أثينا تسبح في مياه خطرة

10:4322/04/2025, Tuesday
تحديث: 29/04/2025, Tuesday
يحيى بستان

شهد الأسبوع الماضي تطورين أثارا استياءً في الأوساط التركية. الأول، تصريح رئيس أركان الجيش اليوناني الجنرال هوبِس، الذي قال فيه: "تركيا لا تزال تمثل تهديدًا بالنسبة لنا، ونحن مستعدون للتدخل خلال خمس دقائق". والثاني، قيام أثينا بتقديم خريطة "التخطيط البحري المكاني"إلى الاتحاد الأوروبي، تشبه خريطة إشبيلية التي كانت سببًا في ظهور مبدأ "الوطن الأزرق". غير أن هذين الحدثين ليسا إلا السطح الظاهر من المشهد، فالقضية الحقيقية أعمق من ذلك. المحور الإسرائيلي – إدارة قبرص اليونانية – اليونان يتخذ خطوات جديدة

شهد الأسبوع الماضي تطورين أثارا استياءً في الأوساط التركية. الأول، تصريح رئيس أركان الجيش اليوناني الجنرال هوبِس، الذي قال فيه: "تركيا لا تزال تمثل تهديدًا بالنسبة لنا، ونحن مستعدون للتدخل خلال خمس دقائق". والثاني، قيام أثينا بتقديم خريطة "التخطيط البحري المكاني"إلى الاتحاد الأوروبي، تشبه خريطة إشبيلية التي كانت سببًا في ظهور مبدأ "الوطن الأزرق".

غير أن هذين الحدثين ليسا إلا السطح الظاهر من المشهد، فالقضية الحقيقية أعمق من ذلك. المحور الإسرائيلي – إدارة قبرص اليونانية – اليونان يتخذ خطوات جديدة خلف الكواليس من شأنها تصعيد التوتر. هذه الخطوات تتراوح من نشر بطاريات إسرائيلية على الجزر إلى التمهيد لتأسيس تنظيم إرهابي في قبرص. سأعرض تفاصيل ذلك، لكن دعونا أولًا نوضح مسألة "التخطيط البحري المكاني".

إبلاغ أنقرة قبل الإعلان

في عام 2004، دعت منظمة اليونسكو الدول إلى وضع خطط واضحة حول كيفية استخدام البحار، وذلك بسبب تزايد التلوث البيئي البحري. وفي عام 2014، جعل الاتحاد الأوروبي هذا الإعلان إلزاميًا على جميع الدول الأعضاء. امتنعت اليونان لفترة طويلة عن نشر خطتها لتجنّب التصعيد مع تركيا. لكن المفوضية الأوروبية أقامت دعوى ضد أثينا وربحتها.

وعندما اضطرت أثينا لاتخاذ خطوة، قامت بإبلاغ أنقرة بالأمر موضحة: "لقد خسرت الدعوى، وليس أمامي خيار آخر". ولهذا لم يكن مفاجئًا أن تعلن أنقرة في نفس يوم تقديم اليونان خريطتها الرسمية إلى الاتحاد الأوروبي، عن مشروع خطتها الخاصة.


وبحسب القانون الدولي، فإن إعلان خطة تخطيط بحري مكاني دون التوصل لاتفاق مع تركيا على مناطق الصلاحية البحرية لا يحمل أي قيمة قانونية أو سياسية. ما تفعله أثينا من خلال هذه الخريطة، التي تتضمن مطالب متطرفة، هو أنها تقول لأنقرة: "سأبدأ التفاوض من هذا الحد عند بدء المحادثات". هذه هي القصة باختصار. ولهذا أسميها "زبدًا فوق السطح". أما التصريح الغريب لرئيس الأركان اليوناني، فبعيد تمامًا عن أن يؤخذ على محمل الجد.


تطوران صادمان لأثينا


لننتقل إلى جوهر الموضوع. بعد تصاعد التوتر في شرق المتوسط، بدأ مسار التطبيع بين أنقرة وأثينا العام الماضي. وكانت الاجتماعات تُعقد بشكل متكرر على مستوى وزراء الخارجية. بل وكان من المقرر عقد اجتماع "مجلس التعاون رفيع المستوى" بين قادة البلدين. لكن أثينا ما زالت تؤجل ذلك باستمرار.


هناك ثلاثة أسباب تدفع أثينا للابتعاد عن أنقرة:


1- التغيير في النظام بسوريا خلخل التوازنات في شرق المتوسط، مما أثار قلق اليونان.


