تركيا أمسكت بالتاريخ والجغرافيا والغرب من شريانها الرئيسي.. هذا هو عنوان المعجزة.. هذا النهر سيحملنا إلى المحيطات.. هناك عقبة واحدة فقط، وسنتجاوزها.. مماطلة تنظيم واي بي جي الإرهابي ستنتهي"القاعدة الإسرائيلية" ستُغلق

08:4727/05/2025, الثلاثاء
تحديث: 29/05/2025, الخميس
إبراهيم قراغول

يجب أن نستمر في الكتابة والتحدث بإصرار، وفي إعداد تركيا لهذا المستقبل، وأن نبقي هذا المنعطف التاريخي في مقدمة وعينا كأهم قضية. مهما كانت اتجاهات النقاشات اليومية، ومهما كانت طبيعة الصراعات الداخلية، ومهما كانت الخطط الرامية إلى إشغال تركيا، يجب أن نواصل الاستثمار في هذا الصعود التاريخي والجغرافي الجديد، وأن نسهم فيه ولو بجملة واحدة. نحن، حتى وإن بدت حساباتنا الشخصية وأعمارنا مجرد تفاصيل صغيرة في هذا التحول التاريخي العظيم، يجب أن نتجاوز الأنانية وأن نواصل السعي لنكون من صانعي المستقبل. يجب أن نشارك

يجب أن نستمر في الكتابة والتحدث بإصرار، وفي إعداد تركيا لهذا المستقبل، وأن نبقي هذا المنعطف التاريخي في مقدمة وعينا كأهم قضية.

مهما كانت اتجاهات النقاشات اليومية، ومهما كانت طبيعة الصراعات الداخلية، ومهما كانت الخطط الرامية إلى إشغال تركيا، يجب أن نواصل الاستثمار في هذا الصعود التاريخي والجغرافي الجديد، وأن نسهم فيه ولو بجملة واحدة.


نحن، حتى وإن بدت حساباتنا الشخصية وأعمارنا مجرد تفاصيل صغيرة في هذا التحول التاريخي العظيم، يجب أن نتجاوز الأنانية وأن نواصل السعي لنكون من صانعي المستقبل. يجب أن نشارك في حمل العبء الذي تتحمله الدولة ومؤسساتها، وأن نشعر، على المستوى الفردي، بمسؤوليتنا تجاه التاريخ والوطن والأمة.


تركيا أمسكت بالتاريخ والجغرافيا من شريانها الرئيسي


لقد أمسكت تركيا بالتاريخ من شريانه الرئيسي. وأمسكت بمستقبل الجغرافيا الجديدة من شريانها. وأمسكت بالغرب، الذي نهب منطقتنا ومزّقها على مدار قرنين، من شريانه الرئيسي.


ما تشهده تركيا اليوم، وما تشارك فيه بشكل مباشر؛ من كل مأساة، وكل نجاح، وكل انتصار أو مبادرة، بات قريباً منا بقدر قرب شريان الحياة. لقد اندمج في جيناتنا السياسية.


لقد بدأ زمن لا يمكن أن نبقى فيه على الهامش. هناك قوة تتشكّل، لا تسمح لنا بالابتعاد عن أي شيء. لم يعد أمامنا خيار سوى أن نكون في قلب هذا العالم.


التاريخ والجغرافيا أيضاً أمسكا بتركيا من شريانها الرئيسي


لن يعود ممكناً أن نبتعد عن هذا العالم، أو أن نبقى خارجه. لن يكون أمامنا خيار لنقول: "ما علاقتي؟" أو "لا يعنيني"، أو لنصدق أن العالم ينتهي عند حدود خريطتنا الوطنية.


كما أن تركيا اتجهت نحو مجال قوة، وكما أمسكت بالتاريخ والجغرافيا من شريانهما، فإن التاريخ والجغرافيا أيضاً أمسكا بتركيا من شريانها الرئيس. هذا هو الموقع الحقيقي للمعجزة. هنا هو ملتقى النهرين. هنا اجتمعت ذاكرة الشعوب والمدن والأنهار والدول في نقطة واحدة.


