقدس لساعات طويلة، بالإضافة لإغلاق محطة القطارات المركزية "يتسحاق نڤون" أمام الركاب.

فيما أعلنت السلطات البلدية في القدس والمجالس الإقليمية المجاورة تعليق الدراسة والنشاطات العامة بسبب ما وصفته بـ"حالة الشلل التام" في المواصلات، وفق القناة.

وشهدت المظاهرة أيضًا أعمال عنف، إذ هاجم بعض المشاركين طاقم القناة "12" أثناء تغطيته المباشرة، كما أصيب شرطي بجروح متوسطة بعدما صدمته حافلة كانت متجهة إلى موقع الاحتجاج، بحسب هيئة البث الرسمية.

سياسيًا، سادت حالة من الغضب في أوساط الأحزاب الحريدية بعد قرار السلطات إغلاق محطة القطار قبل إعادة فتحها، حيث هدد منظمو المظاهرة "بشل البلاد" إذا لم تُلغَ القيود المفروضة على حركة الحافلات والقطارات، بحسب هيئة البث.

في المقابل، تظاهر عدد من جنود الاحتياط قرب موقع التجمع، رافعين لافتات تطالب بالمساواة في الخدمة العسكرية، حيث يرفضون منح الحريديم أي امتيازات تتعلق بالتجنيد من قبيل الإعفاء أو تقصير المدة أو غير ذلك.

وقال أحد المشاركين لقناة 12: "كما نحارب على الجبهات، نحارب اليوم على مستقبل الدولة"، مشيرًا إلى رفضهم لما وصفه بـ"الامتيازات الدينية الممنوحة (للحريديم) على حساب الأمن القومي".

وعن الموضوع، قال الكاتب شلوم يروشلمي، في مقال نشره موقع "زمان يسرائيل"، إن "القيادة الحريدية لا تدرك أن الواقع الإسرائيلي تغيّر"، وإن استمرارها في معركة رفض التجنيد هو "صراع خاسر على هوية الدولة".

وأضاف: "المظاهرة التي خطط لها الحريديم في القدس لا يمكن أن تأتي في توقيت أسوأ، بينما يُدفن جندي آخر من جنود الجيش (في إشارة إلى أن ملف قتلى الجيش جراء حرب غزة لم يغلق بعد)، يغلق عشرات الآلاف من الحريديم العاصمة ويقيمون صلاة جماعية ضد التجنيد".

وتابع يروشلمي: "حتى من دون شعارات سياسية، الرسالة واضحة: الفجوة بين المجتمع الحريدي وبقية الإسرائيليين تتعمّق أكثر من أي وقت مضى".

أما "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" (خاص) فاعتبر في مقال نشره على موقعه الإلكتروني، أن المظاهرة تعكس "أزمة هوية داخل المجتمع الحريدي نفسه".

وأشار إلى أن رفض التجنيد أصبح "رمزا لخوف الجماعة (الحريديم) من الاندماج في المجتمع المدني، أكثر من كونه موقفا عقائديا ضد الجيش".

وأردف: "وراء الشعارات التي تندد باضطهاد دارسي التوراة، يختبئ صراع أعمق: محاولة المجتمع الحريدي توحيد صفوفه وتعزيز هويته الجماعية التي تآكلت تحت ضغط الدعوات المتزايدة للاندماج في المجتمع الإسرائيلي".

ويشكل "الحريديم" نحو 13 بالمئة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة، مؤكدين أن الاندماج في المجتمع العلماني يشكل تهديدا لهويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم.

ويعلو صوت كبار الحاخامات، الذين ينظر إلى أقوالهم باعتبارها فتوى دينية "للحريديم"، بالدعوة إلى رفض التجنيد، بل و"تمزيق" أوامر الاستدعاء.

وعلى مدى عقود، تمكن اليهود "الحريديم" من تفادي التجنيد عند بلوغهم 18 عاما، عبر الحصول على تأجيلات متكررة بحجة الدراسة في المعاهد الدينية، حتى بلوغهم سن الإعفاء التي تبلغ حاليا 26 عاما.

وتتهم المعارضة الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالسعي لإقرار قانون يعفي "الحريديم" من التجنيد، استجابة لمطالب حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" اللذين انسحبا في وقت سابق من العام الجاري من الحكومة، لكنهما يستعدان للعودة فور إقرار قانون يلبي مطالبهما.

من جهتها، رأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في مقال تحليلي للكاتب ديفيد روزينبيرغ أن "الحريديم باتوا يواجهون ضغوطا متنامية من الدولة والرأي العام للانخراط في الخدمة العسكرية والمشاركة في سوق العمل".

واعتبر روزينبيرغ أن "الصراع الدائر يتجاوز قضية التجنيد ليعبّر عن توتر أعمق بين الدولة الحديثة والجماعات الدينية المحافظة".

وأضاف أن المظاهرة التي وُصفت بأنها "تجمّع المليون شكّلت محاولة من الحاخامات لإظهار وحدة الصف الديني في ظل الانقسامات الداخلية المتزايدة"، مشيرًا إلى تنامي أصوات شبابية حريدية تطالب بالانفتاح على التعليم والعمل.

وخلصت الصحيفة إلى أن "إسرائيل تقف أمام مفترق طرق بين الحفاظ على طابعها الديني من جهة، وفرض المساواة في الواجبات الوطنية من جهة أخرى، في وقتٍ يصعب فيه على الحريديم البقاء بمعزل عن التحولات الاجتماعية والسياسية المتسارعة".

#إسرائيل
#الحريديم
#الخدمة بالجيش الإسرائيلي
#القدس
#الكنيست
#بنيامين نتنياهو