عنف المستوطنين الإسرائيليين

08:388/08/2025, Cuma
تحديث: 8/08/2025, Cuma
سلجوك توركيلماز

لا أعتقد أننا مطلعون بالقدر الكافي على مفهوم "المستوطن". فالظاهرة والأشخاص الذين يشير إليهم هذا المفهوم، هم غرباء عن حضارتنا على الأقل. وعند مراجعة الأدبيات نجد أن الدراسات المنشورة حول المستوطنين ظهرت تقريبًا خلال العشرين سنة الأخيرة. فقد نُشر مقال باتريك وولف بعنوان "الاستعمار الاستيطاني وإبادة السكان الأصليين" سنة 2006، أما مقال فايز عبد الله الصايغ بعنوان "الاستعمار الاستيطاني الصهيوني" فهو أقدم من ذلك، وقد قرأت أولًا مقال صايغ الذي نشر عام 1965، ثم قرأت مقال وولف الشهير. كنت أود أن أتحدث عن


لا أعتقد أننا مطلعون بالقدر الكافي على مفهوم "المستوطن". فالظاهرة والأشخاص الذين يشير إليهم هذا المفهوم، هم غرباء عن حضارتنا على الأقل. وعند مراجعة الأدبيات نجد أن الدراسات المنشورة حول المستوطنين ظهرت تقريبًا خلال العشرين سنة الأخيرة. فقد نُشر مقال باتريك وولف بعنوان "الاستعمار الاستيطاني وإبادة السكان الأصليين" سنة 2006، أما مقال فايز عبد الله الصايغ بعنوان "الاستعمار الاستيطاني الصهيوني" فهو أقدم من ذلك، وقد قرأت أولًا مقال صايغ الذي نشر عام 1965، ثم قرأت مقال وولف الشهير. كنت أود أن أتحدث عن كلا المقالين بشكل منفصل، لكني فضلت ألا أتجاوز حدود المقال الصحفي. وفي النهاية يمكن لقرائنا الاطلاع على المقالات العلمية من مصادرها الأصلية. ومع ذلك، يتحتم علينا كشف الجوانب الخفية للمشكلات المعاصرة بقدر المستطاع، وهذا ما يجعل الإسهاب في شرح المصادر أحياناً أمراً لا مفر منه. وبهذه الطريقة يمكن أيضًا إظهار الجوانب الخفية من القضية الفلسطينية. فما لم تُحلَّل سياسات إسرائيل التوسعية التي تنفذها منذ تأسيسها بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة تحليلاً منهجياً فلن تُكشف جوانبها الخفية، وقد تُدفع القضية، مع مرور الوقت، إلى الهامش. ولتفادي هذا الاحتمال يجب مناقشة العدوان التوسعي الإسرائيلي ضمن إطار مفاهيمي محدد.

عند تأسيس نظام الانتداب البريطاني على فلسطين، كان المستوطنون فاعلين غير حكوميين. وكما هو معلوم، فإن نظام الانتداب لم يكن سوى صيغة جديدة نُقلت بها أساليب الاستعمار الأنجلوساكسوني في القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين. لقد نُوقش مفهوم الاستعمار الجديد في سياق أيديولوجي لدينا. ولو دُرس الانتداب البريطاني باعتباره واقعًا سياسيًا لاتخذت النقاشات حول الإمبريالية أبعادًا أوسع وأعمق. ومع ذلك، أدرك المفكرون من أصول فلسطينية، منذ وقت مبكر، ما كانت بريطانيا والولايات المتحدة تسعيان إلى تحقيقه من خلال إسرائيل، فركزوا جهودهم على دراسات ممنهجة لكشف أبعاد هذا المشروع. وقد كُتب مقال فايز عبد الله الصايغ «الاستعمار الاستيطاني الصهيوني» في مرحلة مبكرة. وهنا لا يمكن إغفال ذكر إدوارد سعيد، إذ ينبغي قراءة كتابه «الاستشراق» إلى جانب «قضية فلسطين» و«الإسلام في شبكة الأخبار» في سياق فهم الاستعمار الاستيطاني، لأن نقده للاستشراق يكتسب دلالته الحقيقية في هذا الإطار. ومن بين الأعمال البارزة الحديثة يأتي كتاب وائل حلاق «إعادة التفكير في الاستشراق» الصادر عن دار "كتب"، وهو عمل ذو قيمة فكرية كبيرة، وإن كان لا يعالج ظاهرة الاستيطان مباشرة.

لم تُترجم نسبة كبيرة من الكتب المخصصة لمفهوم الاستيطان إلى اللغة التركية، وحتى الآن، لا تزال الكتب والمقالات المنشورة في هذا المجال قليلة جدًا ومحدودة. على سبيل المثال، صدرت الطبعة الأولى من كتاب مكسيم رودنسون بعنوان "إسرائيل.. دولة استعمارية استيطانية؟" عام 1973، لكنه لم يُترجم إلى لغتنا. وتشرح هذه الكتب والمقالات، صفة إسرائيل كدولة استيطانية بشكل منهجي، وكذلك نقد الاستشراق في هذه الأعمال منظم ومنهجي. ولو أتيحت لي الفرصة لجعل هذه القضايا موضوعًا للدراسة، لحاولتُ إعداد منهج دراسي يعتمد على هذه الكتب والمقالات التي ذكرتها، بحيث يمكن عرض العدوان التوسعي الإسرائيلي في إطار مفاهيمي، وستقل قيمة المقاربات القائمة على الصدفة. إن إنجاز ذلك ضمن إطار أكاديمي على الأقل يعد أمرًا في غاية الأهمية.

تشير معظم الدراسات حول الاستيطان إلى وجود علاقة مباشرة بين المستوطنين والعنف. فالمستعمرون الذين هاجروا من قلب الإمبراطوريات إلى المستعمرات كانوا يندفعون بشراسة وجشع لا يصدق لامتلاك الأرض. وعمليات التطهير العرقي للسكان الأصليين كانت نتيجة هذا الجشع الاستيطاني. لكن التاريخ الغربي المعروف لا يتناول العنف الذي مارسه المستوطنون ضد السكان الأصليين. والأدهى من ذلك هو أن الانتقادات الموجهة لكتب كُتَّاب مثل فرانز فانون، الذي عاين عن قرب عنف المستوطنين تتمحور حول العنف نفسه، فعند مراجعة المقالات التي تتهم فانون بتمجيد العنف، يظهر هذا النمط النقدي بوضوح، في حين لا يتم التركيز على العنف الاستيطاني ذاته في تلك الكتب. كما أن مفاهيم مثل إرهاب السكان الأصليين لا تُطرح حتى للنقاش.

إن متابعة المنشورات التي تصدر في سياق الاستعمار الاستيطاني أمر بالغ الأهمية لتشكيل إطار مفاهيمي جديد. فهذه الأعمال قادرة على زعزعة تصوراتنا الراسخة حول الغرب وأوروبا، إذ تكشف أن جذور العنف الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ترتبط بتاريخ بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا.


#عنف
#المستوطنون اليهود
#إسرائيل
#الانتداب البريطاني