حلم جميل

08:5226/10/2025, الأحد
تحديث: 26/10/2025, الأحد
طه كلينتش

هناك مكان تاريخي في حي أسكودار بإسطنبول يُعرف باسم "زاوية الأوزبك". وقد شُيّد هذا القصر الضخم في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت وظيفته الرئيسية استضافة المسلمين القادمين من آسيا الوسطى الذين يتوقفون في إسطنبول أثناء رحلتهم للحج. وعند قراءة هذه المعلومة، قد يتبادر إلى ذهن أي شخص لديه معرفة بسيطة بالجغرافيا سؤال طبيعي: "هل كانت إسطنبول تقع على طريق القادمين للحج من آسيا الوسطى؟" في الواقع، عند النظر إلى إسطنبول من حيث المسارات والطرق، نجد أنها لا تقع على الخط المباشر بين بخارى والحجاز. ولكن هذا صحيح

هناك مكان تاريخي في حي أسكودار بإسطنبول يُعرف باسم "زاوية الأوزبك". وقد شُيّد هذا القصر الضخم في منتصف القرن الثامن عشر، وكانت وظيفته الرئيسية استضافة المسلمين القادمين من آسيا الوسطى الذين يتوقفون في إسطنبول أثناء رحلتهم للحج. وعند قراءة هذه المعلومة، قد يتبادر إلى ذهن أي شخص لديه معرفة بسيطة بالجغرافيا سؤال طبيعي: "هل كانت إسطنبول تقع على طريق القادمين للحج من آسيا الوسطى؟" في الواقع، عند النظر إلى إسطنبول من حيث المسارات والطرق، نجد أنها لا تقع على الخط المباشر بين بخارى والحجاز. ولكن هذا صحيح وفقاً لتصورنا الحالي؛ أما في الحقبة القديمة، فكانت إسطنبول تقع على مسار الحجاج القادمين من آسيا الوسطى وتركستان، بل كانت نقطة محورية هذا في الطريق.

عند الانطلاق من بخارى أو سمرقند أو طشقند، من الممكن التوجه نحو الهند وركوب سفينة من ميناء كراتشي أو بومباي للإبحار مباشرة إلى ميناء جدة. فبعد التقدم عبر سواحل عُمان واليمن في المحيط الهندي ثم دخول البحر الأحمر، كان الوصول إلى سواحل الحجاز ممكناً. لكن حجاج آسيا الوسطى كانوا يتبعون مساراً مختلفاً ومميزاً:

كانوا يتجهون أولاً إلى الشمال الغربي، مروراً بأراضي كازاخستان الحالية وصولاً إلى القرم، ومن هناك كانوا يعبرون البحر الأسود على متن سفينة من سيفاستوبول حتى يصلوا إلى إسطنبول. ولهذا الغرض أُنشئت "زاوية الأوزبك" لتكون أحد الأماكن التي تستضيفهم أثناء إقامتهم في إسطنبول.

وبعد إجراء زيارة أماكن مهمة في إسطنبول، وعلى رأسها زيارة ضريح سيدنا أبي أيوب الأنصاري، كانت قافلة الحجاج تتوقف أولاً في بورصة ثم في قونية؛ وبعد ذلك كانوا يزورون مجمع خليل الرحمن في أورفا، وضريح حبيب النجار في أنطاكيا، ثم يتجهون إلى حلب. وفي بعض المسارات، كانت بغداد تُضاف كمحطة حيث يقرؤون الفاتحة على قبور شخصيات بارزة كالإمام أبو حنيفة وجُنيد البغدادي، ثم يتجهون إلى دمشق. وكانوا يطيلون الإقامة في دمشق أكثر قليلا نظراً لأهمية المدينة وعمقها التاريخي.

وتواصل القافلة جنوبًا لزيارة آثار دير الراهب بحيرى في مدينة البصرة، الذي زاره النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه في طفولته، ثم تتجه إلى القدس، حيث كان هناك زاوية أوزبكية أخرى. وقد أُنشئت زاوية أفغانية وهندية في القدس أيضًا لاستقبال الحجاج والمسافرين الآسيويين. ومن القدس، تنطلق القافلة نحو الأراضي الأردنية الحالية، وتتجه جنوبا من تبوك، ثم تصل أولًا إلى المدينة المنورة ثم إلى مكة المكرمة.

وبعد أن يتم المسافر المسلم من آسيا الوسطى، مناسك الحج عبر هذا الطريق الطويل الشاق، يعود إلى وطنه بعد رحلة استمرت شهوراً عديدة، وقد التقى بمركز الإسلام وبأبطال تاريخه العظام، فيجدد نفسه، ويسلح عقله وقلبه قبل أن يعود إلى بخارى وسمرقند، أغلقوا أعينكم وحاولوا تخيّل مستوى الإنسان المسلم الذي سينشئه مثل هذه الرحلة المباركة.

خلال رحلتنا إلى سوريا في الأسابيع الماضية، زرنا مدينة درعا التي كانت إحدى محطات سكة حديد الحجاز. كانت المحطة قد تحولت إلى أنقاض بسبب الحرب، لكن كان اسم "درعا" لا يزال مكتوبا باللغتين العربية والعثمانية على واجهة المبنى الرئيسي. وبجانبها مباشرة، كان هناك مبنى آخر مخصص "لنقل الركاب المتجهين إلى الأردن". ورغم أن المباني لم تعد صالحة للاستخدام، ظلت قضبان السكة الحديدية سليمة في مكانها. ولعلها متبقية من عهد الدولة العثمانية.

وقبل سفرنا بفترة قصيرة، تم توقيع اتفاق بين السلطات التركية والسورية والأردنية، أُعلن بموجبه عن إعادة إحياء سكة حديد الحجاز وإمكانية السفر براً إلى الحجاز. بل وتم تداول خريطة في الصحافة توضح المحطات التي ستكون على هذا الخط عند تشغيله.

وبينما كنت أسير بين الأنقاض في درعا، أغمضت عيني وحاولت أن أتخيل الكنوز التاريخية والروحية التي سيقابلها الحاج المنطلق من إسطنبول على طول محطات سكة حديد الحجاز. لقد كانت مدننا مترابطة ببعضها البعض بإحكام كحلقات سلسلة. كنا سنعيد إنشاء هذا الترابط مجددا، ونغتني ونتسلح بالمعرفة. ونسير على خطى الحجاج الآسيويين الذين بحثوا عن الحكمة والمعرفة بجهد عظيم في هذه الجغرافيا.

إنه حلم يستحق بذل كل الجهد لتحقيقه.


#زاوية الأوزبك
#سكة حديد الحجاز
#القدس
#آسيا الوسطى
#أوزباكستان
#الحج
#سوريا
#درعا
#إسطنبول