خلال ألف عام، عايشنا ثلاث صدمات كبرى، ورددنا عليها بإمبراطوريتين. والموجة الثالثة بدأت، وما يجري الآن هو هذا بالضبط!


لقد شهدنا سابقاً كيف أن هذا التلاقي غيّر مجرى العصور. وسنشهد ذلك مرة أخرى. كما ظهر تقاطع تاريخي عند تأسيس السلاجقة، وعند قيام الدولة العثمانية، فإن التاريخ يعيد نفسه للمرة الثالثة اليوم، وتتشكّل وحدة في العنوان والمصير.


عشنا ثلاث صدمات كبرى خلال ألف عام. ورددنا عليها بإمبراطوريتين عظميين. بصعودين تاريخيين كبيرين. لكن وقت الصعود الثالث لم يكن قد حان بعد، وكنا ننتظر حدوثه.


أما الآن، فهو زمن بدء مرحلة النهوض الثالث بعد الصدمة الثالثة الكبرى. ولعل الوقت قد حان لتحقيق قفزة في القوة أعظم من كل ما سبق. لقد آن الأوان لأن تكون السياسة والدولة والاقتصاد والمؤسسات ورأس المال والبيئة الثقافية والمجتمع مستعدين لذلك، وأن يكدسوا طاقاتهم في هذا الاتجاه.


الأعظم، والأكثر زلزلة، سيحدث في القرن الحادي والعشرين…


انظروا إلى تاريخ البشرية، كل شيء يحدث بسرعة


أولئك الذين يظنون أن هذه مجرد أحلام أو أوهام مثالية، سيصطدمون بخيبة الأمل. سيتعرضون لانفصال عن الواقع، وعن التاريخ، وعن الجغرافيا.


يجب على من يفكرون بهذه الطريقة أن ينظروا كيف بدأت الحروب الكبرى، وكيف تشكّلت الأنظمة بعدها، وكيف نمت الأمور من أسباب بسيطة إلى كوارث كبرى، وكيف اندلعت الحربان العالميتان، وكيف أُزيلت إمبراطوريات من الخرائط، وكيف تمزقت الجغرافيا لاحقاً. هؤلاء هم الذين سيظلون أسرى الخطابات الفارغة، والأوهام، والعمى الذهني.


من يدرس تاريخ البشرية سيدرك كيف أن اختناقات القوى على سطح الأرض تؤدي إلى انفجارات كبرى وتحالفات قوى جديدة. وسنعيش في القرن الحادي والعشرين ربما أكبر وأقسى فترة من هذه الفترات التاريخية التي تتسم بالاختناق والضغط والتحول. من يستطيع أن يتنبأ بالخطوة التالية سيكون من صُنّاع المستقبل. وها نحن، وها هي تركيا، في قلب هذا تماماً الآن.


على الأقل استسلموا لجريان التاريخ… فهو سيقودكم إلى المحيطات


لذلك، علينا أن نرفع الوعي المجتمعي، وأن نُطلق تعبئة جماهيرية، وأن نُقدّم فكرة المستقبل على مقياس الجغرافيا إلى أعلى المستويات، وفي مقدمة الأولويات. ومن لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ومن لا يمكنه أن يقول كلمة أو يتخذ موقفاً أو يرفع تحدياً، فعليه على الأقل أن يستسلم لجريان التاريخ، وألا يقاومه. عليه أن يؤمن بذلك. فذلك النهر سيقوده إلى المحيطات.


النقاشات الداخلية، والضجيج، والحسابات الصغيرة، لن تستطيع إيقاف هذا التحول الكبير. لن تتمكن من منعه أو حتى إبطائه. كل ما يعارض جريان التاريخ في الداخل، سيتم التخلص منه. لا بد من ذلك. لم يعد لدى تركيا وقت تضيعه مع هذه الانشغالات.


ما يجري اليوم في غزة قريب منا بقدر شريان الحياة. الحرب بين باكستان والهند كذلك قريبة منا. تحقيق الاستقرار في سوريا هو أحد أهم المفاصل على هذا الطريق العظيم، وهو شأننا. ما يحدث في البحر الأسود، وما يحدث بين الخليج العربي والبحر الأحمر، وما يجري في شرق أفريقيا، كلها قريبة منا بقدر شريان الحياة.


الغرب الذي سرق منا آخر قرنين من الزمن، لم يعد يملك تلك الفرصة


لم يعد يملك القوة لرسم خرائط لنا


لقد تمزق القميص الضيق الذي فُرض على تركيا، والذي مُنع تغييره لمئة عام. وقد تشتت ذلك الذهن المؤجّر. العقل الذي لم يكن يرى أبعد من قدميه قد تغير. لم يعد لفكرة "لنكتفِ بالدفاع عن أنفسنا كي نبقى أحياء" أي معنى. ذلك الخوف، وذلك اليأس، وذلك النقص في الثقة بالنفس، وذلك الانفصال عن التاريخ والجينات السياسية، كلّها قد انتهت.


الغرب الذي سرق منا آخر قرنين، لم يعد لديه عقل يمكنه أن يفرضه علينا. لم يعد لديه خريطة يرسمها لنا. لم يعد لديه وسيلة لإعادة تشكيلنا. أولئك الذين رسموا خرائط جديدة لـ 23 دولة قبل 30 عاماً، أين هم اليوم؟ لقد اختفوا. لم يعد لدى أحدهم القدرة على تغيير الأنظمة، أو إشعال الحروب الأهلية، أو شنّ الاحتلالات، أو إعادة إطلاق عواصف ما بعد 11 سبتمبر. لقد فقدوا هذه القوة.


الغرب شعر بانهيار قوّته في أعماقه

لقد أدركوا ما يجري اليوم، وأيقنوا بعجزهم، وشعروا بانحدار قوتهم حتى النخاع، وبدأوا بالتقارب مع تركيا. رأوا ما يحدث اليوم فصالحوا سوريا. ورفعوا العقوبات عنها. وأعادوا حساباتهم بشأن المجالات التي تتركز فيها القوة.


بدأوا بالتقارب مع الدول التي تمضي قدمًا عبر شراكاتها مع تركيا. وشرعوا في إعادة تعريف مفاهيم "الصديق" و"العدو" التقليدية. ولم يعد لديهم خيار آخر، ولن يكون.

وما زال هناك المزيد. سيبدأون أيضًا في الابتعاد عن إسرائيل. لن يدمّروا مستقبل أوروبا من أجل إسرائيل. ولن يرغبوا بخسارة العالم من أجلها. كانوا بحاجة إليها في القرن العشرين، أما الآن فلن يعودوا بحاجة إليها.


لقد حان وقت إغلاق "القاعدة الإسرائيلية"… لم يبقَ سوى عقبة واحدة يجب تجاوزها


ولهذا، فقد حان الوقت لإغلاق "القاعدة الإسرائيلية". وسيرغمون على ذلك. وحين يتم إغلاق تلك القاعدة أو السيطرة عليها، سنشهد قفزة هائلة في القوة والرفاه في كامل منطقتنا. لأن كل الحروب التي اندلعت في هذه المنطقة منذ سبعة وسبعين عامًا، كان مصدرها تلك "القاعدة".


وإلا فسيتكبدون خسائر هائلة. وإذا كانوا يملكون شيئًا من الحكمة – وهم كذلك – فسيدركون ذلك ويأخذونه بالحسبان.


إن وجود إسرائيل، والحرب في سوريا، هما بمثابة سلاسل كبّلت أيدي وأقدام منطقتنا. أما حرب سوريا، فقد شارفت على نهايتها. لم يتبقَّ سوى عقبة واحدة. لكن بدون إزالة هذه العقبة، لن تتحقق وحدة سوريا. وبدون القضاء على هذه العقبة، لن تضيق المساحات أمام إسرائيل. وبدون تجاوز هذه العقبة، لن يتوقف الإبادة في غزة.


