كثيرًا ما تفاجئنا الحياة بما لا نتوقعه؛ فبينما تكون بانتظار بشرى سارة إذا بك تبتلى بخبر مفجع، فتُستبدل زغاريد الأفراح بنواح المآتم، وتختلط المشاعر ويعجز الإنسان عن التمييز بين مشاعره.
وهذا بالضبط ما عشناه في الأيام القليلة الماضية؛ ففي الوقت الذي كنّا نترقب فيه تطورات حاسمة في الأسبوع الجاري فيما يتعلق بعملية تسليم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي سلاحه، وهي أخبار تبعث على السرور والأمل للبلاد بأسرها، وبينما كنّا نناقش كيفية حدوث ذلك ومواعيده المحتملة (التي سنعرضها أدناه)، إذا بنا نُصدم بخبر استشهاد جنودنا في شمال العراق، وهو ما هزّ وجداننا وأثقل قلوبنا بالحزن.
على خطى الشهيد بوزكورت
إن شعار القوات المسلحة التركية: لا فرق بين شهيد وجريح، لا يُتركُ أحدٌ من أفرادِ هذا الجيشِ. فجثمانُ كل جندي سقط دفاعًا عن هذا الوطنِ هو جثمان مُقدَّس. وإنْ لم يُسترد جثمان شهيد، فلن يغمض لأحد جفن حتى يتم العثور عليه.
وفي عام 2022، كان الملازم أول في سلاح المشاة "نوري مليح بوزقورت" هو الجندي الوحيد الذي لم يُعثر على جثمانه بين شهدائنا. وقد كثّفت القوات المسلحة التركية مؤخرًا جهودها للعثور على جثته، عبر عملية خاصة خُطط لها بعناية. وفي إطار هذه العملية، تقرّر إعادة تفتيش مغارة كبيرة وضيّقة المدخل، كان يستخدمها تنظيم "بي كي كي" سابقًا كمشفى ميداني.
والجدير بالذكر أنّ هذه المغارة تقع ضمن نطاق المنطقة التي تسيطر عليها القوات التركية منذ قرابة عامين في شمال العراق، وقد سبق دخولها من قبل. لكن كان معلومًا أن بعضَ أجزائهِا لم تُفحصْ بدقة. وفي حملات التفتيش السابقة، لم تحدث أي مشاكل، لذا لم يُسجل أي تهديد ناجم عن وجود غازات سامة.
فما الذي تغيّر اليوم؟ ولماذا حدث ما لم يحدث من قبل؟ بحسب ما أفاد به الخبراء، فإن المنطقة غنية بالنفط، وقد تكون هناك تسرّبات لغاز الميثان، أو حتى اختلاطٌ بين غازي الميثان وأول أكسيد الكربون في الداخل. ونظرًا لعدم استخدام المغارة منذ عامين وإغلاق منافذه التي تسمح بدخول الهواء فربما تسرب غاز الميثان المحتجز في تجاويف المغارة بشكل كثيف.
هرّعوا بأرواحهم لإنقاذ رفاقهم
ما جرى كان مؤلمًا بحق؛ فعند دخول المجموعة الأولى إلى المغارة، تعرّضوا لتأثير مباشر من الغازات قبل أن يدركوا ما يجري، مما أدى إلى انقطاع الاتصال بهم. وعندما لاحظت المجموعة الثانية انقطاع الاتصال بزملائهم، هرعت على الفور إلى الكهف بدافع المسؤولية والتضحية خوفًا من أن يكون قد حدث مكروه لأصدقائهم، غير مدركين لوجود الغاز القاتل. فتأثروا هم أيضًا بالغاز. وقد جرى إخراج أفراد المجموعة الثانية على الفور ونُقلوا مباشرة إلى المستشفى، فيما تم إطلاق عملية مشتركة بين فرق إدارة الكوارث والطوارئ (آفاد) وفِرَق من عمّال المناجم للوصول إلى المجموعة الأولى.
وقد أعلنت القوات المسلحة التركية عن فتح تحقيق إداري شامل للوقوف على ملابسات الحادث وأسبابه. وتُجرى التحقيقات حاليًا بأدق التفاصيل. وقد تأثر 19 من جنودنا الذين دخلوا الكهف بالغاز، ارتقى منهم 12 شهيدًا. نسأل الله أن يتغمّدهم بواسع رحمته، وأن يحفظ وطننا من مصائب أكبر.
