التاريخ يعيد نفسه.. سقوط معادلة "الخوف والسلطة" في سوريا

08:0924/09/2025, Çarşamba
تحديث: 24/09/2025, Çarşamba
ياسين اكتاي

إن أبرز المخاوف التي أُثيرت بشأن تولي أحمد الشرع وفريقه -الذين خاضوا كفاحاً دام 14 عاماً في سوريا تحت قيادة جبهة النصرة أولاً ثم هيئة تحرير الشام - لإدارة البلاد، كانت تتمحور حول أن استيلاءهم على السلطة سيدفع سوريا إلى دوامة عنف مختلفة تمامًا وذات طابع إسلامي أيديولوجي. ولكن لم يكن لدينا أدنى شك بأن هذه النوعية من المخاوف تمثل في جوهرها دعاية مغرضة يروّجها من يديرون سوريا بقبضة حديدية قائمة على العنف والاستبداد بهدف بقائهم في السلطة. معادلة الخوف والسلطة لقد استمر المشهد وفق معادلة محكمة تقوم على

إن أبرز المخاوف التي أُثيرت بشأن تولي أحمد الشرع وفريقه -الذين خاضوا كفاحاً دام 14 عاماً في سوريا تحت قيادة جبهة النصرة أولاً ثم هيئة تحرير الشام - لإدارة البلاد، كانت تتمحور حول أن استيلاءهم على السلطة سيدفع سوريا إلى دوامة عنف مختلفة تمامًا وذات طابع إسلامي أيديولوجي. ولكن لم يكن لدينا أدنى شك بأن هذه النوعية من المخاوف تمثل في جوهرها دعاية مغرضة يروّجها من يديرون سوريا بقبضة حديدية قائمة على العنف والاستبداد بهدف بقائهم في السلطة.


معادلة الخوف والسلطة

لقد استمر المشهد وفق معادلة محكمة تقوم على ثنائية "الخوف والسلطة". فالنظام، الذي مارس أقسى أشكال القمع على الأغلبية من أبناء الشعب (العرب السنة) وصولًا إلى حدّ ارتكاب مجازر إبادة جماعية بحقهم، كان يقدّم نفسه للعالم على أنّه "الخيار الأقل سوءًا" وفق هذه المعادلة. فرغم أنه اقترف جرائم ممنهجة ضد الإنسانية في سجون كصيدنايا، وأغرق البلاد في إنتاج وتصدير "الكبتاغون"، ودفع بموجات اللاجئين إلى الخارج، ظلّ يبرّر وجوده بحجة أنّ من يقاتلونه ليسوا سوى "إرهابيين إسلاميين". هذه المعادلة هي "سلعة أيديولوجية" تنتجها وتسوّقها جميع الأنظمة المستبدة التي تبني خطابها على شيطنة الإسلاميين اليوم.

ورغم أن هذه السلعة جرى إنتاجها وتسويقها بشكل ممنهج، فإنها لم تعد كافية لدعم نظام البعث. فالكادر الذي تولى إدارة الحكم في سوريا اليوم لم يدفع بالبلاد إلى دوامة عنف كما كان متوقعاً على الإطلاق، بل إنه لم يسعَ حتى للانتقام من أحد.

سبق أن قلنا إن هناك مشاهد اليوم يجب أن تخجل أولئك الذين يتشدقون "بحقوق الأقليات". بالطبع، هذه المشاهد ليست نابعة من فضائل الشرع وفريقه، بقدر ما هي انعكاس لأبسط الممارسات الروتينية في الإسلام الذي يتبعونه ويناضلون من أجله. فالمسلمون الذين حكموا هذه الأرض وغيرها ثلاثة عشر قرنًا لم يكونوا يومًا جلادين للأقليات، بل على العكس، تركوهم أحرارًا في معتقداتهم وثقافاتهم، مستقلين في حياتهم المجتمعية، وجعلوهم جزءًا لا يتجزأ من الحضارة الإسلامية.


أفلام رعب أبطالها "داعش"

ولهذا السبب بالذات، استطاعت تلك الأقليات اليوم مواصلة حياتها دون أن تذوب في ثقافة الأكثرية أو تفنى. لقد كانت المخاوف المتعلقة بالجماعات الإسلامية مجرد نتاج لسيناريوهات صنعوها هم أنفسهم ودعموها، وجعلوا تنظيماتٍ كداعش أبطالا لها. لقد أنتجوا وأخرجوا أفلام رعب. وكان هدفهم إقناع العالم بأن الإسلام دين وفكر مخيف. والمتحدثون في تلك الأفلام لم يكونوا مسلمين، بل كانوا ممثلين يؤدون أدواراً وفقاً لسيناريوهاتهم.

واليوم، حين اعتلى المسرح الفاعلون الحقيقيون من أبناء الإسلام، ظهرت على الساحة رواية مختلفة تمامًا، رواية تنبثق من صميم الثقافة الإسلامية وحضارتها، وتجسّد ممارسة مؤسسية متجذّرة في التاريخ. ففي أفغانستان مثلًا، وبعد انقضاء عهد الاحتلال، أعلن القائمون على الحكم عفوًا عامًا، ولم يسعوا للانتقام من أحد من النظام السابق.


معجزة سلام اجتماعي من صميم الإسلام

وكذلك في سوريا، كان أول عمل قام به المنتصرون في هذا الصراع هو فتح صفحة جديدة، وإعلان أن سوريا ستكون مكانًا آمنًا لجميع السوريين. ونتيجة لذلك، لم يتم فصل أي موظف من عمله، باستثناء أولئك الذين ينتمون إلى العصابات الأمنية، والجيش الطائفي الذي استغل المواطنين لعقود واستخدم أسلحته ضدهم. أما بقية المؤسسات الحكومية، فقد ظلت المناصب متاحة فيها لكل من أراد أن يبقى مخلصًا لوظيفته وبلاده ومسؤولياته.

