
فرنسا تشهد واحدة من أكثر القضايا صدمة في السنوات الأخيرة.
فجّرت تحقيقات قضائية في فرنسا واحدة من أكثر القضايا صدمة في السنوات الأخيرة، بعد أن تقدمت أكثر من 240 امرأة بشكاوى تتهم مسؤولًا حكوميًا رفيعًا سابقًا بتخديرهن سرًا خلال مقابلات عمل، باستخدام مواد مدرّة للبول، بهدف تعريضهن لحالات إذلال جسدي ونفسي.
وتخضع القضية لتحقيق قضائي منذ عام 2019، بعد الاشتباه في تورط المسؤول السابق في وزارة الثقافة، كريستيان نيغر، في تقديم مشروبات ساخنة لضحية تلو الأخرى بعد خلطها بمادة دوائية ممنوعة تؤدي إلى فقدان السيطرة على الحاجة إلى دخول الحمام، في ظروف وصفها محامو الضحايا بأنها اعتداءات قائمة على السيطرة والإذلال.
بداية القصة… مقابلة تحولت إلى كابوس
تعود أولى الوقائع المُبلّغ عنها إلى عام 2015، حين تلقت خبيرة التسويق سيلفي ديليزين دعوة عبر منصة “لينكدإن” لإجراء مقابلة عمل في مقر وزارة الثقافة قرب متحف اللوفر في باريس. وبينما كانت تبحث عن فرصة عمل جديدة، لم تكن تتوقع أن تتحول المقابلة إلى تجربة صادمة غيّرت مجرى حياتها.
بعد قبولها فنجان قهوة خلال اللقاء، اقترح المسؤول مواصلة الحديث أثناء نزهة خارج المبنى. ومع مرور الوقت، بدأت تشعر بتدهور مفاجئ في حالتها الصحية، وتسارع في ضربات القلب، وتعرّق شديد، مع حاجة قهرية إلى دخول المرحاض. وبحسب إفادتها، تجاهل الرجل طلبها التوقف، واستمر في السير لمسافة طويلة بعيدًا عن أي مرافق صحية.
وفي لحظة عجز تام، اضطرت المرأة إلى قضاء حاجتها في مكان عام تحت الجسر، في حادثة وصفتها لاحقًا بأنها “ذروة الإهانة والانكسار”. وبعد عودتها إلى منزلها، عانت من عطش غير طبيعي وتورّم شديد في القدمين.
اكتشاف مرعب بعد سنوات
لأعوام طويلة، حمّلت ديليزين نفسها مسؤولية ما حدث، واعتبرت أنها “فشلت في المقابلة”، ما دفعها إلى الانسحاب تدريجيًا من سوق العمل. لكن في عام 2019، تلقت اتصالًا من الشرطة أبلغوها فيه بأنها كانت واحدة من عشرات النساء اللواتي وُثقت أسماؤهن في ملف إلكتروني عُثر عليه بحوزة المتهم، تحت عنوان “التجارب”، يتضمن توقيتات حالات التخدير وردود فعل الضحايا، إضافة إلى صور لأجزاء من أجسادهن.
لاحقًا، شُخّصت ديليزين باضطراب ما بعد الصدمة، مؤكدة أن انتظار المحاكمة طوال هذه السنوات فاقم من معاناتها النفسية.
ضحايا من مدن مختلفة… والأسلوب نفسه
ضحايا أخريات قدمن روايات متشابهة. إحداهن، كانت تبلغ 28 عامًا، قالت إنها تلقت مشروبًا من المتهم خلال مقابلة عمل عام 2011، قبل أن يُجبرها على التنقل سيرًا نحو ضفاف نهر السين رغم حاجتها الملحّة إلى دخول الحمام. وأكدت أنها شعرت بالدوار والإغماء، واضطرت لاحقًا إلى الدخول إلى مقهى بعد أن لم تعد تحتمل الوضع.
وتكررت الوقائع نفسها مع امرأة ثالثة في مدينة ستراسبورغ عام 2017، حيث استمرت المقابلة لساعتين في الهواء الطلق، رغم تدهور حالتها الصحية ومنعها من دخول أي مرحاض.
قضية “الإخضاع الكيميائي” تعود للواجهة
القضية أعادت إلى الواجهة في فرنسا مصطلح “الإخضاع الكيميائي”، وهو استخدام مواد مخدّرة أو مؤثرة نفسيًا للسيطرة على الضحايا، وهو المصطلح الذي برز بقوة بعد محاكمة جيزيل بيليكو الشهيرة.
ورغم عزل المتهم من الخدمة الرسمية منذ 2019، فإن الضحايا يؤكدن أن بطء الإجراءات القضائية ألحق بهن أذى نفسيًا مضاعفًا، معتبرات أن العدالة المتأخرة أصبحت مصدر إيذاء ثانٍ.
انتقادات للنظام الإداري
نقابة العاملين في قطاع الثقافة اتهمت الوزارة بالتقصير، معتبرة أن هناك “خللًا مؤسسيًا” سمح لمسؤول رفيع بممارسة هذه الانتهاكات على مدى عشر سنوات، فيما أكدت وزارة الثقافة من جهتها التزامها بمكافحة التحرش ودعم الضحايا.
رسالة الضحايا
اليوم، وبعد مضي سنوات على بداية القضية، تقول إحدى الضحايا: “أولويتي الوحيدة ألا يتكرر هذا مع أي امرأة أخرى”. وبينما ينتظر الجميع موعد المحاكمة، تبقى القضية ملفًا مفتوحًا في الذاكرة الفرنسية، يعكس خطورة الاعتداءات التي تُرتكب تحت غطاء السلطة والثقة الوظيفية.