2- وصول دونالد ترامب إلى السلطة، وتزايد الضغط الروسي على الاتحاد الأوروبي، دفع الاتحاد للانفتاح على الحوار مع تركيا. وتحاول الحكومة اليونانية عرقلة هذا التقارب بإثارة التوتر مع تركيا.


3- تسعى إسرائيل، ضمن صراعها الإقليمي مع تركيا، إلى تشتيت تركيز أنقرة على كل من غزة وسوريا، عبر تحريض إدارة قبرص اليونانية واليونان ضدها.


سلسلة من التحركات الاستفزازية


في الآونة الأخيرة، تتوالى الخطوات الاستفزازية على خط إسرائيل – إدارة قبرص اليونانية – اليونان، وتشير إلى تصعيد منظم ومدروس:


1- بدأت اليونان مفاوضات مع إسرائيل لشراء منظومة دفاع جوي تُعرف باسم "قبة الدفاع الجوي – درع أخيل"، لنشرها في بحر إيجه.


2- الجيش اليوناني بصدد شراء 38 منظومة راجمات صواريخ متعددة الطلقات من طراز PULS، من إنتاج شركة "إلبيت" الإسرائيلية. ومن المقرر نشر هذه المنظومات في جزر بحر إيجه.


3- تعمّق التحالف الاستراتيجي بين إدارة قبرص الرومية، واليونان، وإسرائيل بعد 7 أكتوبر، من خلال جعل إدارة قبرص الرومية مركزًا لإمداد الأسلحة الموجهة إلى إسرائيل ومحورًا استخباراتيًا. وفي الفترة ذاتها، وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية دفاع وأمن مع قبرص الرومية.


4- تجوب الحكومة اليونانية عواصم أوروبا لمنع بيع صواريخ "ميتيور" إلى تركيا. وقد التقى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس لهذا الغرض، إلا أنه عاد إلى بلاده خالي الوفاض. كما قدّمت أثينا احتجاجًا رسميًا إلى إيطاليا بشأن بيع شركة "بياجيو" للطيران إلى شركة "بايكار" التركية.


5- تم الإعلان في جنوب قبرص عن تأسيس تنظيم إرهابي جديد معادٍ لتركيا. التنظيم، الذي يطلق على نفسه "حركة مقاتلي الحرية الثورية"، أعلن عن نيته شنّ كفاح مسلح ضد الوجود التركي في قبرص.


احذروا قبرص


قيام تنظيم إرهابي مسلح في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي هو أمر لا يمكن التغاضي عنه. وبالنظر إلى التطورات المذكورة أعلاه، يمكن توقّع الجهات التي تقف وراء تأسيس هذا التنظيم. ومما يدعو للتوقف أيضًا، ما حدث مؤخرًا في إدارة قبرص الرومية، حيث قام شبّان خلال احتفالات عيد الفصح بحرق صورة رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس، متّهمين إياه بـ"الخيانة" لأنه لم يكن صارمًا بما فيه الكفاية ضد تركيا. هذا المظهر من الشعبوية القومية والعنصرية في الشارع القبرصي الرومي يعكس القاعدة الاجتماعية التي قد يستند إليها التنظيم الإرهابي الجديد.


من جهة أخرى، من المنتظر أن تُجرى انتخابات رئاسية في جمهورية شمال قبرص التركية خلال الأشهر المقبلة، لكنني أرى أن الجدال الدائر حول "العلمانية" وقضية "فاليالي" ليس بعيدًا عن مجمل هذه التطورات.


لقاء ثالث مع إسرائيل لن يُعقد


كما هو معروف، هناك توتر بين إسرائيل وتركيا على خلفية الملف السوري. وقد تقرر إنشاء آلية لتجنّب الاشتباك بين الوحدات العسكرية للبلدين في سوريا. وعُقد الاجتماع الأول في العاصمة الأذربيجانية باكو، لكنه لم يسفر عن نتيجة حاسمة.

ويُقال إن عقد الاجتماع الثاني يعتمد على الرد الإسرائيلي. وربما لا تكون هناك حاجة لعقده أصلًا. لكن، إن لم تتم تلبية حساسيات تركيا بشكل كامل، فسيُعقد اجتماع ثانٍ خلال عشرة أيام كحد أقصى. ومع ذلك، لا بد أن يسفر هذا اللقاء عن نتائج ملموسة، لأنه لن يكون هناك اجتماع ثالث.

#اليونان
#قبرص الرومية
#الاستفزازات اليونانية
#بحر إيجة
#الوطن الأزرق
#تركيا