تتجه أوكرانيا نحو نقطة تحول حاسمة. لقد قدم الروس عرضهم لجولة ثالثة من المفاوضات في إسطنبول، لكن كييف لم ترد بعد. ما يعني أن الوضع على الجبهة الدبلوماسية لم يشهد أي تغيير. أما على الأرض، فهناك تطورات ميدانية لافتة.
دعونا نسلط الضوء على خبرين بارزين وردا خلال الأسبوع الماضي؛ أولاً: أعلنت موسكو سيطرتها الكاملة على منطقة لوهانسك لأول مرة خلال الحرب الأوكرانية. ثانياً: صرحت الولايات المتحدة بأنها ستعلق شحن بعض الأسلحة إلى أوكرانيا بحجة "نفاد مخزونها"، وتشمل صواريخ باتريوت الدفاعية وأنظمة صواريخ دقيقة التوجيه وهو خبر بالغ السوء لأوكرانيا. كما أن اتصال الرئيس الفرنسي ماكرون بالرئيس الروسي بوتين لأول مرة بعد ثلاث سنوات، وإجراؤهما مكالمة هاتفية استمرت ساعتين، قد يثير قلق كييف التي تعول على الدعم الغربي في غياب الدور الأمريكي.
اقتراح "عبور ممر من إيران"
بينما تعزز موسكو سيطرتها في أوكرانيا، يجب أن نوجه أنظارنا نحو جنوب القوقاز. وكما أشرنا في المقال السابق، هناك أزمة جديدة تندلع مع تصاعد التوترات.
قبل حرب 44 يومًا عام 2020، كانت هناك حالة من التوازن النسبي في المنطقة لصالح روسيا وأرمينيا وإيران. ولكن تحرير أذربيجان لقره باغ بدعم من تركيا قلب هذا التوازن ضد روسيا وإيران. وتجدر الإشارة إلى أن الهند وإيران قدمتا دعمًا عسكريًا لأرمينيا خلال الحرب.
إن انشغال روسيا بأوكرانيا، وإيران بالشرق الأوسط، أتاح المجال لتركيا وأذربيجان وأرمينيا لمناقشة قضايا جنوب القوقاز، فثمة وضع إقليمي جديد يتشكل، أساسه السلام والازدهار عبر تطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، وفتح الحدود بين تركيا وأرمينيا، وربط يريفان بالعالم عبر تركيا، فالعمود الفقري لهذا التوازن هو تركيا، وتحقيق الاستقرار الكامل يتطلب تنفيذ مشروع "ممر زنغزور"، هذا الممر لن يربط باكو بـ نخجوان برًا فحسب، بل سيفتح الطريق أمام اتصال مباشر بين تركيا وآسيا الوسطى. لذا، فهو بالغ الأهمية. ويعود اقتراح طهران الأخير لأنقرة بأن "يمر ممر زنغزور عبر إيران" إلى رغبتها في عدم فقدان السيطرة على هذا الخط.
تغير محور أرمينيا
يُظهر رئيس الوزراء الأرميني باشينيان - ويجب الاعتراف بذلك - قدرًا لافتًا من القيادة والشجاعة، متحديًا ضغوط الرأي العام الداخلي، والشتات الأرميني، وروسيا، وإيران. إذ يسعى إلى تغيير اتجاه بلاده والانفتاح على أذربيجان وتركيا. وهذه فرصة ثمينة يجب على باكو أن تحسن استثمارها على أكمل وجه.
أما لقاؤه بالرئيس رجب طيب أردوغان في إسطنبول يوم 20 يونيو، فيُعد لقاء تاريخيا. ورغم أن المصادر التركية الرسمية لم تُدلِ بتفاصيل حول اللقاء، فإن الصحف الأجنبية ربطت بين هذا الاجتماع وتطورات مرتقبة بخصوص ممر زنغزور. وتُعزّز الوقائع الميدانية هذا الطرح؛ أولًا: باشينيان صرّح في إسطنبول قائلًا: "ليمروا عبر أراضينا، فما المشكلة؟"، وثانيًا: في نفس اليوم اتخذت أذربيجان قرارًا بإلغاء الحكم الذاتي لنخجوان، وثالثًا: زار وزير البنية التحتية الأرميني تركيا بتاريخ 27 يونيو، وأجرى محادثات مع نظرائه حول التجارة واللوجستيات. كل هذه المؤشرات تدل على تقدم فعلي في ملف الممر. غير أن عودة باشينيان إلى بلاده أعقبتها محاولة انقلابية في يريفان تقودها الكنيسة، تزامنت مع دعم روسي واضح للكنيسة، وحملة اعتقالات قاسية شنّتها موسكو بحق مواطنين أذربيجانيين، وهي أحداث ينبغي قراءتها ضمن إطار واحد.
جريمة متعمدة واحتمال الوقوع في الخطأ رغم أحقية الموقف
في ديسمبر، قامت روسيا باستهداف طائرة ركاب أذربيجانية، ومنعت لاحقًا هبوطها، بل سعت إلى إسقاطها في بحر قزوين، ما يُعد جريمة قتل متعمدة. وتجاهلت موسكو مطالب باكو بالاعتذار والتعويض، ما أدى إلى توتر في العلاقات. ثم توالت الأنباء من روسيا عن اعتقالات أدّت إلى وفاة بعض الأذربيجانيين، مما زاد من حدة الأزمة.
وقد ردّت أذربيجان بقوة، فألغت الأنشطة الثقافية الروسية على أراضيها، وقامت الشرطة بمداهمة مكتب وكالة "سبوتنيك" في باكو واعتقال موظفيها. ومهما فعلت روسيا، فإن التدخل العنيف لأذربيجان في اعتقال بعض المواطنين الروس وعرضه بشكل علني، قد يُفقد باكو شرعية موقفها، ما يتطلب المزيد من التروّي والحكمة.
أعلنت وزارة الداخلية الأذربيجانية عن "تفكيك عصابتين إجراميتين منظمتين من الروس". واللافت للنظر ارتباط هاتين العصابتين بإيران، ما يكشف أن التوترات تتجاوز إطار العلاقات بين موسكو وباكو.
هل سيتدخل أردوغان؟
لفتت انتباهي تصريحات دبلوماسي روسي فضل عدم الكشف عن اسمه، نُشرت في وسائل إعلام أوزبكية، ذكر فيها أن موسكو قد تطلب من أنقرة في الأيام المقبلة التوسط لتخفيف حدة موقف باكو المتشدد. ومن المقرر أن يزور الرئيس أردوغان أذربيجان اليوم للمشاركة في قمة قادة منظمة التعاون الاقتصادي (ذكر لي أحد أصدقائي أن باشينيان قد يكون هناك أيضًا). ومن المؤكد أن التوتر بين باكو وموسكو سيكون على جدول أعمال المحادثات التي ستُجرى هناك. وبينما يُرسى وضعٌ جديدٌ في المنطقة، يسعى الروس إلى خلق التوتر وتوجيه مسار الأحداث. ولكن يجب ألا نحيد عن مسار السلام والرخاء.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة