
الباحثة الدكتورة ميشا إسلام من جامعة ساوثهامبتون البريطانية للأناضول: - غياب تعريف رسمي يجعل من الصعوبة إحصاء عدد الاعتداءات المرتكبة ضد المسلمين - لا يمكنك التعامل مع مشكلة لا تجرؤ على تعريفها - غياب الوضوح المفاهيمي يجعل المسلمين في بريطانيا أكثر هشاشة ويقوّض ثقتهم بالمؤسسات الرسمية
في ظل تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا، عاد الجدل حول تعريف مصطلح "الإسلاموفوبيا" (معاداة الإسلام) إلى الواجهة مجددا، بعدما قدّمت لجنة حكومية أخيرا تقريرها الأولي بشأن صياغة تعريف رسمي طال انتظاره لسنوات.
وفي هذا التقرير التوثيقي، الذي يأتي ضمن سلسلة من 3 تقارير، ترصد "الأناضول" جذور الخلاف حول تعريف "الإسلاموفوبيا" ومساره السياسي والاجتماعي في بريطانيا.
وفي 28 فبراير/ شباط الماضي، شكلت الحكومة البريطانية لجنة إعداد تعريف واضح لمصطلح "الإسلاموفوبيا"، وضمت في عضويتها ممثلين عن الجاليات المسلمة وأكاديميين وخبراء مستقلين.
وتتولى اللجنة، برئاسة النائب المحافظ السابق دومينيك غريف، مهمة إعداد تعريف لمصطلح "الإسلاموفوبيا" يُسهم في توحيد المواقف وإنهاء الجدل المستمر منذ عقود بين الأحزاب السياسية والمجتمع المسلم حول المفهوم.
وقدمت اللجنة تقريرها الأولي إلى الحكومة الشهر الماضي، بينما تواصل السلطات دراسة مضمونه قبل الإعلان عن الصيغة النهائية.
ووفق بيانات وزارة الداخلية البريطانية الأخيرة، شهدت إنجلترا وويلز ارتفاعا بنسبة 20 بالمئة في الجرائم التي تستهدف المسلمين خلال العام الماضي، لتصبح الجالية المسلمة، وهي ثاني أكبر جماعة دينية في البلاد بعد المسيحيين، الأكثر تعرضا للجرائم الدينية والعرقية.
ظهر أول مرة عام 1997
يُستخدم مصطلح "الإسلاموفوبيا" في بريطانيا، لوصف الأحكام المسبقة تجاه الإسلام والمسلمين وتأثيراتها الاجتماعية، وقد دخل التداول العام لأول مرة عام 1997، عبر تقرير لمؤسسة "رَنيميد ترَست" المناهضة للعنصرية بعنوان "الإسلاموفوبيا: تحدٍ لنا جميعا".
وعرّف التقرير المصطلح حينها بأنه "عداء غير مبرر تجاه الإسلام وما ينتج عنه من ممارسات تمييزية"، بينما أصدرت المؤسسة في 2017 تعريفا محدَّثا يربط الإسلاموفوبيا بالعنصرية ضد المسلمين، بدلا من مجرد التحيز الديني.
وفي 2018، اقترحت مجموعة برلمانية مشتركة في مجلس العموم تعريفا آخر للمصطلح بوصفه "شكلا من أشكال العنصرية الموجهة ضد التعبيرات أو المظاهر المرتبطة بالإسلام"، ودعت إلى اعتماده قانونيا.
وقد تبنت التعريف بعض البلديات والجامعات وحزب العمال المعارض، فيما رفضته الحكومات المحافظة المتعاقبة، ما أبقى الخلاف قائما حتى اليوم.
المسلمون يدعمون التعريف الرسمي
وترى المنظمات الإسلامية في بريطانيا أن وجود تعريف رسمي للإسلاموفوبيا "ضرورة لحماية المسلمين ومكافحة التمييز ضدهم"، حتى وإن كان المصطلح ذاته غير مثالي لغويا.
ويشير باحثون إلى أن كلمة "فوبيا" (الرُهاب) لا تعبّر بدقة عن طبيعة الظاهرة، لأنها تتجاوز الخوف الفردي إلى ممارسات اجتماعية ممنهجة تشمل التمييز المؤسسي والإعلامي، والاعتداءات الجسدية واللفظية، والمحتوى المعادي على الإنترنت.
تزايد جرائم الكراهية
وبهذا الخصوص، قالت الباحثة الدكتورة ميشا إسلام من جامعة ساوثهامبتون البريطانية للأناضول إن "الخلاف حول تعريف الإسلاموفوبيا يعود إلى سببين رئيسيين، أولهما الجدل المتكرر حول حرية التعبير".
أما السبب الثاني، فهو ما يسمى بالمفارقة الإسلاموفوبية، إذ إن غياب تعريف واضح للإسلاموفوبيا بحد ذاته يُعدّ سلوكا إسلاموفوبيا، حسب المصدر نفسه.
وأردفت: "رغم الزيادة الملحوظة في جرائم الكراهية ضد المسلمين، لم يحصلوا بعد على أي ضمانات حقيقية. العام الماضي شهد تسجيل أعلى معدلات لتلك الجرائم، ومع ذلك لا نزال ننتظر تعريفا وعدت به الحكومة منذ عام 2019. هذا التأخير يُظهر أن المشكلة ليست فقط في التطبيق، بل في الإرادة السياسية".
لا يمكنك معالجة ما لا تجرؤ على تسميته
وأوضحت الباحثة أن غياب تعريف رسمي يجعل من الصعوبة إحصاء عدد الاعتداءات المرتكبة ضد المسلمين.
واستشهدت إسلام بتصريح سابق للبارونة سعيدة وارسي (أحد أعضاء مجلس اللوردات وأول وزيرة مسلمة في بريطانيا)، يفيد بأنه "لا يمكنك التعامل مع مشكلة لا تجرؤ على تعريفها".
كما سلطت الضوء على أن غياب الوضوح المفاهيمي يجعل المسلمين في بريطانيا أكثر هشاشة ويقوّض ثقتهم بالمؤسسات الرسمية.
وأضافت أن كثيرا من الحوادث لا يجري الإبلاغ عنها وبالتالي لا يجري تسجيلها، ما يُضعف الإحصاءات الرسمية ويحدّ من قدرة السلطات على مكافحتها.
وترى إسلام أن الاعتداءات اللفظية والجسدية ضد المسلمين في الشوارع والمساجد، إلى جانب تصاعد أنشطة اليمين المتطرف، أصبحت "واقعا يوميا في حياة البريطانيين المسلمين".
وأكدت أن اعتماد تعريف رسمي سيكون بمثابة "إعلان تضامن من الدولة والمجتمع مع المسلمين وإثبات للجدية في مواجهة الكراهية".
الكراهية الفردية والتمييز المؤسسي
ولفتت الباحثة إلى أن أي تعريف فعّال للإسلاموفوبيا ينبغي أن يشمل البعدين الفردي والمؤسسي للظاهرة.
وشددت على أن الكراهية الفردية تعبر عن الإهانات والاعتداءات المباشرة، أما الإسلاموفوبيا فهي بنية اجتماعية أعمق ذات طابع منهجي.
وختمت إسلام بالقول: "يجب أن يتضمن التعريف كلا من السلوكيات الفردية والتمييز المنهجي داخل المؤسسات، لأن آثارها على حياة المسلمين اليومية ملموسة جدا.. هذا التمييز المزدوج، الفردي والبنيوي، هو الذي يتيح لنا فهم الظاهرة ومعالجتها بفعالية أكبر".






