يوميات الأسطول.. دعوة صادقة من عرض البحر المتوسط

23:2215/09/2025, Monday
أرسين جليك

بعد تأجيلٍ ليوم واحد استأنفنا مسيرنا، وفككنا الحبال من جديد لننطلق نحو عرض البحر. واليوم أجدني مدفوعًا لأبوح لكم بما يختلج في صدري من مشاعر تعتريني لتوضيح مسألة ما، لأنني أدرك أن الأيام المقبلة ستفرض ظروفًا مختلفة قد لا تسمح لي بالتعبير عن هذه المشاعر الحاضرة الآن بنفس الحماس، ولكن قبل كل ذلك، سأعرض عليكم بعض الملاحظات حول لحظة مغادرتنا. غادرنا إيطاليا بتأشيرة خروج لقد غادرنا إيطاليا رسميًا عبر ميناء أوغوستا في صقلية، حيث قام عناصر شرطة الجوازات الإيطالية بفحص وثائقنا واحدةً تلو الأخرى وختموا جوازاتنا.

بعد تأجيلٍ ليوم واحد استأنفنا مسيرنا، وفككنا الحبال من جديد لننطلق نحو عرض البحر. واليوم أجدني مدفوعًا لأبوح لكم بما يختلج في صدري من مشاعر تعتريني لتوضيح مسألة ما، لأنني أدرك أن الأيام المقبلة ستفرض ظروفًا مختلفة قد لا تسمح لي بالتعبير عن هذه المشاعر الحاضرة الآن بنفس الحماس، ولكن قبل كل ذلك، سأعرض عليكم بعض الملاحظات حول لحظة مغادرتنا.


غادرنا إيطاليا بتأشيرة خروج

لقد غادرنا إيطاليا رسميًا عبر ميناء أوغوستا في صقلية، حيث قام عناصر شرطة الجوازات الإيطالية بفحص وثائقنا واحدةً تلو الأخرى وختموا جوازاتنا. دخلنا البلاد جوًا، وها نحن نغادرها بحرًا. كانت تجهيزاتنا مكتملة مسبقًا، فبعد حفل التوديع عدنا إلى الميناء، لكن العديد من النشطاء ناموا على متن القوارب. أمّا الآن، فنحن على طريق غزة، ولا نية لنا للعودة ما لم نواجه أي عقباتٍ أخرى، في انتظار أن نلتقي بسفن الأسطول الأخرى القادمة من موانئ مختلفة. ننتظر القوارب القادمة من برشلونة إلى تونس، والتي ستنضم إلينا من هنا لتتابع الإبحار في عرض البحر. وآخر ما وصلني من معلومات يؤكد أن تلك السفن ستنطلق رغم كل العراقيل وأعمال التخريب. فوفد أسطول الصمود يبذل جهودًا حثيثة، لتسيير أكبر عدد من السفن الجاهزة للإبحار. فالوقت ينفد، وغزة تُواجه خطر الزوال في كل لحظة، ومع تزايد الدلالات الرمزية التي يحملها هذا الأسطول، بات الإبحار ضرورة لا تحتمل التأجيل.


الإبحار لم يكن سهلاً

لم يكن الإبحار سهلاً أبدًا. لقد واجه هذا الأسطول عددًا لا يحصى من العقبات على اليابسة، وصمد في وجه عواصف التخريب. لم يكن من السهل إطلاق أكبر منظمة مدنية في تاريخ العالم، ولكن أولئك الذين ظنّوا أنّه لن يتحقق قد خسروا الرهان سلفًا. لقد كان هذا المسار مُخططًا له في كل مراحله: من احتمالات المخاطر، إلى أشكال التلاعب الممكنة، وصولاً إلى احتمالات تسلل العملاء ووكلاء النفوذ. فمن السذاجة الاعتقاد بأنّ مبادرة بهذا الحجم ستخلو من محاولات الاختراق التلاعب أو عملاء التأثير.


واجهنا اختبارات مختلفة

لا طريق يخلو من المشقّة، ودائمًا ما تكون البداية هي الأصعب. فنحن جميعًا في هذه الرحلة نمرّ باختبار الصبر. ومن هنا تكتسب تسمية الأسطول بـ "أسطول الصمود" دلالتها العميقة. فقد مررنا في كلّ مرحلة من مراحل هذه الرحلة باختبارات مختلفة. فإدارة عملية بهذا الحجم، وضمان سلامة المشاركين، وتنظيم هذا العدد الكبير من المكوّنات، كلّها تُشكل عبئًا هائلًا. أما المنظمون فقد تعرضوا لمشاكل لا تُحصى. فمنذ البداية واجهوا دفاعات إسرائيل العلنية والخفية على مختلف الأصعدة: فقد عانوا في العثور على سفن مناسبة، ولم تجرؤ العديد من الدول على رفع أعلامها، بل إنّ بعضها منحت موافقتها ثم تراجعت. وتعرّض القباطنة للتهديد بإلغاء تراخيصهم. ومن المعلوم أصلًا أن العثور على سفن صالحة للإبحار الدولي، مع قباطنة وطاقم يمتلكون الأهلية القانونية، ليس بالأمر اليسير، فإذا أُضيفت إلى ذلك التهديدات الصريحة والمبطنة، بات تكوين فريق يقبل خوض هذه المغامرة تحديًا مضاعفًا.


محاولة استبعادي من القائمة

لننتقل إلى مرحلة الانطلاق. بداية أود أن أوضح أننا تسعة أتراك في فريق الأسطول بإيطاليا، وقد تولّيت مسؤولية العمل الميداني إلى جانب مهامي الإعلامية: الصحافة والإعلام، وإدارة وسائل التواصل. وأدرك أنّ هذا جعلني في موقع أشبه بالمتحدث باسم الأسطول، لكنني في النهاية لست سوى أحد ركّاب سفينة متجهة إلى غزة. فقرارات الوفد ملزمة لنا جميعًا، والظروف تتبدّل باستمرار وعلينا التكيّف معها.

نحن نتابع الأمور في تونس وندرك أنها أكثر تعقيدًا، ولكن يجب أن أوضح الآن ما حدث: قبل ثلاثة أيام، أُخرجت من قائمة المسافرين. أبدينا اعتراضنا وأجرينا مفاوضات، واضطررتُ، رغم كوني المسؤول الميداني، إلى الانتظار يومًا كاملًا حتى أعادوني للقائمة، ولم يتحقق ذلك إلا بضغط من الوفد التركي وإصدار رمز خاص بي. وكان المبرّر هو أن "توازنات الأسطول تغيّرت بخروج إحدى السفن".

وقد عاش أخي ياشار يافوز معاناة مماثلة، إذ بُلغ بعد تسعة أيام قضاها في إيطاليا وبعد استكماله جميع التدريبات، بأنه مستبعد من القائمة، فبكى بحرقة ليومين متتاليين. وحتى في اليوم الأخير، تم استبعاد حسام الدين أيوب أوغلو ـ وهو البحار الوحيد في وفدنا ـ من السفينة التي كان يعمل فيها مساعدًا للقبطان، وطُلب منه العودة إلى وطنه. كما جرى إخراج سيدة ماليزية من القارب عشية الانطلاق. وصبيحة انطلاق السفن من الميناء، اتخذنا موقفًا رافضًا في الميناء وأجرينا مفاوضات جديدة، انتهت بحلّ الإشكاليات جراء الضغوط التركية. ومع ذلك، اضطر عبد الحميد يامورجو بعد 14 يومًا إلى العودة، ورغم حزنه الشديد، ودّعنا رافعًا معنوياتنا بكلمات مؤثرة قائلا “كل طريق يُسلك من أجل غزة هو رحلة مباركة”.

لقد اضطررنا مرارًا إلى إخلاء المنازل والانتقال إلى مساكن أخرى أو العودة مجددا. وفي كل مرة كنا نذهب إلى الميناء، كنا نودع بعضنا البعض، لكن الرحلة الحقيقية كانت تتأخر، فنضطر للرجوع. لقد اختُبرت عزيمتنا بشدة على اليابسة قبل أن يبدأ الأسطول رحلته. وهذا جعلنا أكثر صلابة في مواجهة الصعوبات خلال الرحلة. نحن ندرك تمامًا أن هذه الرحلة هي الأولى من نوعها، وأن إدارة منظمة دولية بهذا الحجم في مواجهة إسرائيل مسؤولية ثقيلة وواجب جسيم.

لكن التحديات لا تقتصر على التنظيم فحسب؛ فهناك العوامل الجوية، وحالة البحر، والمشاكل التقنية في السفن. والحقيقة لم يظهر حتى الآن أي أمر غير متوقع. وكان ميناء تونس اختيارًا خاطئًا منذ البداية، وقد أُشير إلى ذلك سابقا. وكان وفد تركيا قد حذر من أن السفن لا يجب أن تتجمع كلها في مكان واحد، ولكن ما حدث قد حدث. والمرحلة القادمة هي الأهم؛ فهناك الآن عدد كبير من النشطاء العائدين من تونس، ومعظمهم للأسف مواطنون أتراك، ومع انخفاض عدد السفن تقلصت أيضًا الحصص المتاحة. كما واجهنا مشاكل في إيطاليا، إذ لم يُسمح لصديق لنا بالانضمام إلى الأسطول.

في الواقع، قبل وصولنا إلى إيطاليا، تلقينا تنبيهًا مسبقًا نص على ما يلي: “حتى الأشخاص الذين يصعدون إلى السفينة في اللحظات الأخيرة قد يُستبعدون، وقد تحدث بعض الأعطال الناتجة عن العوامل الطبيعية كالرياح أو المشكلات الفنية والميكانيكية، بالإضافة إلى تدخلات وتخريب بشري متعمد، أو وجود قرارات مربكة أو متناقضة. عليكم أن تكونوا على دراية بهذه الأمور وأن تشاركوا في التدريبات وأنتم مستعدون لها.”


أرادوا استنزاف طاقة الأسطول

كان المشهد في تونس مقلقا للغاية. فقد استغرقت العملية أكثر مما ينبغي. وظهرت صعوبات كبيرة نتيجة وجود أعداد إضافية من المشاركين تتجاوز الطاقة الاستيعابية للسفن، بالإضافة إلى غموض السياسات المتبعة في إدارة هذه الأوضاع، ما خلق حالة من الفوضى يصعب التحكم فيها. وفي هذه الأثناء، حدثت أعمال تخريبية مختلفة، مثل تعطيل بعض السفن الصالحة للملاحة في تونس. لقد حاول البعض استنزاف طاقة الأسطول، وإحباط النشطاء من خلال حالة الغموض وعدم اليقين.

لقد شارك المئات من الأشخاص في التدريبات، وتحملوا كل أنواع الصعاب، وظلوا بعيدين عن أسرهم لأيام طويلة. بعضهم غادر على وقع الطبول والمزامير، بينما غادر آخرون والدموع في أعينهم، وبعضهم الآخر دون موافقة، ومع ذلك اضطر الكثيرون منهم للعودة إلى منازلهم ووطنهم. وهو شعور أعرفه جيدًا، ولكن بغض النظر عمن غادر أو من بقي على الأرض، يجب ألا نفقد هذه الروح المعنوية، فهذا الإصرار على التمسك بها هو ما سيتيح رؤية النتائج المثمرة لهذا المسار.


جميعنا جزء من هذا الأسطول الكبير

لقد أبحر الأسطول أخيرا. نرجو منكم أن تقدموا دعمًا أقوى على البر. هناك أناس في البحار قلوبهم تنبض باسمكم. إن الشعور بالتعب أو الاستياء أو الضيق بينما تنتظرنا غزة، سيكون وصمة عار كبيرة على جبين الإنسانية. نعم، لقد كانت الرحلة صعبة، أصبنا بالإحباط، وتعبنا، وواجهنا الاختبارات، لكننا الآن ندرك أنه قبل أن نبحر إلى البحر الأبيض المتوسط، كان علينا أن نخوض بحرًا من الاختبارات على البر.

إنَّ حُزن الذين اضطروا للعودة حاضر في قلوبنا، وألم غزة هو بوصلة طريقنا، والآن نحن في مياه المتوسط. لقد أدركنا أن هذا الأسطول ليس مجرد سفن حديدية؛ من عادوا، ومن وضعوا الشرائط، ومن دعوا ومن يقرأ هذه الكلمات… كلنا جزء من هذا الأسطول العظيم. وبينما نكافح العواصف في البحر، عليكم أن تكافحوا عواصف الكذب واللاإنسانية على البر. وعندما يصل هذا الأسطول العظيم إلى هدفه بحرًا وبرًا، لن تكون غزة وحدها هي الرابحة، بل ستنتصر الإنسانية جمعاء. والآن، لسنا بحاجة إلى دعائكم من البَر فحسب، بل إلى إرادتكم الصلبة أيضا، فهي التي ستقود هذه الروح الطاهرة إلى النصر.


#البحر المتوسط
#أسطول الصمود
#غزة
#الاحتلال الإسرائيلي
#الوفد التركي
#إيطاليا
#تونس
#سفن
#قوارب