قرار تاريخي أم انقلاب دستوري.. جدل لبناني بشأن حصر السلاح

09:468/08/2025, الجمعة
تحديث: 8/08/2025, الجمعة
الأناضول
قرار تاريخي أم انقلاب دستوري.. جدل لبناني بشأن حصر السلاح
قرار تاريخي أم انقلاب دستوري.. جدل لبناني بشأن حصر السلاح

- المحلل السياسي طوني بولس: قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة تاريخي وصادم بالنسبة لـ"حزب الله" - العميد المتقاعد ناجي ملاعب: الجيش قادر على تنفيذ المهمة في حال توفرت شروط سياسية وأمنية - المحلل السياسي غسان ريفي: القرار يعكس تحولًا في العقيدة السياسية للدولة اللبنانية تجاه المقاومة



وسط جدل سياسي محتدم وعلى وقع ضغوط دولية وإقليمية، قرر مجلس الوزراء اللبناني تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام 2025، كما أقر الخميس، أهداف الورقة الأمريكية حول القضية ذاتها.

القرار أحدث تباينا في وجهات النظر، فمن جانب اعتبره مراقبون خطوة "تاريخية وصادمة لحزب الله"، ويعكس "تحوّلًا جذريًا" في مقاربة الدولة اللبنانية بخصوص مسألة حصر السلاح بيد الدولة.

فيما عده آخرون يصطدم بـ"تساؤلات جدية حول واقعة التطبيق"، لا سيما مع غياب إجماع وطني على مسألة السلاح، كما ذهبوا إلى أنه قرار "ارتجالي ويمثل انقلابا على الدستور واتفاق الطائف" الذي شرعن سلاح المقاومة بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

والثلاثاء، أقر مجلس الوزراء تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح بيد الدولة (بما فيه سلاح حزب الله) قبل نهاية العام 2025، وعرضها على المجلس خلال أغسطس/آب الجاري.

وردا على ذلك، اعتبر "حزب الله" في بيان وصف بأنه "شديد اللهجة"، أن حكومة نواف سلام ارتكبت "خطيئة كبرى" باتخاذ قرار حصر السلاح بيد الدولة، مؤكدا أنه "سيتجاهل" القرار.

والخميس، وافق مجلس الوزراء على أهداف ورقة المبعوث الأمريكي توماس باراك، "بشأن تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وبشأن إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي، بما فيه حزب الله، ونشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية".

وبحسب منشور للرئيس جوزاف عون، وآخر لرئيس الحكومة نواف سلام، على منصة إكس، فإن "الأهداف" الـ11 الواردة في الورقة الأمريكية التي أقرها مجلس الوزراء، تتضمن تنفيذ اتفاق الطائف والدستور اللبناني وقرارات مجلس الأمن وفي مقدمها القرار الأممي 1701.

وفي أغسطس/آب 2006 صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار 1701، عقب حرب استمرت 33 يوما بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، ودعا القرار إلى وقف تام وفوري للأعمال القتالية وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع أراضيها وممارسة سيادتها، ومنع تداول الأسلحة أو استخدامها دون موافقة الحكومة.

و"اتفاق الطائف" وقعته قوى لبنانية في مدينة الطائف السعودية عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما، وبموجبه، أُعيد توزيع السلطات بين الطوائف اللبنانية لتعزيز المشاركة السياسية.

كما تتضمن أهداف الورقة الأمريكية، وفق عون وسلام، اتخاذ الخطوات الضرورية لبسط سيادة الدولة بالكامل على جميع أراضيها، "وضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها في جميع أنحاء لبنان".

ومن بين الأهداف كذلك "الإنهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية بما فيها حزب الله، في كافة الأراضي اللبنانية، جنوب (نهر) الليطاني وشماله، مع تقديم الدعم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي".

حول تلك التطورات، رأى المحلل السياسي طوني بولس في حديثه للأناضول أن "القرار الذي اتخذته الحكومة بشأن حصر السلاح بيد الدولة هو قرار تاريخي وصادم بالنسبة لحزب الله".

وأضاف أن الموضوع ليس جديدا وتم بحثه عدة مرات في السابق، "إلا أن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أضفت عليه طابع الجدية من خلال تحديد موعد نهائي لسحب السلاح، وهو نهاية عام 2025".

وأشار إلى أن الورقة الأمريكية تمثل ضمانة للبنان، إذ تكرّس مبدأ "خطوة مقابل خطوة"، ما قد يتيح الحصول على انسحاب إسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلها في الجنوب.

وتأتي التطورات السياسية الخاصة بحصر السلاح، مع استمرار التصعيد جنوباً، حيث تواصل إسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

ومنذ بدء عدوان إسرائيل على لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ثم تحوّله إلى حرب شاملة في سبتمبر/أيلول 2024، قُتل أكثر من 4 آلاف شخص وأُصيب نحو 17 ألفا.

ورغم اتفاق التهدئة سجلت بيروت أكثر من 3 آلاف خرق إسرائيلي، ما أسفر عن سقوط 262 قتيلا و563 جريحا، ورغم تنفيذ انسحاب جزئي، لا تزال إسرائيل تحتل 5 تلال لبنانية، ما يزيد من التوتر على الحدود الجنوبية.

** تجريد المقاومة من سلاحها انقلاب دستوري

في المقابل، اعتبر المحلل السياسي غسان ريفي، أن قرار الحكومة تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح خلال فترة زمنية محددة يشكّل "انقلابًا على الدستور واتفاق الطائف اللذين أضفيا شرعية على المقاومة بمواجهة الاحتلال، انطلاقًا من حق لبنان المشروع في الدفاع عن نفسه".

ورأى ريفي في حديثه للأناضول، أن القرار "يعكس تحولًا في العقيدة السياسية للدولة اللبنانية تجاه المقاومة، في ظل مؤشرات على رضوخ متزايد للضغوط الأمريكية والإسرائيلية".

وأشار إلى أن القرار "جاء دون تنسيق مسبق مع الجيش أو حتى الاستماع إلى رأي قائده (رودولف هيكل) بشأن إمكانيات الجيش والفترة الزمنية المقترحة".

ريفي، رأى أن الحكومة تعاملت مع الملف على قاعدة "نفذ ثم اعترض، ما يطرح تساؤلات جدية حول واقعية تطبيق القرار".

وتساءل: "كيف يمكن للجيش أن يضع خطة لسحب سلاح موجود منذ 43 عامًا (منذ نشأة حزب الله عام 1982) خلال أربعة أشهر فقط؟".

"وفي حال بدأ التنفيذ، كيف ستُطبق الخطة ميدانيًا؟ وهل سيُطلب من الجيش مواجهة المقاومة والشعب؟"، هكذا مضى في تساؤلاته، معتبرًا أن "ما جرى هو قرار ارتجالي وليس خطوة تاريخية كما يتم الترويج لها".

** الجيش قادر على تنفيذ المهمة

على عكس ريفي، رأى العميد المتقاعد ناجي ملاعب، أن "الجيش قادر على تنفيذ المهمة في حال توفرت الشروط السياسية والأمنية الملائمة".

وقال إن "الآلية المتبعة في الجنوب ضمن منطقة عمليات اليونيفيل يمكن أن تشكل نموذجًا يحتذى، خصوصًا أن الجيش يتحرك بموجب المعلومات التي يحصل عليها من لجنة الإشراف الخماسية، والتي غالبًا ما يكون مصدرها إسرائيل".

وتضم اللجنة الخماسية "الميكانيزم" ممثلين عن الجيش اللبناني وإسرائيل وقوة حفظ السلام الأممية المؤقتة "اليونيفيل"، إضافة إلى الولايات المتحدة وفرنسا، وهما الدولتان الوسيطتان في اتفاق وقف إطلاق النار.

وأضاف أن "حزب الله" لا يعارض هذا النهج، وسبق أن أعلن أمينه العام التزامه الكامل بالقرار الأممي 1701.

وبموجب القرار 1701، قرر المجلس الأمن الدولي خطوات لضمان السلام، منها السماح بزيادة قوة "اليونيفيل" إلى حد أقصى يبلغ 15 ألف فرد، من أجل مراقبة وقف الأعمال العدائية، ودعم الجيش اللبناني أثناء انسحاب إسرائيل من الجنوب، وضمان العودة الآمنة للنازحين.

وأشار ملاعب إلى أن المعلومات التي تصل عبر "الميكانيزم" غالبًا ما تكون مصدرها إسرائيل، الطرف المتضرر من وجود السلاح، وهي تعرف تمامًا أماكن تخزين الأسلحة حتى خارج منطقة الجنوب، بدليل الضربات التي تنفذها ضد أهداف محددة بدقة.

وشدد على أن الأسلحة التي يجب ضبطها هي من النوع الصاروخي بعيد المدى، والتي يصعب إدخالها إلى تسليح الجيش اللبناني نظرًا لتعقيداتها وتطلبها لتدريبات خاصة، فضلًا عن رفض أمريكي واضح لاستيعاب هذا النوع ضمن ترسانة الجيش.

وأوضح أن تنفيذ القرار الحكومي عمليًا يتطلب أحد خيارين، الأول هو التفاهم المسبق بين الجيش وحزب الله حول تفتيش مخازن الأسلحة الثقيلة، وهو أمر يتطلب موافقة الحزب وتنسيقًا مباشرًا.

أما الخيار الثاني، وفق ملاعب، فهو اعتماد الجيش على المعلومات الاستخباراتية التي تصل عبر آلية التنسيق الدولي وتقديمها للحكومة، التي تعود لها صلاحية اتخاذ القرار النهائي.

وأكد أن الجيش لا يملك صلاحية التصرف بمفرده، بل هو جهة تنفيذية تابعة للسلطة السياسية، مضيفًا أن "نجاح تنفيذ الخطة مرهون بتوفر التنسيق السياسي والغطاء الكامل، وإلا فإن المواجهة بالقوة ستكون خيارًا صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر".

#السلاح
#لبنان
#جدل