تنظيم واي بي جي الإرهابي يماطل تركيا وسوريا منذ شهور


تنظيم بي كي كي الإرهابي اتخذ قرارًا بإلقاء السلاح. نحن لا نزال في بداية الطريق. لا نعلم بعد كيف سيتم تنفيذ ذلك. تنظيم بي كي كي كان نتاج خريطة القوة في القرن العشرين. تمامًا كإسرائيل، لم تعد هناك حاجة له. وقد أدركوا هذا، وقرروا حلّ التنظيم. بل إنهم كانوا قد أدركوا أيضًا أن الحرب لن توصلهم إلى أي مكان بعد الآن.


لكن تنظيم بي واي دي/واي بي جي، أي فرع بي كي كي في سوريا، يماطل منذ شهور، ويشغل كلاً من تركيا وسوريا. أبرموا اتفاقًا مع النظام في دمشق ولم يطبقوه. لا يزالون يحفرون الأنفاق ويتهيّأون للحرب. بات من الواضح أن المسألة لن تُحل عبر السلام أو التفاهم، لأنهم لا يتخذون أي خطوة في هذا الاتجاه.

مع ذلك، هم أيضًا من إفرازات معادلة القوة القديمة، ومن غير الممكن بعد الآن أن يؤسسوا كيانًا أو يستمروا فيه.


الدعم الأمريكي تراجع، والدعم الأوروبي انتهى… ولن يكفي دعم إسرائيل وحده


لقد تراجع الدعم الأمريكي، وانتهى الدعم الأوروبي. ولن يكون دعم إسرائيل وحده كافيًا. لأن إسرائيل نفسها بدأت تدخل مرحلة خطيرة. لن يبقى أمامها سوى خيار الدفاع عن النفس.

لن يكون هناك تصفية حساب حقيقية مع إسرائيل… دون حلّ هذه المشكلة من جذورها، لذا، لا بد من حل هذه المشكلة من جذورها. يجب ضمان وحدة سوريا. يجب إزالة العقبة الأخيرة المتبقية في وجه الإرادة التي تسعى إلى بناء مناطق مشتركة للدفاع والاقتصاد في منطقتنا، وتوقف تركيا ودول الجوار.


لأنه لن يكون هناك تصفية حساب مع إسرائيل ما لم يعمّ السلام في سوريا، وما لم يتم القضاء على إرهاب بي كي كي في هذا البلد. هم أيضًا يعلمون ذلك، ويحاولون تأخير هذه المواجهة. فإسرائيل تستخدم تنظيم واي بي جي كوسيلة لتخفيف الضغط عنها، وتنظيم واي بي جي بدوره يخفف الضغط عن إسرائيل. هذا هو واقع الحال بكل وضوح.


ما يحدث أشبه بتسونامي… وعلى الجميع أن ينجح في اجتياز هذا الامتحان


لكن... لم يعد بمقدور أي قوة إقليمية أو عالمية أن توقف جريان التاريخ وهو يتجه نحو حوضه الطبيعي. كل ما يستطيعونه الآن هو محاولة التباطؤ، ولا يمكنهم فعل أكثر من ذلك.


لذا فإن الواجب علينا هو تسريع هذا الجريان، وتعزيز هذا الوعي، ونشر هذه الحكمة، والمساهمة في بناء القوة الكبرى الثالثة التي ستشهدها جغرافيتنا خلال الألف عام الأخيرة.

أما بالنسبة لتركيا، فهذا هو الحساب السياسي الأعلى: حساب المستقبل. لا حزب سياسي ولا تنظيم إرهابي يمكنه الوقوف أمام هذا التسونامي، ولن يتمكن من ذلك. ولا أي موجة سياسية أو مجتمعية تتعارض مع هذه الحركة المستقبلية يمكنها أن تنجح، ولن تنجح.

إذاً، على الجميع أن يعيد حساباته وفقًا لهذا الواقع. من هم في الطريق، ومن بدأوا السير حديثًا، عليهم أن يجتازوا هذا الامتحان دون أن يُصابوا بأذى.


#تركيا
#صعود تركيا
#قوة جديدة في المنطقة
#الشرق الأوسط
#الغرب
#إبارهيم قراغول