إن قدرة مجموعة منتصرة على الانتقال بسرعة إلى مثل هذا التطبيق بعد كل تلك السنوات المليئة بالدماء والمعاناة، يُعدّ بكل المقاييس معجزةً للسلام الاجتماعي، وهذه المعجزة ليست من صنع الشرع نفسه، بل هي انعكاسٌ لمهمة المسلمين التاريخية. فقد تكررت هذه الممارسة عبر التاريخ في دمشق وإسطنبول وأنطاكية والقاهرة وفي جميع الأماكن التي عاش فيها المسلمون، واليوم تتكرر هذه التجربة في أفغانستان وسوريا في فترة زمنية قصيرة.


التربية الإسلامية والإيمان العملي.. وزراء ينظفون دورات المياه

في دمشق، أثناء اجتماع مجلس يضم شيوخ العشائر وممثلين عن إدارة دمشق، جلسنا مع قائدين بارزين عملا إلى جانب الشرع منذ بدايات تجربة إدلب. وقد أوضحا "أنّ الممارسات التي يشهدها العالم اليوم ليست استثنائية أو مؤقتة، بل هي نتاج طبيعي لتربية إسلامية راسخة التزمت بها الإدارة الجديدة. وبالفعل، أولى تطبيقات الإدارة الجديدة ظهرت في إدلب، حيث خضع المشاركون هناك لمهام وكأنها فترة تدريب إلهي لمهمة أعظم. على سبيل المثال، أُعلنت مهمة إحياء وتجميل المساجد في إدلب. ولأجل ذلك، ذهبنا جميعًا، وفي مقدمتنا القادة، وشمرنا عن سواعدنا لتنظيف مراحيض المساجد. هذا التهذيب الروحي الذي غرس فينا علمنا بشكل أفضل أن النصر الذي حققناه اليوم هو أمانة وهبة من الله. حتى أولئك الذين أصبحوا وزراء الآن شاركوا معنا في تنظيف المراحيض آنذاك."

وأوضح القائد أن استعداد المجاهدين لفتح دمشق لم يكن مجرد تعليم إسلامي تقليدي، بل كان تعليمًا إيمانيًا عميقًا. وأكد أن التعليم الإسلامي وحده ـ رغم أهميته ـ لا يكفي، بل يجب أن يُستكمل بتربية إيمانية متجذرة. وهذا يُرى بوضوح في موقف الذين يكافحون اليوم في غزة؛ فهم يؤمنون بالله وحده، ويثقون به وحده، ويقاتلون من أجله وحده، مدركين أن النصر من الله ، وأنه إذا منحهم هذا النصر، فإنه لا يمنحهم سلطة، بل يُحمّلهم أمانة ومسؤولية جديدة.


الشرع لصحفية أمريكية: نحن من ينبغي أن يطرح الأسئلة لا أنتم

اليوم، يمثل قائد الثورة ورئيس سوريا أحمد الشرع بلاده في الأمم المتحدة. وفي لقاء أجرته "سي بي إس" مع الشرع، دار حوار بالغ الدلالة بينه وبين صحفية أمريكية عندما سألته: "هل تغيرت أنت؟"، وإليكم جزءًا منه كما جاء:

مارغريت برينان: "كثير من المسؤولين الذين تحدثت معهم يصفونك بالبراغماتي، لكن هناك من يشكك ويقول إنك تتغير حسب ما تتطلبه الظروف في سوريا. ؟ هل تقول إنك شخص مختلف تمامًا؟"

أحمد الشرع: "لا أتفق تمامًا مع وصف البراغماتية، لأن هذه الكلمة تحمل دلالات سلبية في اللغة العربية. المسألة هي أن ننظر إلى ما يحدث الآن بعيدًا عن الإعلام. نحن اليوم حررنا الشعب حقيقة من الظلم الذي فرضه النظام المجرم.

لقد أعدنا الأمل للناس من اللاجئين أو النازحين داخليًا ليتمكنوا من العودة إلى وطنهم. دعمنا من تعرضوا للقصف بالأسلحة الكيميائية، كما حاربنا داعش، وطردنا الميليشيات الإيرانية وحزب الله من المنطقة.

كل هذه الأعمال النبيلة التي أنجزناها في سوريا كان ينبغي أن تكون مسؤولية المجتمع الدولي.

لكن المجتمع الدولي لم يستطع تحرير سجين واحد؛ أو كسر حصار بلدة واحدة كان أهلها يموتون جوعًا. وفشل في ردع النظام عن استخدام الأسلحة الكيميائية. لذلك، لا ينبغي أن نكون نحن في قفص الاتهام؛ بل يجب أن نكون نحن من يسأل:

لماذا التزمتم الصمت بينما كانت تُرتكب هذه الجرائم البشعة ترتكب في سوريا؟

أعتقد أن العالم قد خذل سوريا، لكن يجب ألا يكون متواطئًا مرة أخرى في قتل السوريين عن طريق عرقلة أو منع رفع العقوبات، أو منع السوريين من إعادة بناء بلدهم. كل من يعارض رفع العقوبات سيكون متواطئا في قتل الشعب السوري."

#الخوف
#السلطة
#سوريا
#النظام الساقط
#أحمد الشرع
#الثورة
#الإسلام
#داعش