
القارة العجوز تعيش مزيجًا من الخوف من الحرب والاعتماد الحذر على الولايات المتحدة وسط اضطراب جيوسياسي متنامٍ.
تكشف نتائج استطلاع رأي أُجري في تسع دول أوروبية عن تحوّل عميق في المزاج العام داخل القارة، حيث عبّر نحو نصف المشاركين عن اعتبارهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب “عدوًا لأوروبا”، في وقت تتزايد فيه المخاوف من حرب محتملة مع روسيا، وتتراجع الثقة بقدرة الدول الأوروبية على الدفاع عن نفسها.
الاستطلاع الذي أجرته منصة النقاش السياسي الأوروبية بالتعاون مع مؤسسة كلاستر 17 شمل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا وبلجيكا وهولندا والبرتغال وكرواتيا، وأظهر صورة قاتمة لواقع أوروبي يتسم بالقلق والتوتر وانعدام الإحساس بالأمان.
وأفاد 48% من المشاركين بأنهم يرون ترامب خصمًا صريحًا لأوروبا، مع أعلى نسب في بلجيكا (62%) وفرنسا (57%)، مقابل نسب أقل في كرواتيا وبولندا. ويرى القائمون على الاستطلاع أن “الترامبية” باتت تُنظر إليها كقوة تهديد حقيقية للمشروع الأوروبي، وسط تراجع واضح في عدد من يصنفون العلاقة مع ترامب على أنها “محايدة”.
في المقابل، لا يزال الأوروبيون يدركون الأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع الولايات المتحدة، إذ اعتبر 48% منهم أن الخيار الأنسب للتعامل مع واشنطن هو “التسوية والتفاهم”، رغم التوجس المتزايد.
أما على صعيد الأمن، فأظهرت النتائج أن 51% من المستطلَعين يعتقدون أن خطر اندلاع حرب مفتوحة مع روسيا خلال السنوات المقبلة مرتفع، بينما يرى 18% أن هذا الخطر “مرتفع جدًا”. وتتصدر بولندا هذه المخاوف بنسبة 77% بسبب قربها الجغرافي من روسيا، في حين تنخفض النسبة في البرتغال وإيطاليا.
الأخطر من ذلك أن 69% من المشاركين عبّروا عن اعتقادهم بعدم قدرة جيوش بلدانهم على الدفاع عنها في حال وقوع حرب مع روسيا. وحتى في فرنسا، الأكثر ثقة نسبيًا، لم تتجاوز نسبة الواثقين بالقدرة الدفاعية 44%.
ويرى مراقبون أن هذه المخاوف تعكس دخول أوروبا مرحلة جديدة من الاضطراب الجيوسياسي، خاصة في ظل التصعيد المستمر من جانب القيادة الروسية وعلى رأسها فلاديمير بوتين، الذي يلوّح باستعداد بلاده لأي مواجهة إذا فُرضت عليها.
في السياق نفسه، أظهر الاستطلاع أن الإحساس بالخطر لا يقتصر على التهديدات العسكرية فقط، بل يشمل الأمن التكنولوجي والرقمي وأمن الطاقة والغذاء. واعتبر 28% أن الفضاء الرقمي يمثل التهديد الأبرز، يليه الخطر العسكري بنسبة 25%.
ورغم هذا القلق، لا يزال الدعم للاتحاد الأوروبي قويًا، إذ عبّر 74% من المشاركين عن رغبتهم في بقاء بلدانهم ضمن الاتحاد، مع تسجيل أعلى نسب التأييد في إسبانيا والبرتغال، وأقلها في فرنسا وبولندا.
وبشأن بريطانيا، أجمعت الغالبية على أن خروجها من الاتحاد الأوروبي كان قرارًا خاطئًا، إذ رأى 63% أن بريكست ألحق ضررًا بالمملكة المتحدة.
وأخيرًا، ترسم نتائج هذا الاستطلاع صورة لقارة فقدت جزءًا كبيرًا من شعورها بالأمان، وتعيش بين خوف من الحرب، وارتباك في التحالفات، وتمسّك بمشروع الاتحاد كملاذ أخير في عالم يزداد اضطرابًا.