الأسبوع الأكثر حسماً.. تركيا على مشارف التحرر من الإرهاب
سبق أن أشرنا إلى أن مسار تسليم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي السلاح، يتكون من خمس مراحل. ونحن الآن في المرحلة الثالثة، حيث يُفترض أن يُترجم قرار تسليم السلاح إلى خطوات عملية ميدانية. وقد تسارعت وتيرة الأحداث في هذا السياق. إذ قام رئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم قالن، بزيارة إلى شمال العراق وأجرى محادثات. كما زار وفد من حزب "DEM" زعيم التنظيم الإرهابي عبدالله أوجلان في سجن إمرالي، وبعد لقاء استمر ساعتين ونصف، أعلن أوجلان أن "العملية دخلت مرحلة جديدة". ولاحقا التقى الوفد نفسه بالرئيس أردوغان.
وبحسب ما نُشر في الصحف، سيلتقي رئيس الاستخبارات قالن برئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، ومن ثم سيتوجّه إلى بغداد بهدف تنسيق المرحلة المقبلة من العملية. وسأعرض لكم توقّعاتي الشخصيةَ حولَ المسارِ المُتوقّعِ للأحداث.
لماذا السليمانية؟
صرح "زاغروس هيفا" عضو اللجنة التنفيذية في تنظيم "بي كي كي" الإرهابي أن أول مجموعة من عناصر التنظيم ستقوم بتسليم أسلحتها بين 10 و12 تموز/يوليو (الخميس والسبت) في مدينة السليمانية. وقد أرجعت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية اختيار مدينة السليمانية لهذا الحدث إلى "دواعٍ أمنية". وتجدر الإشارة هنا إلى أن أنقرة قامت مؤخرًا بتمديد الحظر المفروض على الرحلات الجوية إلى مطار السليمانية الدولي، الذي يخضع لسيطرة بافل طالباني. ومن المُرجّح أن تعود الأمور إلى طبيعتها في السليمانية، حالما يُستكمل هذا المسار بنجاح في كل من العراق وسوريا.
ما الرسالة التي ستُوجّه من هناك؟
بما أن التواريخ المُعلنة هي 10–12 يوليو، دعونا نرسم سيناريو محتملاً: أتوقع أن تُنشر رسالة جديدة من إمرالي بشأن تسليم التنظيم السلاح. وفي يوم الجمعة 11 تموز، من المرجّح أن تُسلّم مجموعة مكوّنة من 20 إلى 30 عنصرًا (في بعض الصحف قيل إن العدد قد يصل إلى 40 أو 50) أسلحتها في مدينة السليمانية، وسيتم توثيق ذلك إعلاميًا.
ووفقًا لما نُشر في وسائل إعلام محلية في شمال العراق، سيكون على رأس هذه المجموعة أحد كبار قادة التنظيم مثل "دوران قالقان"، عضو اللجنة التنفيذية في التنظيم. لكنني أرجّح أن تتولى قيادة المجموعة "بيسه هوزات"، القيادية في التنظيم، وإن حدث ذلك، فسيُعدّ بمثابة إعلان عن بداية التخلي عن السلاح من أعلى هرم التنظيم. وستكون هذه الصورة بمثابة رسالة قوية وإيجابية موجّهة إلى التنظيم وقاعدته الشعبية.
وبعد اكتمال هذه الخطوة، ستتّجه الأنظار بلا شك نحو الرسائل التي سيوجهها الرئيس رجب طيب أردوغان في خطابه المرتقب يوم 12 يوليو في "كيزيل جاهامام". وأنا أيضًا أترقب بشغف ما سيقوله الرئيس في هذا السياق.
وفي غضون ذلك، يجري العمل على تشكيل لجنة برلمانية داخل البرلمان لتنظيم مسار هذه العملية ووضعها في إطارها الصحيح. إن تولّي شخصية مخضرمة مثل رئيس البرلمان نعمان كورتولموش لرئاسة هذه اللجنة سيساهم بشكل فعّال في تقدم العملية بسلاسة ونجاح. ويمكن تلخيص مهمة هذه اللجنة في: "بحث الإجراءات القانونية المتعلقة بالتنظيمات التي تعلن عن حلّ نفسها". وأعتقد أن "مناقشة القضية الكردية" لا تندرج ضمن نطاق عمل هذه اللجنة.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة