اتفاقية كامب ديفيد والطريق المسدود

08:3224/09/2025, الأربعاء
تحديث: 24/09/2025, الأربعاء
طه كلينتش

كشف تقرير نشره موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي مؤخرًا، أن الأزمة بين إسرائيل ومصر تتعمق بشكل متزايد. ووفقًا للتقرير، فإن الحكومة الإسرائيلية، التي تشعر بالاستياء من النشاط العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، حاولت حل المشكلة أولًا مع نظرائها في القاهرة. ولكن بعد فشل المحادثات الثنائية، لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإدارة الأمريكية، مطالبًا إياها بـ "كبح جماح" مصر. وادعى المسؤولون الإسرائيليون أن مصر انتهكت اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979، والتي قلصت وجود القوات المصرية في سيناء

كشف تقرير نشره موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي مؤخرًا، أن الأزمة بين إسرائيل ومصر تتعمق بشكل متزايد. ووفقًا للتقرير، فإن الحكومة الإسرائيلية، التي تشعر بالاستياء من النشاط العسكري المصري في شبه جزيرة سيناء، حاولت حل المشكلة أولًا مع نظرائها في القاهرة. ولكن بعد فشل المحادثات الثنائية، لجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الإدارة الأمريكية، مطالبًا إياها بـ "كبح جماح" مصر.

وادعى المسؤولون الإسرائيليون أن مصر انتهكت اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1979، والتي قلصت وجود القوات المصرية في سيناء إلى مستوى رمزي، مشيرين إلى توسعة مدارج الطائرات في المنطقة لأغراض عسكرية وإنشاء منشآت تحت الأرض لتخزين الصواريخ.

وبعد انتشار خبر أكسيوس، أصدرت الإدارة المصرية بيانًا شديد اللهجة، نددت فيه بـ "حرب الإبادة العدوانية والوحشية" التي تشنها إسرائيل على غزة، ورفضت الانتقادات التي زعمت انتهاك اتفاقية كامب ديفيد. (ولكن بعد بضع ساعات، تم سحب البيان واستبداله ببيان آخر أكثر ليونة، حيث وُصف ما يحدث في غزة بأنه "عمليات عسكرية إسرائيلية متصاعدة"، وهو ما لفت الانتباه بشكل خاص.

ومن المعروف أن خلافات ملموسة وقعت بين إسرائيل ومصر في سياق الحديث عن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء. وقد كرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرارًا في منصات متعددة رفضه لتهجير أهل غزة، بينما حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحاته الأخيرة تحميل مصر مسؤولية الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة قائلاً: "لكل فلسطيني الحق في مغادرة غزة. سأفتح معبر رفح للعبور، لكن مصر ستغلق هذا المعبر فورًا."

وبينما يتصاعد التوتر بين البلدين، دعونا نقوم برحلة قصيرة إلى الماضي لفهم ما يحدث اليوم:

وقعت اتفاقية كامب ديفيد في عام 1979 بين الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وهي الاتفاقية التي كبّلت مصر كدولة عربية قوية، وجعلتها رهينةً للمساعدات الأمريكية. فمصر، التي خاضت حروبًا ضد إسرائيل في أعوام 1948، و1967، و1973، أصبحت فجأة "صديقة" لإسرائيل، وذلك في إطار نهج السادات البراغماتي تجاه الشرق الأوسط. وبموجب هذه الاتفاقية، انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها في عام 1967، وفي المقابل، اتخذت مصر موقفًا محايدًا تمامًا من القضية الفلسطينية. وبعد أن تمكنت إسرائيل من تحييد أكبر وأقوى عدو لها في العالم العربي، احتلت لبنان فعليًا عام ١٩٨٢، واثقةً أن جبهتها الجنوبية لن تشهد أي تهديد. غير أنّ السادات، الذي وقّع الاتفاقية، دفع حياته ثمنًا لذلك، إذ اغتاله ضابط من جيشه في 6 أكتوبر 1981.

لقد جعلت اتفاقية كامب ديفيد إسرائيل أكثر طغيانًا وتجرؤًا في المنطقة، فيما لم تحقق لمصر أي مكاسب تُذكر، بل أوقعتها في خسائر مستمرة، ولا تزال تتفاقم حتى اليوم. ويمكن القول إن كامب ديفيد أصبحت بالنسبة إلى مصر والشرق الأوسط، طريقًا مسدودًا. إن وقاحة إسرائيل، التي تركز دائمًا على استفزاز نظرائها دون أن تفي بأي من التزاماتها، يجب أن تدفع المسؤولين المصريين إلى إعادة تقييم هذه الاتفاقية.

وفوق ذلك، فإن الشرق الأوسط والعالم يشهدان تحولات عميقة؛ فثمة جبهة عالمية متنامية تتشكل ضد إسرائيل والصهيونية. وتزداد قوة التيارات المناهضة للصهيونية وإسرائيل في مختلف البلدان، ويبدو أن البشرية مقبلة على عصر جديد ستُلقى فيه الأوضاع القديمة في مزبلة التاريخ. هذه الموجة العارمة من الغضب المشروع والمتجذر تجاه الصهيونية وإسرائيل لن تهدأ أبدًا، بل ستتوسع وتتعزز مع مرور الوقت. ومن يطول به العمر سيشهد مرحلة يُصبح فيها اليهود أنفسهم يخجلون من كونهم إسرائيليين وصهاينة، وسيصبحون منبوذين أينما حلّوا، ولن يرغب أحد حتى في الوقوف إلى جانبهم.

يجب على الدول في العالم الإسلامي أن تعيد النظر في علاقاتها مع إسرائيل من هذا المنطلق، وأن تتخذ قرارات حاسمة قبل فوات الأوان. لقد طال الانتظار، وكثُرت الخسائر، ودُفعت أثمان باهظة، وآن الأوان لوقف كل هذا.




#اتفاقية كامب ديفيد
#مصر
#اليهود
#الاحتلال الإسرائيلي
#فلسطين
#السادات
#غزة