قرار ترامب حول إيران

07:0120/06/2025, الجمعة
تحديث: 30/06/2025, الإثنين
قدير أوستون

يدفع الصراع القائم بين إسرائيل وإيران الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتخاذ قرار بالغ الأهمية بشأن دخول الحرب أو البقاء خارجها. فترامب، الذي وصل إلى السلطة حاملاً شعار إنهاء «حروب أمريكا التي لا تنتهي»، يواجه اليوم خطر التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط قد تبتلع هذا الوعد. ولو مضت الأمور نحو الحرب، فإن أمريكا ستقاتل إيران ليس بإرادتها أو اختيارها الحرّ، بل نتيجة لضغوط إسرائيل وإصرارها. في وقتٍ كانت فيه إدارة ترامب تستعد للجولة السادسة من المفاوضات مع طهران، أطاح نتنياهو بطاولة التفاوض، مما جعل

يدفع الصراع القائم بين إسرائيل وإيران الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتخاذ قرار بالغ الأهمية بشأن دخول الحرب أو البقاء خارجها. فترامب، الذي وصل إلى السلطة حاملاً شعار إنهاء «حروب أمريكا التي لا تنتهي»، يواجه اليوم خطر التورّط في حرب جديدة في الشرق الأوسط قد تبتلع هذا الوعد. ولو مضت الأمور نحو الحرب، فإن أمريكا ستقاتل إيران ليس بإرادتها أو اختيارها الحرّ، بل نتيجة لضغوط إسرائيل وإصرارها.

في وقتٍ كانت فيه إدارة ترامب تستعد للجولة السادسة من المفاوضات مع طهران، أطاح نتنياهو بطاولة التفاوض، مما جعل إيجاد حل دبلوماسي شبه مستحيل. وبينما حاول ترامب أن يبدو مسيطراً وقوياً حين اعتبر الهجمات الإسرائيلية مبرّرة، أخذ ينزلق تدريجياً إلى قبول فكرة ضرب المنشآت النووية الإيرانية. ومع ذلك، فإن ترامب، رغم ميله لهذا الخيار، لا يزال يعطي للدبلوماسية فرصة أخيرة، لأنه يعلم أن ضربة كهذه قد تفتح الباب أمام حرب لا تنتهي مجدداً – وهي النتيجة التي وعد شعبه بتجنّبها. لكن في المقابل، فإن مطالبه القصوى مثل «الاستسلام غير المشروط» تجعل احتمالية التوصّل إلى اتفاق شبه معدومة.


أمريكا أولاً أم إسرائيل أولاً؟


أحد أبرز أسباب تردّد ترامب في اتخاذ قرار قصف المنشآت النووية الإيرانية هو رفض قاعدته الشعبية، المقتنعة بأيديولوجية «أمريكا أولاً»، لفكرة دخول حرب جديدة من أجل أمن دولة أخرى. لقد شكّل نقده الشديد لحرب العراق جزءاً رئيسياً من حملته ضد المؤسسة الحاكمة وأكسبه ثقة ناخبيه. واليوم، فإن احتمال خوض حرب مع إيران يهدّد بإحداث انقسامات عميقة داخل هذه القاعدة نفسها.


ومؤخراً، أظهرت تصريحات شخصيات ترامبية بارزة مثل ستيف بانون وتاكر كارلسون، الذين يمثلون خطاً أكثر عزلةً، أن إجماع قاعدة MAGA على دعم إسرائيل ليس قائماً. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نصف ناخبي ترامب يعارضون دخول أمريكا في حرب إلى جانب إسرائيل ضد إيران، وهو ما يفسّر تردّد ترامب بشكل أساسي.


قد يتمكّن ترامب من تبرير قرار ضرب إيران أمام قاعدته باعتباره خطوة لمنعها من امتلاك سلاح نووي، لكن الحقيقة أن أي هجوم قد يجرّ الولايات المتحدة إلى حرب طويلة الأمد – وهو سيناريو لا يناسب ترامب نفسه. صحيح أن هناك العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يدعمون أمن إسرائيل بدافع ديني وأيديولوجي أو للحفاظ على دعم اللوبي الإسرائيلي، لكن حتى هؤلاء قد يدفعون الثمن سياسياً إذا ترسّخت القناعة بأن أمريكا دخلت هذه الحرب دفاعاً عن إسرائيل – أو نتيجة تلاعب نتنياهو – وليس من أجل مصالحها القومية.


إن السماح لنتنياهو بأن يلعب دور «الشرطي السيئ» بإعطائه ضوءاً أخضر لمهاجمة إيران دون محاولة جادة لوقفه، ضيّق بشكل كبير هامش مناورة ترامب. والآن، بينما يتحدّث ترامب بلغة متشددة مطالباً إيران بـ«الاستسلام غير المشروط»، بات عليه أن يضمن – دبلوماسياً أو عسكرياً – ألا تتحوّل إيران إلى قوة نووية.


هل أصبحت أمريكا بالفعل طرفاً في الحرب؟


تشير تصريحات ترامب التي كشف فيها عن أن إيران فقدت السيطرة الجوية وأنه يعرف مكان المرشد الأعلى خامنئي لكنه «حتى الآن» لا يسمح باغتياله، إلى أن الولايات المتحدة أصبحت فعلياً طرفاً في الحرب. ففي حين كان ترامب يصرّح قبل أيام فقط بأن بلاده ستساعد في الدفاع عن إسرائيل لكنها لن تدعم عملياتها الهجومية، بدأ البيت الأبيض الآن بمراجعة الخيارات العسكرية الكفيلة بتدمير القدرة النووية الإيرانية بالكامل.


وإذا استمر ترامب في موقفه المتشائم من فرص التوصل إلى اتفاق، فقد تصبح الضربة العسكرية – وخاصة ضد منشآت مثل مفاعل فوردو – مسألة وقت. من جهتها، تعلن طهران بوضوح أنها ستردّ على أي هجوم باستهداف القواعد والقوات الأمريكية في المنطقة، وعندها ستكون الحرب بين أمريكا وإيران قد بدأت رسمياً.



من المستحيل تبرير دخول أمريكا الحرب لتدمير القدرات النووية الإيرانية تحت عنوان «الدفاع عن النفس» أو «مكافحة الإرهاب». إذ أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي أولوية قصوى لإسرائيل قبل أي طرف آخر، ما يعني أن الحرب ستكون – في الجوهر – من أجل الأمن القومي الإسرائيلي. ومع تصاعد التكاليف والتهديدات الأمنية التي قد تنجم عن الحرب، فإن الرأي العام الأمريكي لن يكتفي بسحب دعمه لإسرائيل، بل قد يثور عليها أيضاً.


يمكن القول إنه لم يشهد الرأي العام الأمريكي من قبل جدلاً حاداً وحسّاساً إلى هذه الدرجة حول شرعية دعم إسرائيل. ومع دخول أمريكا حرباً من أجل إسرائيل، قد تتزعزع شرعية هذا الدعم بشكل بنيوي، وربما تتغير طبيعة العلاقة بين البلدين بشكل دائم. إن استغلال نتنياهو للعلاقة مع واشنطن حتى آخر رمق لإنقاذ مستقبله السياسي يهدّد هذه العلاقة بعمق.



ربما كانت إيران لتكسب كثيراً لو تعاملت بواقعية أكبر مع المفاوضات النووية وحاولت التوصل إلى اتفاق سريع مع أمريكا، ما كان سيعزز الهوة بين ترامب ونتنياهو. لكن إيران اختارت تجنّب إعطاء ترامب أي نصر سياسي عبر الاتفاق، ومنحت نتنياهو فرصة ذهبية لجرّ أمريكا إلى الحرب.


وبعد أن نسف نتنياهو مسار المفاوضات بهجماته، اضطر ترامب إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة. ومع ذلك، ورغم لغته المتشددة، فإن طبيعة ترامب الانتهازية تجعله قادراً على تغيير موقفه بسرعة إذا وجد فرصة للاتفاق – بشرط أن تُظهر إيران مرونة كافية. أما إذا استمرت طهران في موقفها الحالي، فإن احتمال إصدار ترامب قراراً بشنّ عملية عسكرية يبقى قائماً.


في هذه الحال، ستكون أمريكا على أعتاب حرب جديدة في الشرق الأوسط، تدخل فيها مجدداً لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم إسرائيل. وإذا فشلت المساعي الدبلوماسية، فإن ترامب لن يكون قادراً على الوفاء بوعده بإخراج أمريكا من «الحروب التي لا تنتهي»، ولن يتمكّن الشرق الأوسط من التقدّم خطوة واحدة نحو الاستقرار والسلام.

#ترامب
#إيران
#نتنياهو
#الحرب الإيرانية الإسرائيلية